منذ مطلع 2009 حتى نهاية تشرين الثاني، تدفق إلى لبنان نحو 15.92 مليار دولار، تم امتصاص مليارات عدّة منها عبر شهادات الإيداع وسندات الخزينة والقروض السكنية. ورغم ذلك، بقي منسوب السيولة الفائضة لدى المصارف مرتفعاً، فمدّد مصرف لبنان تحفيز التسليفات لغاية 2011... فهل هذا هو الحلّ لهذه الأزمة؟
محمد وهبة
في الاجتماع الشهري الأخير بين جمعية المصارف ومصرف لبنان، تقرّر تمديد العمل بتعاميم تحفيز التسليف بالليرة اللبنانية لمدة سنة إضافية من حزيران 2010 إلى حزيران 2011، وتوسيع توظيفات المصارف في الخارج، وذلك في محاولة إضافية لمعالجة مأزق السيولة الفائضة بالليرة وبالدولار لدى المصارف، ولا سيما أن تدفق الودائع إلى القطاع مستمرّ بسبب معدلات الفائدة المرتفعة التي تجذب السيولة بوتيرة ومعدّلات تتجاوز طاقة البلاد الاستيعابية.

مخاطر نموّ الودائع

بحسب مصادر مصرفية مطّلعة، تبيّن الإحصاءات التي أجراها مصرف لبنان أن قيمة الموافقات التي أعطاها «المركزي» للاستفادة من تعاميم تحفيز التسليفات بالليرة، منذ مطلع كانون الثاني 2009 حتى نهاية تشرين الثاني، أي خلال 11 شهراً، تبلغ ألف مليار ليرة، فيما التقديرات كانت تفيد بأن لدى المصارف حالياً، سيولة فائضة بالليرة قابلة للتسليف تتجاوز قيمتها 3000 مليار ليرة.
وفي الاجتماع المذكور، جرى التداول في الآليات المتاحة لتعقيم هذه السيولة، إذ ارتفعت الودائع في المصارف منذ مطلع 2009 حتى نهاية تشرين الثاني بقيمة 15.926 مليار دولار وبلغت 98.04 مليار دولار، منها 6.445 مليارات دولار (أو 9715 مليار ليرة) جرى تحويلها إلى الليرة.
في المقابل، تشير الميزانية المجمعة للمصارف، إلى أن المصارف وَظّفت في هذه الفترة نحو 6.865 مليارات دولار كودائع في مصرف لبنان، و2.669 مليار دولار جرى تسليفها للقطاع الخاص والأسر، و3.176 مليارات دولار وُظّفت في سندات دين حكومية، وبالتالي فإن السيولة الناتجة من هذه الفترة وحدها تبلغ 3.11 مليارات دولار، وهذا يضاف إلى سيولة متراكمة سابقة وتقدّر بنحو 12 مليار دولار، أي أن لدى المصارف الآن نحو 15 مليار دولار قابلة للتوظيف.
هذا الأمر يمثّل مشكلة كبيرة للمصارف ويؤثر على مستوى ربحيّتها. فالأمين العام لجمعية مصارف لبنان، مكرم صادر، كان قد حذّر سابقاً من أن دخول الأموال إلى لبنان بسبب مستوى الفائدة على الليرة المعمول به حالياً، هو أكثر من اللازم.

حل جزئي للمشكلة

في هذه الحالة لا تمثّل تعاميم تحفيز التسليفات إلا حلاً جزئياً وبسيطاً للمشكلة، ولو أنها أعادت القطاع المصرفي إلى وظيفته الرئيسية في التسليف للاقتصاد الوطني، وليس للدولة وحدها، ولا سيما لتمويل الدين العام فقط، إذ تبلغ توظيفات المصارف لدى الحكومة ومصرف لبنان (الاحتياط الإلزامي غير محتسب ضمن هذه التوظيفات) حالياً، نحو 55.65% من مجمل الميزانية المجمّعة للمصارف.
وبحسب رئيس مجلس الإدارة، المدير العام لـ«بلوم بنك»، سعد الأزهري، فإن نسبة التسليفات المصرفية للقطاع الخاص اللبناني تعدّ من الأعلى بين الدول الناشئة، فهي قد قاربت أن تصل إلى 100 في المئة، «وفي واقع الحال، كل المصارف حالياً لديها سيولة كبيرة، وكان نمو التسليفات في الفصل الأول ضعيفاً، إلا أنه بدأ يتحسن في الفصول التي تلته، أي في الثاني والثالث وجزء من الرابع». ويشير إلى أن هذه التعاميم «حفّزت التسليفات في غالبية القطاعات، لكن أبرزها كان الطلب على القروض السكنية».
لكن بحسب مصادر في مصرف لبنان، ليس المطلوب فقط أن يجري تعقيم هذه السيولة، إذ يجب تنويع محفظة تسليفات المصارف لتكون هذه التسليفات مفيدة اقتصادياً أيضاً، وما يحصل فعلياً هو أن القطاع السكني «استحوذ على العدد الأكبر من الموافقات، لأن لديه نوعاً من الجاذبية لدى المصارف، ولا سيما في ظل الطلب من الشرائح المختلفة على تملّك المنازل. إلا أننا بدأنا نتلقى في الفترة الأخيرة أسئلة عن القضايا البيئية وآليات التسليفات المرتبطة بها، فضلاً عن نوعية المشاريع التي يمكن تمويلها...».
ويخلص المصدر إلى أن «مصرف لبنان رمى الكرة في ملعب المصارف، وعليها أن تحكّ رأسها لزيادة قيمة تسليفاتها وتسهيل مرور السيولة إلى الاقتصاد». غير أن هذا الأمر محطّ اعتراض لدى المصرفيين. ففي الواقع أن وزارة المال ومصرف لبنان هما المسؤولان عن استمرار تدفق الودائع بالليرة اللبنانية، بسبب ارتفاع مستوى الفائدة على الودائع بالليرة التي تلحق مستوى الفائدة على سندات الخزينة.

آليات لامتصاص السيولة؟

نجاح هذه الآلية لا يعتمد على «نجاح التحفيز وحده» بحسب ما يقول رئيس مجلس الإدارة، المدير العام للبنك اللبناني السويسري، تنال الصبّاح، إذ إن مدّ السوق بسيولة قيمتها 1000 مليار ليرة هي عملية لها تأثير معيّن في الاقتصاد. وبالتالي، لا تزال هناك طريقة واحدة لاستيعاب السيولة بالليرة حتى اليوم، إذ يقول الأمين العام لجمعية مصارف لبنان، مكرم صادر، إن السيولة الفائضة بالليرة لا يمكن توظيفها في أي مكان في العالم على عكس السيولة بالدولار وباليورو التي يمكن أن توظّف في أي مكان في العالم.
فهل هناك وسائل إضافية لمعالجة مأزق هذه السيولة؟ يعتقد الصبّاح أن وجود هذه السيولة قد يكون مؤشّراً على أن بيروت قابلة لتتحول إلى مركز للسوق المالية في المنطقة، وهذا ينطبق على ما كانت عليه لندن ودبي في فترات معينة، «فمن الممكن أن نخلق سوقاً للتجارة المالية وللتسليفات الخارجية».

تمديد تعاميم تحفيز التسليفات إلى 2011 حلّ جزئي ينتظر إجراءات أكثر شمولية

ويرى عضو مجلس إدارة بنك عودة ــ قطر، غسان العياش، أن معالجة هذه السيولة تتم حالياً عبر تحفيز التسليفات، وهناك طرح بتشجيع المصارف على توسيع أعمالها خارج لبنان وفتح فروع خارجية... لكنّ هناك حلّاً ممكناً، وهو أن يخلق مصرف لبنان أدوات مصرفية تخصّص للتنمية بشراكته، فالإشكال الرئيسي الذي يواجه القطاع هو مواءمة موارده المالية القصيرة الأجل مع طبيعة التوظيفات المطلوبة، أي الطويلة الأمد. فعلى سبيل المثال، يقدّم مصرف لبنان تحفيزات إضافية لمن يموّل مشاريع صناعية أو سياحية تبعد عن العاصمة 20 كيلومتراً وفي المناطق النائية... ولأن المصارف ترى أن هذا النوع من الإقراض مخاطره مرتفعة، فإذا احتاج المصرف إلى أي سيولة يمكن مصرفَ لبنان أن يغطيه بناءً على هذا النوع من التسليفات.
والأخطر، بحسب العياش، أن يجري توظيف هذه السيولة خارج لبنان.