strong>زيد الزبيديسبع سنوات من احتلال العراق مرّت بسرعة بالنسبة إلى البعض، وببطء ثقيل لكثيرين. لا يزال العراقيون عاجزين عن الإحاطة الكاملة بفهم ما حصل، ومَن يتحمّل المسؤولية؟ النظام السابق، أم «المعارضة السابقة»، أم إدارة جورج بوش؟ أغلب الظنّ أنّ الجميع مشتركون في «الجريمة»

سجالات بغداديّة: مَن يتحمّل المسؤوليّة؟



تحت سقف إحدى حافلات نقل الركاب في بغداد، كادت المناقشات بين عدد من المواطنين أن تتحول إلى معارك حقيقية؛ فبسبب الفوضى التي أعقبت التفجيرات الأخيرة، وقطع الشوارع في جانب الكرخ، وفي منطقة العلاوي تحديداً، والتصرفات العصبيّة لبعض الجنود والشرطة فيها، صاح أحدهم: «رحم الله أيام زمان... مَن كان يجرؤ على العبث بأمن البلاد والعباد»؟
لم يكد الرجل ينهي عبارته حتى تبرع أحد الركاب بالردّ عليه: «حضرتك بعثي وتحنّ إلى أيام صدام؟»، فاتحاً بذلك باب النقاش على الطريقة العراقية المعروفة، التي لا تخلو من تخوين هذا واتهام ذاك.
وتشير هذه السجالات، التي تعود إلى صدارة المشهد مع كل تدهور أمني خصوصاً، إلى اختلاف في الرؤية بين العراقيين على مبررات الغزو الأميركي لبلادهم، سواء كانوا سياسيين أو مواطنين.
ومع حلول الذكرى السابعة لدخول القوات الأميركيّة إلى بغداد، في مثل هذا اليوم من نيسان 2003، تباينت آراء الشارع؛ البعض رأى أنّ هذه السنوات السبع فتحت الباب واسعاً أمام «عهد الحرية والديموقراطية»، فيما رأى البعض أنها «سنوات عجاف أكلت الأخضر واليابس، وخلّفت ملايين الضحايا والمهجّرين والأرامل والأيتام، وبلداً مخرّباً».
ويعتقد محلّلون أن القرارات التي اتخذتها إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش غداة الغزو، وخصوصاً حل المؤسستين العسكرية والأمنية، وحظر حزب البعث، لم تكن مجرد «أخطاء»، بل هي جزء من «خطة»، جرى الاتفاق عليها مع أطراف في المعارضة العراقية آنذاك، بهدف إضعاف العراق، كي لا يهدد بعض الكيانات في المنطقة.
لكنّ الآثار الجانبية لعملية إسقاط نظام صدام حسين، فاقت الأهداف التي خطّطت لها واشنطن. فقد سقط للولايات المتحدة عدد كبير من الجنود، وأُرهق دافع الضرائب الأميركي، وذلك بسبب القرارات التي دفعت بضبّاط الجيش العراقي ومنتسبيه والمؤسسات الأمنية وعوائلهم إلى الشارع، بلا وظيفة أو راتب، ومن ثم انخراط بعضهم في تنظيمات مسلحة كلفت قوات الاحتلال خسائر فادحة، ناهزت 4390 قتيلاً، وأكثر من 30 ألف مصاب ومعوَّق، وأكثر من تريليون دولار حتى الآن. وعلى الصعيد السياسي، يؤكد خبراء استراتيجيون أن المستفيد الأكبر من الغزو كان إيران، التي استغلّت انشغال الولايات المتحدة بـ«المستنقع العراقي»، لتبني قاعدة قوية لبرنامج نووي أثار الشكوك في أهدافه، إضافة إلى بناء ترسانة متطوّرة من السلاح، ودعم حلفائها الإقليميين في المنطقة.
جيش من الدرك
ولا يزال البغداديون يحمّلون إدارة بوش السابقة مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الأمنية من تدهور، إذ يقول العميد الركن في الجيش السابق عبد الله الساري، إن «الأميركيّين فصّلوا جيشاً على مقاسات شوارع المدن، مهامه أقرب إلى مهام عناصر الدرك في بعض الدول، والدرك كما هو معروف قوات أقلّ من مستوى جيش، وأعلى من مستوى الشرطة». ويضيف «أستطيع القول إن القوات الأميركية ستنسحب من العراق، لكنني أجزم بأنها لن تسمح للعراق بشراء طائرة مقاتلة واحدة حتى عندما ينسحب جنودها منه، وهذه مشكلة، إذ إن أصغر الدول المجاورة تمتلك أفضل المقاتلات في العالم للدفاع عن أجوائها، إلا العراق».
ويلقي الموظف الحكومي عزيز سلمان باللوم على الرئيس السابق صدام حسين في ما آلت إليه الأوضاع في العراق، بما أن سياساته الداخلية والخارجية افتقرت إلى «النضج». ويوضح «كان عليه (صدام) أن يبدأ بعملية إصلاح شاملة في العراق، وخصوصاً بعد انتهاء الحرب مع إيران، إلا أنه وقع في فخ مهاجمة الكويت واحتلالها، ما أدّى إلى فرض حصار خانق استمر 13 عاماً، وخلّف مئات الآلاف من الضحايا بسبب نقص الغذاء والدواء، مع رواتب هزيلة، جعلت العراقيين في مصاف الشعوب الأفقر في العالم».
ويستدرك سلمان قائلاً «لو جرى التغيير بأيدٍ عراقية، من دون غزو أجنبي، لكانت الحال مختلفة، ولما تفككت الدولة، ولأصبح الوضع الأمني أفضل حتى مما كان موجوداً في ظل حكم صدام حسين. أما الآن، فالأمن الهش الذي نعيشه قد يتعرض للضياع مع مغادرة آخر جندي أميركي، وهذه مفارقة عجيبة صنعها الاحتلال». ويلفت خبير أمني عراقي مقيم في دولة عربية، فضّل عدم الكشف عن اسمه، إلى أنّ «ضعف الجانب الاستخباري الذي يتحدث عنه السياسيون، هو جزء من مشكلة أوسع، تتمثل بعدم ثقة قطاعات واسعة من المواطنين بأداء الأجهزة الأمنية وتحديد ولائها الحقيقي، هل هو للوطن والواجب والمهنة، أم لجهات سياسية معينة؟».
ويتذكّر «الخبير الأمني» كيف كان النظام السابق «يعتمد على شبكة استخبارية من الوكلاء، إضافة إلى أعضاء حزبه في رفد الأجهزة الأمنية بكل صغيرة وكبيرة تحدث في الشارع أولاً بأول، مستفيداً من هيبة الدولة التي كان يشعر بها كل عراقي، وقوة أجهزتها الأمنية».
ويضيف «أما الآن، فالوضع اختلف كلياً، وهيبة الدولة كسرتها القوات الأميركية حين حلّت المؤسسة العسكرية والأمنية، وسمحت بعمليات نهب وسلب لممتلكات الدولة». ويستطرد «لذا، فإنّ أي جهد لإعادة بناء أجهزة استخبارية قوية وفعّالة يحتاج إلى إقناع المواطن بوجود دولة مؤسّسات حقيقية وقوية وغير منحازة لهذه الطائفة أو تلك بالقول والفعل، عند ذاك تستطيع الأجهزة الأمنية كسب المواطن لمصلحتها، وإعادة بناء شبكة من المتعاونين ـــــ المخبرين على غرار ما هو معمول به في دول عريقة بهذا المجال».
أما سعاد راضي، وهي باحثة في علم النفس، فتعتقد أن حنين البعض لرؤية الأمن والاستقرار في زمن النظام السابق، أمر طبيعي، بسبب غريزة حب البقاء البشرية التي تتجه للاستظلال بالجهة التي توفر الأمن. لكنها تستدرك بالقول إن «هذا الحنين يجب أن لا يفسّره البعض على أنه حبّ لشخص صدام حسين أو نظامه، بل الصحيح هو ميل الناس الغريزي إلى من يحميهم بقوة الدولة المهابة».

محطّات من العراق المحتلّ



لتأريخ السنوات السبع للاحتلال، ربّما وجب تخصيص آلاف الصفحات. هنا محاولة لحصر الأحداث التي رأى فيها الإعلام العالمي مفاصل مصيرية في تاريخ هذا البلد
تاريخ العراق المحتلّ يبدأ من عام 2003، وتحديداً في التاسع من نيسان.
ـ 9 نيسان: أعلنت القوات الأميركيّة بسط سيطرتها على معظم المناطق العراقية.
ـ إسرائيل تعرب عن أملها أن «يستخلص الفلسطينيون العبر المناسبة»، ونائب وزير الخارجية الأميركي جون بولتن يقول إن «على سوريا أن تستخلص العبرة».
ـ 24 نيسان: مسؤولون أميركيون يعترفون بالفشل في العثور على أسلحة دمار شامل في العراق، وبوش يقول إنها دُمرت قبل الحرب، وقد لا يُعثر عليها.
ـ 22 تموز: مقتل نجلي صدام حسين، عديّ وقصيّ، في هجوم للجيش الأميركي في الموصل.
ـ 29 آب: اغتيال الزعيم الشيعي محمد باقر الحكيم في النجف.
ـ 8 آذار 2004: «مجلس الحكم العراقي» يوقّع على الدستور المؤقّت.
ـ 4 نيسان: اشتباكات مسلحة عنيفة بين الاحتلال و«جيش المهدي».
ـ 5 نيسان: بدء معركة الفلوجة.
ـ 29 نيسان: انفجار فضيحة التعذيب في سجن أبو غريب.
ـ 1 حزيران: حلّ مجلس الحكم العراقي لإفساح الطريق لحكومة مؤقتة برئاسة إياد علاوي.
ـ 28 حزيران: إعادة السيادة إلى حكومة علاوي المؤقتة، ومغادرة الحاكم الأميركي بول بريمر البلاد.
ـ 1 تموز: الجلسة الأولى لمحاكمة صدام حسين الذي رفض الاعتراف بهيئة المحكمة.
ـ 30 كانون الثاني 2005: أول انتخابات تشريعية يفوز فيها الائتلاف العراقي، بعد مقاطعة معظم العراقيين السنّة.
ـ 22 شباط 2006: تفجير القبّة الذهبية في سامراء، وبدء الحرب الأهلية الطائفية.
ـ 22 نيسان: أعيد انتخاب جلال الطالباني رئيساً، وكلّف نوري المالكي بتأليف حكومة.
ـ 7 حزيران: مقتل زعيم تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين»، أبو مصعب الزرقاوي.
ـ 30 كانون الأول: تنفيذ حكم الإعدام بالرئيس السابق صدام حسين.
ـ 14 شباط 2007: جورج بوش يقرر إرسال 30 ألف جندي إضافي إلى العاصمة.
ـ 22 أيار: الجولة الأولى من المفاوضات الأميركية ـــــ الإيرانية حول العراق، تلتها جولتان أخريان.
ـ 10 أيار 2008: مقتدى الصدر يأمر «جيش المهدي» بإلقاء السلاح. واتّسمت الأشهر الأخيرة من 2008 بالحوادث الأكثر أهمية، وفي مقدمها توقيع اتفاقية «صوفا» بين واشنطن وبغداد.
ـ 31 كانون الثاني 2009: إجراء انتخابات مجالس المحافظات.
ـ 30 حزيران: إكمال انسحاب القوات الأميركية من المدن.
ـ 7 آذار 2010: الانتخابات البرلمانيّة.

بايدن يريد حكومة «شراكة وطنيّة» سريعاًفقد بحث الرئيس العراقي جلال الطالباني مع بايدن، هاتفياً، النقاشات والحوارات بين الكتل الفائزة في الانتخابات. وجاء في بيان رئاسي «أنّ الطالباني تلقّى اتصالاً هاتفياً من بايدن، جرى التطرق خلاله إلى مسار النقاشات والحوارات الجارية بين الكتل الفائزة في الانتخابات البرلمانية».
وأضاف البيان إن بايدن «تمنّى الإسراع في تأليف حكومة شراكة وطنيّة تستطيع أن تواجه التحديات، وتأخذ على عاتقها تنفيذ المهام الوطنية من استتباب الأمن والاستقرار، وتوفير الخدمات الأساسيّة، وتوسيع علاقات العراق مع الخارج».
وأشار البيان إلى أن نائب الرئيس الأميركي «ثمّن الدور المحوري للطالباني في تقريب وجهات النظر بين الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات، وجهوده الحثيثة من أجل توحيد المواقف للإسراع في تأليف الحكومة المقبلة». كما اتصل بايدن، الذي كلّفه أوباما الإشراف على الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من العراق بحلول نهاية العام المقبل، برئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي.
بدورها، أعلنت كتلة «العراقية» أنها ستجتمع مع الوفد المفاوض لكتلة «التحالف الكردستاني» خلال يومين، لبحث موضوع تأليف الحكومة المقبلة.
وفي جديد قد يعرّض المفاوضات الانتخابية للتأخير، أصرّ التيار الصدري، على أحقيّته في ترؤّس «الائتلاف الوطني العراقي» لأنه نال وحده 39 نائباً من أصل 70 لمجموع الفائزين عن الائتلاف.
وأكّد القيادي الصدري، جعفر الموسوي، أن «الأمر المتفق عليه قبل الانتخابات، هو أن يتولى القيادة من يحصل على أصوات أكبر داخل الائتلاف».
وبدأ مئات الآلاف من العراقيين بالتوافد إلى مدينة النجف للمشاركة بالتظاهرة التي دعا إليها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في هذه المدينة اليوم، لمناسبة الذكرى السابعة لاحتلال العراق، علماً بأن التيار جزم بأنّ المشاركين في تظاهرة اليوم سيتخطّون الملايين الأربعة تحت شعار «رفض وجود المحتل على الأرض العراقية».
ميدانياً، اعترف الجيش الأميركي بمقتل جنديين من صفوفه بعمليات قتالية شمال العراق، ليرتفع عدد قتلى الاحتلال في شهر نيسان الجاري إلى ثلاثة جنود، وليصل عدد قتلاه منذ غزوه العراق إلى 4390، بينهم 20 قتلوا هذا العام.