السلطة تندّد برسالة «بيبي»: لا تساعد المفاوضات علي حيدر
بعد التعهّد الذي قدّمه إلى وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، يوم الخميس الماضي، باتخاذ العديد من الخطوات لدعم المفاوضات غير المباشرة، وجّه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رسالة خطية إلى البيت الأبيض تضمنت مواقفه من المطالب الأميركية بخصوص تحريك عملية التسوية، بعد الأزمة الأخيرة التي عصفت بالعلاقات بين واشنطن وتل أبيب.
لكن نتنياهو رفض في الرسالة إلغاء مشروع البناء في حي رمات شلومو، الذي فجّر الأزمة، أو تجميد البناء تجميداً تامّاً في شرقي القدس، بل تعهد أن حكومته لا تعتزم البناء في ذلك الحي خلال السنوات الثلاث المقبلة على الأقل.. إضافةً إلى عدم نشر المزيد من العطاءات للبناء الاستيطاني من دون إقرار القيادة السياسية وبمراقبة شخصية منه، ونتيجةً لذلك ستتألّف هيئة تشرف على هذه العملية. ووعد نتنياهو بألّا تفاجئ حكومته، بعد الآن، الولايات المتحدة بالبناء وراء الخط الأخضر، كما حصل خلال زيارة نائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن لإسرائيل.
ومنعاً لأي التباس، أكد نتنياهو على موقفه، خلال جلسة الحكومة أمس، أن رسالة إسرائيل خلال زيارته إلى الولايات المتحدة هي أنّ «سياستنا تجاه القدس هي نفس السياسة المعتمدة في الـ42 سنة الماضية» منذ الإعلان الاسرائيلي عن توحيد هذه المدينة بعد حرب عام 1967. وتابع «بالنسبة إلينا البناء في القدس مثل البناء في تل أبيب». وأضاف «اعتقدت أن من المهم جداً ألّا تظل هذه الأمور في سياق التعليق أو التكهن. وبالتالي، كتبت رسالة بمبادرة مني لوزيرة الخارجية حتى تكون الأمور واضحة وضوح الشمس». ووافق نتنياهو على البحث في القضايا الأساسية العالقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية (الحدود والقدس والمستوطنات واللاجئين)، لكن من دون أن يحدد أي آفاق تتعلق بهذه القضايا بل وضع ذلك في إطار حق كل طرف بعرض أفكاره خلال المفاوضات بين الطرفين.
وكجزء من خطوات بناء الثقة، وفق الطلب الأميركي، وافق نتنياهو في رسالته على «تخفيف الحصار» على قطاع غزة والسماح بإدخال مواد البناء للمرة الأولى منذ العدوان الإسرائيلي على القطاع أواخر عام 2008 ومطلع العام الماضي، حيث سيُسمح بإدخال مواد بناء عبر الأمم المتحدة لترميم شبكة الصرف الصحي وترميم مستودع للقمح وبناء 150 وحدة سكنية في مدينة خان يونس جنوب شرق القطاع.
كذلك عبّر نتنياهو عن استعداده للمبادرة إلى خطوات تتسم بالمرونة تجاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس تتضمّن الإفراج عن مئات المعتقلين الفلسطينيّين الذين ينتمون إلى حركة «فتح»، لكنه اشترط لذلك أن لا يضرّ بالمفاوضات غير المباشرة الجارية لإتمام صفقة التبادل مع حركة «حماس».
بدورها، ردت الرئاسة الفلسطينية على تصريحات نتنياهو، معتبرةً أنّ مواقفه «لا تساعد على العودة إلى المفاوضات».
وقال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، لوكالة «فرانس برس»، إنّ «تجميد الاستيطان لا تأجيله هو الطريق الوحيد لإعادة الثقة بعملية السلام وأقوال نتنياهو لا تساعد على العودة للمفاوضات». وشدد على أنّ «الحكومة الإسرائيلية لم تتراجع عن وقف الاستيطان، وما يقوم به نتنياهو هو محاولات للالتفاف على الموقفين العربي والفلسطيني»، مطالباً الإدارة الأميركية «بتقديم ضمانات لتجميد تام للاستيطان» في القدس الشرقية.
ورأى كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات لوكالة «فرانس برس» أن «نتنياهو يتحدى إرادة المجتمع الدولي تحدّياً سافراً مرةً أخرى»، مؤكّداً أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي «تعدّ ردّاً على قرار الرباعية» الدولية التي طالبت إسرائيل بوقف الاستيطان في القدس الشرقية.
وأضاف عريقات إنّ «تصريحات نتنياهو تدل على ابتعاده عن متطلبات السلام، وخصوصاً عشية وصول المبعوث الأميركي لعملية السلام إلى المنطقة (جورج ميتشل) وسفر نتنياهو إلى واشنطن اليوم. إنه يرفض بيان الرباعية جملة وتفصيلاً».
وعن الأسباب التي دفعت نتنياهو إلى توجيه هذه الرسالة، أوضحت صحيفة «هآرتس» أن رئيس الوزراء يستهدف من ذلك الحؤول دون تفسير خاطئ لما قدّمه إلى كلينتون، وكذلك لإظهار جدية عالية أمام الحكومة الأميركية بهدف عقد لقاء مع كلينتون ومع الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال زيارته لواشنطن اليوم للمشاركة في المؤتمر السنوي لمنظمة «إيباك»، التي تمثّل اللوبي الإسرائيلي. إلا أنه بحسب وسائل الإعلام الأميركية فقد جاءت الرسالة بناءً على طلب كلينتون.
وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنه من المتوقع، بعد مواقف نتنياهو، أن «يدحرج الرئيس الأميركي باراك أوباما المسؤولية باتجاه الطرف الفلسطيني». وفي هذا السياق «يبدو أنه سيدعو رئيس السلطة محمود عباس إلى البيت الأبيض كي يحثّه على دفع الاتصالات مع إسرائيل إلى الأمام».
ويبدو أن رسالة نتنياهو حققت غايتها، إذ سلّمه المبعوث الأميركي الخاص جورج ميتشل دعوة رسمية للقاء الرئيس الأميركي، باراك اوباما.
والتقى ميتشل أمس وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، الذي أكّد ضرورة إجراء مفاوضات مباشرة، وأنّ بإمكان الإدارة الأميركية التغلب على كل العقبات والجلوس وجهاً لوجه للتوصل إلى اتفاق شامل في المنطقة.
من جهة أخرى، أكّد وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، لصحيفة «دير شبيغل» الألمانية، أنّ الحكومة الإسرائيلية غير مستعدة لتقديم «تنازلات عن أراض» للفلسطينيين للتوصل إلى تسوية للنزاع، لافتاً إلى أنّ النزاع في الشرق الأوسط «نزاع ثقافات لا يمكن حلّه بتنازلات عن أراض». وأضاف «ننتظر الآن من الأميركيين أن يمارسوا ضغوطاً على الفلسطينيين». ونفى أن تكون إسرائيل قد استفزّت أحداً عندما أُعلن مخطط بناء مئات الوحدات السكنية في شرقي القدس، موضحاً أن القدس الشرقية «جزء لا يتجزأ من عاصمتنا... ولسنا على استعداد للتفاوض في شأن القدس».