خاص بالموقع - تتزايد أعداد الفلسطينيين الذين يرتادون تكية خاصكي سلطانه، المكان التاريخي المخصص منذ 454 عاماً لإطعام فقراء القدس المحتلة، حيث يعيش نحو 67 في المئة من العائلات الفلسطينية تحت عتبة الفقر ويحمّلون الدولة العبرية مسؤولية تدهور أوضاعهم المعيشية.السلطانة روكسا، زوجة السلطان العثماني سليمان القانوني، كانت قد شيدت هذا المكان المقبّب الذي يزيد ارتفاعه على عشرة أمتار ووهبته لفقراء القدس ولا يزال يمثّل ملجأً للمقدسيين المعوزين.
وتروي سميحة (49 عاماً) وهي تجلس مع مجموعة من النساء على درجات التكية في انتظار الحصول على وجبة غذاء لها ولأولادها أنه لولا الحاجة الماسة وسوء وضعها الاقتصادي لما جاءت للتكية. وتمضي قائلة: «أنا أرملة اتقاضى راتباً من التأمين يبلغ ألف شيكل، أي نحو 250 دولاراً»، مضيفة أن هذا المبلغ لا يكفي لتغطية النفقات المعيشية للعائلة.
وتتابع: «أولادي لا يعملون، وإسرائيل لا تريد عمالاً عرباً، وتستقدم العمال من الخارج، كانوا يساعدوني والآن تتراكم علينا الديون»، مؤكدة أن الاسرائيليين «لا يريدون عرباً في القدس».
وكانت السلطانة روكسانا قد خصصت بعض الأراضي الممتدة من القدس إلى مدينة الرملة لريع التكية، إلا أن دولة الاحتلال صادرت هذه الأراضي عند تأسيسها.
وعلى مدخل التكية علقت لافتة كُتب عليها «تبرع من الهلال الأحمر الإماراتي ـــــ أبو ظبي» لعام 2009ـــــ2010، إذ يقوم الهلال الأحمر الإماراتي بالإنفاق هذا العام على وجبات الغذاء التي توزعها التكية.
وتقول أم محمد (52 عاماً): «أنا أم لستّ بنات، ولي ولد سجين منذ عامين، وعندما يخرج لن يجد عملاً لدى إسرائيل لأنه لم يحصل على حسن سلوك»، وتتابع: «ابنتي عمرها 24 عاماً لا تعمل وعليها دفع فواتير التأمين الصحي لمدة ست سنوات تراكمت عليها مع الفوائد، إذ أصبحت نحو 3 آلاف دولار». وتصف العيش والحياة في القدس بأنها «نار لا يعرفها أحد».
أما طباخ التكية أحمد بحيص (60 عاماً) فيشرح قائلاً: «نوزع وجبات غذائية يومياً على 115 عائلة، أي نحو 600 شخص، فيما يتناول الوجبات عندنا نحو خمسين آخرين». ويضيف: «في السنوات العشر الأخيرة اختلف الوضع كلياً، إذ كنا نطبخ الوجبات فقط في رمضان، لكن اكتشفنا أن احتياجات الناس كثيرة وأن معظم الناس فقراء».
ويورد الطباخ تفاصيل عمله ويقول: «نحن نطبخ كل يوم نحو 70 كيلوغراماً من الأرزّ و80 كيلوغراماً من اللحم و50 كيلوغراماً من الدجاج ونقدم معها الفاصولياء واللبن والملوخية والبازيلاء»، مشيراً إلى أن الكلفة الشهرية للوجبات تبلغ نحو 90 ألف دولار. وتوزع التكية وجبة من شوربة القمح، وهو تقليد قديم العهد يُعَدّ جزءاً من تراث القدس.
وكانت «جمعية حقوق المواطن» في إسرائيل قد أفادت في منتصف عام 2009 بأنّ 66.8 في المئة من العائلات في المدينة تعيش تحت خط الفقر، مقارنة مع 23.3 في المئة من العائلات اليهودية، وأن 22 في المئة فقط من السكان العرب يحصلون على الخدمات الاجتماعية، مشيرة إلى أن التمييز الذي تمارسه إسرائيل لضمان غالبية يهودية في المدينة مسؤول جزئياً عن هذا الوضع.
ولمحاولة مساعدة السكان على التغلب على الوضع الاقتصادي، توزع لجان مقدسية محلية قسائم خبز على نحو 700 عائلة. ويقول طارق الجولاني (38 عاماً)، وهو أحد أفراد اللجان المحلية: «نوزع الخبز على عائلات فقيرة تتكون من أكثر من أربعة أفراد، وكل ربطة خبز فيها 20 رغيفاً، وذلك بدعم من لجنة صندوق المال المغربي على نفقة ملك المغرب». ويضيف: «كذلك نوزع هدايا وألعاباً للأطفال في الأعياد وحقائب مدرسية وطعام في رمضان».
ومن لجنة زكاة القدس، يؤكد أشرف سلهب أن «35 في المئة من زكاة المسجد الأقصى التي نجمعها في رمضان توزَّع على القدس، وعندنا نحو 5 آلاف عائلة فقيرة مثبّتة، لكننا لا نستطيع أن نساعد إلا 800 عائلة منها عبر منحها راتباً شهرياً يتراوح بين 50 إلى 100 دينار أردني».
ويشير إلى أن معظم مشاكل المقدسيين ناجمة عن فواتير إسرائيلية أُهملت وتراكمت عليهم وتضاعفت و«هم لا يعرفون أنهم يتعاملون مع دولة ومؤسسات». ويشدد على أن إسرائيل «تقوم بإفقار الناس»، مورداً أمثلة على ذلك كعملية هدم المنازل قائلا:ً «الفلسطيني يضع مدخراته في بيته التي تقوم إسرائيل بهدمه حيث يخسر كل شيء».
ويقول سلهب إن عملية سحب بطاقات الهوية التي تمنح فلسطينيي القدس حق الإقامة في المدينة من قبل السلطات الإسرائيلية زادت من إفقار الناس «فمن يملك بيتاً خارج حدود بلدية القدس هجره واضطر للانتقال للعيش في حي بيت حنينا وغيره من الأحياء، ومعدل الإيجارات فيها بين 500 دولار و700 دولار وأكثر».

(أ ف ب)