سحر البشير مرّ شهر وما زالت «نغم»، ابنة اللبنانية البقاعية والفلسطيني الغزاوي حامل الوثيقة المصرية، تنتظر رد الأمن العام اللبناني على طلبها تجديد الإقامة. والوثيقة المصرية المعطاة لفلسطينيي غزة، تشبه الوثيقة التي تعطيها الدولة اللبنانية للفلسطينيين اللاجئين على أراضيها.
تنقّل والد نغم بين الدول العربية ككثير من الفدائيين، إلى أن جاءت الأوامر ببقائه في لبنان وتحديداً في منطقة البقاع. هناك تعرّف إلى صبية متحمسة للقضية، وتزوجا وأنجبا 3 بنات وصبياً. كبر الأولاد ليدخلوا المدارس، ولم يسألهم أحد يوماً عن إقامتهم، حتى عام الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة. ففي عام 2005 قررت الأسرة العودة إلى الوطن بعد طول انتظار. ولدى تقديمهم جوازات سفرهم وأوراقهم تحضيراً للعودة، تفاجأوا بتغريمهم عن كل السنين التي أقاموا فيها في لبنان «بطريقة غير شرعية». فعلقوا في تخليص المعاملات ودفع الرسوم وتسوية الوضع. ولأن الأم لبنانية استطاع الأبناء الحصول على «إقامة مجاملة» لسنة واحدة فقط. لكن لسوء حظ أي لاجئ، ما إن انتهوا من تسوية وضعهم حتى بدأ حصار غزة، وبقوا هم محاصرين في لبنان من جديد.
نغم الآن تنتظر الموافقة على تجديد إقامتها، بعدما قدمت إفادة متابعة دراسة من الجامعة وتعهد بعدم العمل، وبعدما «أقرّت واعترفت» والدتها بأنها هي المسؤولة عنها قانونياً ومادياً. فنغم، متخرّجة الجامعة وتلميذة الماجستير، ممنوعة من العمل إلا بموجب رخصة عمل كونها لاجئة تحمل وثيقة مصرية. علماً بأن رسوم رخصة العمل تساوي راتبي شهرين مما قد تجنيه تغريد كلاجئة. اقترحت عليها صديقة مرة أن تتزوج ابن حلال لبناني يرضى بأن يكتب كتابه عليها صورياً لتحصل على الجنسية «فرد مرة». لكنها اكتشفت، للأسف، أنه لا يمكنها أن تحصل على الجنسية إلا بعد ثلاث سنوات من الزواج أو إنجاب صبي لا بنت، من باب المساواة بين الجنسين.
لكن عدم حصول نغم على رخصة عمل لم يكن يوماً عائقاً أو مشكلة لمستخدميها، فذلك يعفيهم من إمضاء عقد معها، ما يوفر عليهم دفع مصاريف الرخصة والتأمين الصحي والراتب اللائق لأي منصب قد تشغله.
تغريد تحب البقاع، أكثر من أي بقاعي عرفته بحياتي. تغريد تحب غزة، أكثر من أي غزاوي وفلسطيني عرفته بحياتي. تغريد تتحدث اللهجة اللبنانية البقاعية، ولا تفهم بعض كلمات اللهجة الفلسطينية. تغريد الغزاوية ــــ البقاعية، بالتأكيد لا تستطيع العودة إلى مدينة غزة في فلسطين، وربما لن تستطيع البقاء في قرية غزة في البقاع «بطريقة شرعية»، إلا إذا شاء الأمن العام، بعد أن يشاء الوزير، بعد أن تشاء الحكومة، بعد أن تشاء هيئة الأمم، بعد أن تشاء الولايات المتحدة.