أخبروني
من فلسطين أخبروني، أن الشمس لا تشرق إشراقاً طبيعياً، فشروقها يحين ساعة الظهيرة عندما تتوسّط جدارين وُضعا لفصل حدّي السماء. من فلسطين أخبروني أيضاً، أن الشمس لا تُشرق من خلف الجبل، ولا تغرب خلف البحر، بل تُشرق من خلف جدار لتغيب خلف جدار آخر.
من فلسطين أخبروني، أن الحلوى مُنعت على أهل القطاع، ربما كان السبب أن «ولاد غزة ممنوع يفرحوا»، أما الحجة التي غطّت السبب؟ فهي أن «المواد الأساسية من ماي وخبز ودوا هيه بس اللي مسموح تفوت على القطاع». واستفاد رسامٌ كاريكاتوريٌ غزّاويٌ بارع من سخرية القرار، فرسم لوحة لامرأة وزوجها يسأل «وين حطيتي الشمع؟» فتقول الزوجة «طعميتن للولاد!». من فلسطين أخبروني، أن العريس في الضفة يزّف مرتين، مرة يوم عرسه، ومرة يوم استشهاده، فتضيع أمه بين فرحة العرس وحسرة الموت، حتى توحّدت أشكال الزغاريد يوم العرس ويوم الاستشهاد. من فلسطين أخبروني، أن المؤمن مُنع من الصلاة، فرب «موسى» قد حارب رب «محمد» و«عيسى» منذ آلاف سنين مضت، ولا يزال الإشكال قائماً بينهم حتى مُنعت الصلاة على غير عبد «موسى»، أما الشموع التي حاصرت مهد «عيسى» وإسراء «محمد»؟ فتحولت إلى بنادق ورشاشات وأسلحة ثقيلة. من فلسطين أخبروني، أن الاحتلال لا يُفرّق بين عربي وعبري في الالتحاق بصفوف العسكر الإسرائيلية، لكنه يفرّق بين عربي وعبري على الحواجز، ربما كانت الأزمة هي أزمة ملامح: في كنف الاحتلال، يُمنع عليك أن تكون عربياً، فلا يُسمح لك باستخدامها وإلا دفعت الضريبة. من فلسطين أخبروني، أن الأطفال لا يغفون مساءً بسبب أصوات الطائرات والرشاشات، أو في حالات الهدوء؟ فهم لا ينامون ايضا ولكن بسبب أصوات الجرافات. من فلسطين أخبروني، أن عدد الطلاب في جامعة بيرزيت انخفض انخفاضاً هائلاً، فمعظم هؤلاء قد سقط بين شهيد وجريح و..متسرّب من الدراسة، بسبب التهديدات المتواصلة.
من فلسطين يا نصردين، يخبرونني قصصاً كثيرة، يخبرونني أيضاً أن الصبي في عمر العاشرة يواجه الدبابات العسكرية بحجر، فيما ينشغل أصحاب القرار بصفقة مالية، تُساهم في بناء هذا الجدار أو ذاك. من فلسطين أخبروني أن الدم أصبح يُباع ويُشرى ويُصدّر إلى الخارج حتى، فيما لا يأكل الناس خبزهم ثمناً لذاك الدم الذي دُفع مقابل الحرية والأمان، وأرض الوطن.
إيمان بشير

■ ■ ■

...كذلك في بعلبك ـ الهرمل

جدار الفصل العنصري الإسرائيلي في الضفة، جدار العار المصري في غزة، وجدار الحرمان اللبناني في بعلبك ـــــ الهرمل. تتعدد الأسماء والجدار واحد، والبنّاء الخبيث نفسه يحاول كسر إرادة شعب بأكمله وإخضاعه عبر قتله وتجويعه وحرمانه من أبسط حقوقه الطبيعية. ولكن عبثاً يحاول، فهناك شعب يرفض ترك وطنه لتبنى فيه أوكار العنصرية المسماة مستوطنات، وهنا شعب متمسّك بسهله، يزرع في ترابه حتى لو كانت الدولة تقتل حتى الزرع فيه، مفضلين المصارف والمواخير والملاهي وأوكار الفساد والسرقة.
في بعلبك ـــــ الهرمل كما في فلسطين، قنّاص دخيل مجرم يده دائماً على الزناد ليطلق النار مباشرةً في صدر كل من يحاول تجاوز الحدود التي حددها له النظام.
في بعلبك ـــــ الهرمل كما في فلسطين، الفلاح يُمنع من أن يزرع أرضه، والأم لا تفرح بولدها إلا شهيداً، والطفل لا يتلذذ إلا بالألعاب الدموية، والتلميذ لا يعرف عن المدرسة إلا صفوفها الابتدائية. في بعلبك ـــــ الهرمل كما في فلسطين، لا يكبر الشاب إلا عاطلاً من العمل، يضع نصب عينيه هدفاً واحداً، القتال لردّ الثأر لروح أخ قُتِل على حاجز أو أب خُطِف في ليل أمني.
في بعلبك ــــ الهرمل كما في فلسطين، القضية قضية احتلال وتحرير، فلا فرق بين محتل يقتل الناس في بيوتهم بالقذائف والمجازر اليومية هناك، ومحتل يقتل الناس في بيوتهم من الجوع والحرمان والرصاص العشوائي الذي يصيب دائماً بين العيون هنا.
هناك، في فلسطين، مقاوم امتشق بندقيته والتزم ألا يتركها حتى تحرير أرضه من آخر جندي إسرائيليٍ مدجج بكل أسلحة الدنيا، وهنا طافرٌ قسراً في الجرود، حتى تحرير وطنه من آخر حاكم يسرق كل شيء ليشبع شهواته عبر المصارف والضرائب والشركات وتبييض الأموال.
إنهم جميعاً يعرفون أننا نراهم ونرى جدرانهم الثلاثة بعين واحدة، عبثاً يحاولون إيهامنا بأن ما يجمعهم هو كلمة لامعة مشرقة اسمها «السلام»، لكنهم لا يعرفون أبداً أن ما سيجمعهم في المستقبل القريب هو مزبلة التاريخ.
ناصردين