نيويورك ــ نزار عبود هل تقترب إسرائيل عبر تصعيدها الديني والعسكري الأخيرين من تطبيق استراتيجيتها التهويدية بترحيل الفلسطينيين جماعياً والاستئثار بفلسطين كاملة؟ إنها استراتيجية «كلب مسعور يتفادى الجميع استفزازه»، كما وصفها وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه دايان، الذي خاض حرب عام 1967، التي اقتبسها منه أحد المؤرخين المنظّرين لـ«عقيدة الضاحية».

بشّر أستاذ التاريخ الحربي في الجامعة العبرية في القدس مارتين فان كريفيلد، بقرب حدوث الترحيل عندما قال في أواخر عهد رئيس الوزراء السابق يهود أولمرت: «ينبغي ترحيل الفلسطينيين. قبل عامين كانت نسبة الإسرائيليين الذين يؤمنون بأن هذا هو الحل 7 أو 8 في المئة. وقبل شهرين وصلت إلى 33 في المئة. واليوم أظهر استطلاع رأي أجرته وكالة غالوب أن النسبة وصلت إلى 44 في المئة». وأكد كريفيلد أن شارون كان يرغب في تنفيذ الترحيل من خلال تصعيد الصراع، «لأنه كان يعلم أن ليس هناك من حل ناجح غيره».

كريفيلد من المؤرخين الذين يرون أن القوي يخسر دائماً في حربه مع الضعيف، إلا إذا تخلى عن المبادئ. إنه صاحب 17 مؤلفاً عن التاريخ الحربي والاستراتيجيا. وفي كتابه الصادر في عام 1991 «تحولات الحرب» الذي ترجم لعدة لغات بينها الروسية والألمانية والإسبانية، طرح نظرية جديدة تشخّص الحروب التي وقعت بعد الحرب العالمية الثانية، منتقداً نظريات أسلافه، وواصفاً إياها بـ«الضيقة» لأنها تميز بين شؤون الشعوب والحكومات والجيوش، داعياً إلى التكيف مع المتغيرات لدرء الأخطار، وإلا تصبح القوانين الدولية عبئاً استراتيجياً مكلفاً.

وفي طرح يعيد خلط الأوراق بالنسبة إلى المعاهدات الدولية الخاصة بحماية المدنيين في زمن الحرب، وعلى الأخص معاهدات جنيف والقانون الإنساني الدولي، رأى أن النظريات السابقة كانت عاجزة عن دراسة «الصراعات التي تشارك فيها تنظيمات غير حكومية».

وطرح في المقابل قضايا رئيسية تتعلق بالحروب الحديثة. الأولى تتعلق بمن يخوض الحرب (حكومة أو غير حكومة)، والثانية عن مضمون الحرب (العلاقة بين المقاتلين من جهة وغير المقاتلين من جهة أخرى)، والثالثة كيفية خوض الحرب (تتعلق بالاستراتيجية والتكتيك)، والرابعة تتعلق بالهدف من الحرب (لتعزيز القوة الوطنية، أم تكون الحرب هدفاً في حد ذاتها)، والخامسة تتعلق بأسباب خوض الحرب (وهذه مرتبطة بدوافع الجندي للقتال).

وخلص كريفيلد إلى أن معظم الحروب التي خيضت بعد نهاية الحرب الثانية كانت صراعات منخفضة الكثافة غالباً ما تخسرها الدول القوية نتيجة اضمحلال ظاهرة الدول القومية «التي لم يواكبها انحسار في العنف المنظم». في المقابل، فإن الجيوش تواصل التدرب على خوض حروب تقليدية وتستعد لها بالعتاد المناسب، ولا تستعد لخوض حروب منخفضة الكثافة. وبالتالي، رأى أن الواجب يحتّم على الدول أن تبدّل أسلوب التدريب وتعيد النظر بمعداتها القتالية واللوجستية.

هذه النظرية حظيت باهتمام عسكري واسع في الغرب، بحيث إن ضباط الجيش الأميركي يدرسون كتابه ضمن مناهجهم الأكاديمية. وانطلاقاً منها، أعرب كريفيلد في مقابلة تلفزيونية أجريت معه عام 2002 عن تشكّكه في قدرة إسرائيل على هزيمة الفلسطينيين بحجة أن الإسرائيليين «مثاليون... يرغبون في إثبات قدراتهم تجاه من هم أقل منهم شأناً بكثير». ومضى في تحليله قائلاً: «إذا كنت قوياً وتحارب ضعيفاً وتقتل خصمك فأنت نذل. وإذا سمحت له بقتلك فأنت مغفل. هذه حيرة واجهها غيرنا من قبل ولا مفرّ من مواجهتنا لها».

إلا أنه اكتشف أن الإسرائيلي لم يكن أسوأ حالاً في هذه القضية من نظيره الأميركي في حرب فييتنام، مدعياً أنه لم يستخدم أسلحة النابالم المحظورة دولياً، (علما بأن إسرائيل استخدمتها في العرقوب عام 1969، واستخدمت الفوسفور الأبيض والقنابل العنقودية واليورانيوم المنضب في لبنان وغزة). كذلك يقول: «لم تقتل إسرائيل ملايين البشر» موحياً بإمكان حدوث ذلك إذا اقتضت الحاجة. وبالتالي فإن المسائل الأخرى «تبقى نسبية والحرب تخاض ضد ضعفاء». عندها «كل ما تفعله يصبح إجراماً» ولا مفر منه.

بناءً على ذلك كان توجهه أن اللوم واقع لا محالة، فما الفائدة من دفن الرأس بالرمال؟ ولتخض الحرب كما ينبغي بالطريقة المسعورة، التي نادى بها دايان ومارسها بالفعل عام 1967، والتي انتهت بقتل آلاف الجنود الأسرى العرب بدم بارد.

كريفيلد هذا لا يمانع في حصول إيران على أسلحة نووية لأنها لا تستطيع الإخلال بالتوازن حسب رأيه مقابل إسرائيل القادرة على مواجهة أوروبا. وقال إن الواجب «يفرض على إيران بناء أسلحة نووية». وكتب في 21 آب 2004، في صحيفة «إنترناشونال هيرالد تريبيون»: «إذا لم يكن الإيرانيون قد حاولوا إنتاج أسلحة نووية فإنهم حمقى».

كريفيلد وصف غزو 2003 للعراق بأنه حرب غبية. وبحسب اعتقاده، فإن جورج بوش يستحق المحاكمة على هذه الغلطة التاريخية بغزو العراق «لأن إيران كانت المنتصر الحقيقي في الحرب».

وبخلاف الأصوات الإسرائيلية المحذرة من محرقة نووية إيرانية ترتكب بحق إسرائيل، قال إن دولته لا تخشى خطراً نووياً إيرانياً «لأننا نملك ما يردع الهجوم الإيراني». بل اكتشف فائدة من التهديد الإيراني بالحصول على أسلحة أميركية وألمانية.

كذلك فإنه رأى أن حرب تموز ناجحة، لأنها أبعدت «حزب الله» عن الحدود «بعد هزيمته ومصرع المئات من مقاتليه»، وأوجدت قوات دولية في المنطقة ضمنت لإسرائيل الهدوء على حدودها الشمالية.

وقد يكون تصريحه العام الماضي عن قدرة إسرائيل على الثأر من المحرقة النازية من أوروبا مكلفاً في سمعة إسرائيل لمدى بعيد وسلاحاً في يد خصومها في الساحات المدنية الغربية، حين قال بعيد حرب غزة: «نمتلك عدة مئات من الرؤوس النووية والصواريخ التي نستطيع توجيهها إلى أهداف في كل الاتجاهات، ربما حتى إلى روما. ومعظم العواصم الأوروبية هدف لسلاحنا الجوي».