إيمان بشير«البسي حلو بس شوي مستّر، كتري المكياج مع قلم حُمرة أحمر. طلّي عليهن هيك بأحلى زينة، قُدام الكاميرا عقبال ما تفلّي من الديرة». هذه ليست زلغوطة (أويها) ولا أغنية شعبية فلسطينية، بل هي نصيحة جوهرية تقولها معظم نساء مخيّم القاسمية لبناتهن قبل الذهاب إلى أي عرس يُقام في ساحة المخيم. والسر يكمن في شريط الفيديو الذي سيذهب إلى ألمانيا، والذي سيشاهده معظم الشباب الذي هجروا المخيم بحثاً عن لقمة العيش!
إذا ذهبت يوماً إلى القاسمية، فستلاحظ أن نسبة الصبايا تفوق نسبة الشباب بكثير، فهم يجرّون بعضهم بعضاًً، واحداً تلو الآخر، إلى ألمانيا، بلاد (معاش البطالة) و(تعلّم اللغة ببلاش). لا يهم إن كانت الهجرة إلى هناك شرعية أو غير شرعية عن طريق البحر، أو حتى إن كانت المهنة «غسيل صحون»، فهي بالتأكيد أفضل من العيش في مخيم يأتيه الحلاق وبائع البوظة على «موتسيك»! القاسمية لا يشبه جميع المخيمات، لا يمكنك أن ترى الأراكيل في الشارع، ولا الشباب يقفون إلى جانب الطريق يتبادلون أطراف الحديث، (ما عاد في شباب، لمين بدن يكزدروا البنات)؟ فيبقى شريط الفيديو هو الحل الوحيد، وخاصة أنّ الإنترنت لا يدخل جميع بيوت المخيم إلا من هم من الطبقة البورجوازية (يعني يللي بيلبس ولادهم برجليهم صباط أو صندل بس يلعبوا بالشارع). وكاميرا الفيديو تظل الحاضر الأول في كل عرس يُقام في المخيم، تصطف الصبايا أمامها، وأحياناً يتنازعن كي يظهرن جميعاً في الفيلم بأحلى زينة. أما الأمهات، فلا يسمحن لبناتهن بحمل الأطفال أثناء الرقص. سمعت امرأة تقول لبنتها مرة «هسّه بفكروه ابنك يا فالحة!» وممكن أن يضيع النصيب. وفعلاً، بعد كل شريط فيديو يرسل إلى بلاد النعيم تزداد نسبة «المخطوبات» في المخيم! «فلان بن فلان خطب فلانة بنت فلان»، ليس بالضرورة أن يحصل اللقاء، وإن حدث، فليس بالضرورة أن يكون «فلان ابن حلال»، المهم أن تتم «الجيزة على خير»، لتسافر العروس أيضاً إلى ألمانيا بطريقة ما. فيمكن «فلاناً» كان متزوجاً من ألمانية طلّقها بعد أخذ الجنسية، ومن الممكن أيضاً أن يكون لا يزال متزوجاً من ألمانية ولا يزال في انتظار معاملات الطلاق في بلدٍ لا يسمح بتعدد الزيجات، ومن الممكن كذلك أن يكون «المحروس» يعيش في ألمانيا بلا أوراق إقامة وهذه من الحالات الأسوأ التي تستغرق وقتاً طويلاً لحلّها!
آخر عرس حضرته في المخيم كان لإحدى قريباتي عندما كنت في السابعة، ولم يكن العريس حاضراً. وقتها سألت أمي «ماما، وينو العريس؟ في عرس بيصير بلا عريس يا ماما؟!»، حينها اصفرّت الوجوه من حولي، ولم تعد أمي تأخذني معها إلى أعراس
المخيم!