قد تكون تجربة التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين الفارين من العراق، أولى بوادر التعاطي مع قضية اللاجئين عموماً: التوطين في بلد ثالث
علاء العلي
«هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها توطين فلسطينيين في بلد ثالث»، هكذا قالت الأستاذة في القانون الدولي للاجئين (جامعة واشنطن)، اليزبيث كامبل، في تقريرها الصادر في أيلول 2009 عن ترحيل فلسطينيي العراق من مخيمات الوليد والتنف إلى دول غربية مختلفة.
مع بزوغ فجر اليوم، سيكون مخيّم التنف قد انتهى عمليّاً، إذ ستعلن مفوضية شؤون اللاجئين رسمياً إغلاقه، عبر نقل 67 شخصاً إلى مخيم الحسكة كمحطة مؤقتة قبل الانتقال إلى السويد، أسوةً بـ960 شخصاً رُحّلوا على فترات مختلفة.
وتعود قصة هؤلاء إلى نكبة فلسطين عام 1948، حين حلّوا على العراق ضيوفاً، ورفضت السلطات العراقية آنذاك تسجيلهم من جانب وكالة «الأونروا»، على اعتبار أنهم «أهلنا، ونحن مكلّفون بهم». لكن مع نكبة العراق عام 2003، نال الفلسطينيون نصيبهم من الخطف والقتل، فتوالت هجرتهم على دفعات. تمكّن الميسورون منهم من الحصول على تأشيرة دخول إلى دول كالهند وتايلاند، فيما لجأ ذوو الإمكانات المادية المحدودة إلى الحصول على وثائق عراقية مزوّرة تكفيهم شرّ الميليشيات المنتشرة على طول الطريق بين بغداد والحدود مع سوريا والأردن.
مصير هؤلاء كان المنع من دخول الأراضي السورية أو الأردنية، إذ رفض كلا البلدين إدخالهم، لتنشأ أربعة مخيمات في المناطق العازلة الحدودية: الرويشد والتنف والوليد والهول.
مخيم الرويشد أنشئ على مقربة من الحدود الأردنية، حيث جرى إيواء لاجئيين من جنسيات مختلفة كالصومال وإيران، ليصار لاحقاً إلى حل قضيتهم بطرق مختلفة، فأُدخل الفلسطينيون أصحاب الأوراق الثبوتية الأردنية إلى الأردن، فيما رُحّل العديد من الفلسطينيين إلى دول مختلفة أهمها البرازيل.
أما مخيم التنف، فقد أُنشئ عام 2006، ليضمّ مجموعة صغيرة من الفلسطينيين الهاربين من أتون الحرب، بعدما رفضت سوريا إدخالهم لعدم وجود أسمائهم في سجلّات وكالة «الأونروا»، فتولّت مفوضية شؤون اللاجئين متابعة ملفهم وإغاثتهم. ومع الوقت، بدأ المخيّم يستقبل مجموعات جديدة قادمة من العراق، إضافةً إلى بعض الذين أُلقي القبض عليهم داخل الأرض السورية، بتهمة الإقامة بوثائق عراقية مزوّرة.
ومع إصرار الحكومة السورية على عدم إدخال لاجئي هذا المخيّم، اعتمدت المفوضية خيار التوطين في بلد ثالث، مسجّلة بذلك سابقة في موضوع اللاجئين الفلسطينيّين. وجرى بالفعل توطين سكان المخيم في دول غربية مختلفة، فاستقبلت تشيلي بدايةً 116 لاجئاً، والسويد640، والنرويج 145، وبريطانيا 50، وإيطاليا 133 لاجئاً. وتوزعت أعداد صغيرة في دول مختلفة كجمع شمل مع أفراد من عائلاتهم مهاجرين أصلاً.
ويعدّ وضع مخيم الوليد، الواقع داخل الأراضي العراقية، الأصعب، حيث مُنع نحو 1500 لاجئ من مغادرة الأراضي العراقية، فأقيم المخيم قرب نقطة الوليد الحدودية. ويعاني سكان المخيم اعتداءات الميليشيات العراقية تارةً، والقوات الأميركية تارةً أخرى، إذ يجري دهم المخيم واعتقال بعض السكان واقتيادهم للتحقيق بين الفينة والأخرى. وقد مُنحت تأشيرات دخول للولايات المتحدة لـ 1103 أشخاص من أصل 1479، هم مجمل سكان المخيم. واللافت هنا رفض كلّ من السلطات السورية أو الأردنية مرور هؤلاء عبر أراضيها، حيث رُحّلوا عبر مطار بغداد.
ويبقى مخيم الهول، الذي أقيم داخل الأراضي السورية في محافظة الحسكة، حيث استُقبَل 286 شخصاً في أيلول من عام 2005. ومع مرور الوقت، سُمح بدخول بضع عائلات إضافية ليصل عدد السكان إلى 326 شخصاً، إضافةً إلى نحو خمسين شخصاً لم يُمنحوا تأشيرات دخول إلى الدول الغربية، فنُقلوا من مخيم التنف في 10 كانون الثاني 2010. ومخيم الهول هو المخيم الوحيد الذي يسمح لأهله بالتجوال في داخل الأراضي السورية (ضمن محافظة الحسكة)، ولكنهم ملزمون بالإقامة داخل المخيم.