أسقطت انتخابات مجلس الشورى المصرية أي مجال لمقارعة الحزب الوطني الحاكم، فخرج الإخوان المسلمون من دون أي مقعد، في ما يبدو أنها «تمرين» لانتخابات مجلس الشعب في تشرين الأول المقبل

القاهرة ــ الأخبار
ليست المقاعد الـ74 التي فاز بها الحزب الوطني الحاكم، في انتخابات التجديد النسبي لمجلس الشورى، بالمهمة. فالأكثر أهمية هي الرسالة الواضحة التي قالت: لن نترك مكاناً لأحد. خسر الإخوان المسلمون الـ١٥ مقعداً التي تنافسوا عليها، ولم ينجح في الجولة الأولى للانتخابات إلا ٤ مرشحين من المعارضة، هم رئيس حزب الغد وأعضاء في أحزاب التجمع والناصري والجيل الجديد. تعدّ انتخابات الشورى بمثابة «تمرين» لما سيحدث في انتخابات مجلس الشعب في تشرين الأول المقبل. وهذا ما تقوله أرقام الناخبين التي لم تتخطّ الربع، إذ صوّت ٧ ملايين ناخب تقريباً من بين ٢٥ مليون يحق لهم المشاركة. حتى إن المنظمات الرقابية أكدت أن نسبة الإقبال كانت ضعيفة جداً، وتراوحت ما بين ٢ و٧ في المئة فقط، ما يمكن وصفه بالمقاطعة السلبية للانتخابات، إضافة إلى عدم ثقة يشير إلى تلاشي الأمل في إمكان التغيير عن طريق الصندوق.
ربما لأن «تمرين» الشورى لم يشهد «تغييراً» في مشهد الانتخابات التقليدية في مصر، حيث السيطرة الأمنية، وتزوير بطاقات، و«بلطجة» متبادلة من الجميع، كلّها أساليب ارتبطت بالنظرة إلى الانتخابات. فبات الناخب على يقين بأنه يحتاج إلى وسيط لإيصال صوته إلى الصندوق. المعركة إذاً على «الوساطة» بين الحكومة والشعب، وليست على نيابة بالمعنى السياسي المتعارف عليه في دول التعددية السياسية. وهنا يتشابه المرشحون بالنسبة إلى الجمهور، صاحب الأصوات، ويصبّ الاختيار على من يملك قوة المال والسلطة. المال يشتري عصابات الحماية. أما «رشى» الفقراء، فتبدأ من وجبة غذاء وتصل إلى ٢٠ جنيهاً. هذا بالنسبة إلى الناخب صاحب الصوت العادي. أما الناخب صاحب الجاذبية المؤثرة والفاعلة، فالتعامل معه يختلف، ليتحول إلى قائد في معركة يحسمها الأقوياء فقط.

اكتشف أحد المرشحين خلال التصويت أن أحدهم وضع صوته نيابة عنه
انتقادات منظمات حقوق الإنسان ليست جديدة، بدءاً بإغلاق عدة لجان صناديقها قبل الموعد المخصص، مروراً بعدم تنفيذ اللجنة العليا أحكاماً قضائية بوقف الانتخابات، وحصار لجان الفرز بقوات الأمن، وانتهاءً بمنع المرشحين والوكلاء والمراقبين من دخول لجان الفرز. تبقى الطُرف فقط. مرشح اكتشف لحظة التصويت أن هناك من وضع صوته نيابة عنه، ومرشّح سحب مؤيّديه عندما رأى حصار «البلطجية» لدائرته. ودائرة لم يسمح فيها إلا بدخول من يحمل بطاقة من مرشّح الحزب الوطني.
الجديد في «تمرين» هذا العام كانت اللجنة العليا للانتخابات، التي حلّت محل الإشراف القضائي، ولم تخيّب ظن الحكومة ولا المعارضة فيها. وخرجت بتصريحات متوقعه على لسان رئيسها، المستشار انتصار نسيم، الذي أكد أن العملية الانتخابية سارت «بطريقة سليمة». المستشار رفض الإجابة عن أسئلة الصحافيين بشأن العنف في الدوائر، واكتفى بأن ينظر بعيداً ويتمتم بصوت هادئ: «اسألوا وزارة الداخلية».
«التمرين» رفع معدلات اليأس لمن تصوّروا أن سحابة وردية ستمر فوق الملعب السياسي في مصر، وتتساقط معها أزهار الديموقراطية والانتخابات النزيهة. أما العارفون والخبراء، فقالوا كلمتهم: «لا جديد تحت الشمس».
تبقى شريحة صغيرة تدرك أن بناء قوى تحتية لدولة ديموقراطية لن يحصل على طريقة الأفلام الرومانسية قبل النهاية مباشرة.