بغداد ــ زيد الزبيديانطلق معهد «شبكة العلاقات الدولية والأمن»، الذي يتخذ من زيوريخ في سويسرا مقراً له، من عودة العنف إلى مستوياته العليا في العراق، ليقدم تقريراً خلص إلى أن خطط الاحتلال لم تؤدِّ إلى إنهاء الحرب الأهلية العراقية بين عامي 2006 و 2007، بل على العكس، قادت إلى تطورات ميدانية سهّلت الهجمات العنيفة التي وقعت لاحقاً.
وفي تقرير تحت عنوان «بغداد مقسَّمة»، كتب كلوديو غولر ما مفاده أن الحرب الأهلية العراقية كانت قبل كل شيء تدور بسبب «تغير السلطة الطائفية» في البلاد بعد الغزو. واستند إلى الخرائط التي أعدّها الباحث مايكل ايزادي لدى معهد جامعة كولومبيا للشؤون الدولية والعامة، والتي تشير إلى أن الطائفية التي نشأت في بغداد، بعد الاحتلال، «تؤكد هذا التغيير الجوهري من ناحية التطهير الطائفي» الحاصل في عاصمة الرشيد، و»العزل المذهبي الذي شهدته خلال عامَي 2006 و2007، فيما اكتفى الطرف الأميركي بمشاهدة ما يحصل».
ولفت التقرير إلى أن العملية العسكرية الأميركية في بغداد، التي أعلنها جورج بوش تحت اسم «الطريق الجديد إلى الأمام» في العاشر من كانون الثاني 2007، تضمنت 3 عناصر: ــ إصلاح التكتيكات العسكرية التي أجراها القادة الأميركيون الميدانيون، بالتركيز على حماية المدنيين، واعتماد خطة «طهّر ثم حافظ على الموقع». ــ احتضان حركات «الصحوة» السنية، ــ وإغراق بغداد بـ 28 ألف جندي إضافي. وأوضح التقرير أنّ العنصرين الأوّلين ساعدا على ضبط إراقة الدماء، أما الثالث، فأدى دوراً هامشياً في إخماد البؤر الملتهبة، مشيراً إلى أن تحالف «الصحوات» ساعد أساساً على إنهاء الحرب الأهلية. لكن موقف بعض العرب السنّة من المشاركة في العملية السياسية «لم يأت إلا بعدما وجدوا أنفسهم يخسرون مواقعهم الواحد تلو الآخر، وخصوصاً في بغداد، تحت ضربات الحكومة والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران». لهذا السبب، لفت معهد العلاقات الدولية إلى أن «مخاوف العرب السنّة من انتقام وهيمنة شيعية وشيكة، تقدّم التفسير الصحيح لهذا التحول».
وبعدما أشار إلى أن بغداد كانت، قبل الغزو، أغنى المناطق العراقية، من ناحية التنوع الإثني، أوضح أن 80 في المئة من العنف في العراق ضرب العاصمة والمناطق المحيطة بها.
وبحسب التقرير، فإن خرائط ايزادي أظهرت أنه منذ بداية 2006 حتى منتصف 2007، وهي فترة الحرب الأهلية الحقيقية في بلاد الرافدين، «طهّر جيش المهدي، وسائر المجموعات الشيعية المسلحة، بغداد من السنّة، عازلين من بقي في معاقل سنيّة في الجزء الغربي من المدينة».
ووفق ايزادي «كان عدد القتلى من السنّة ثلاثة أضعاف عدد القتلى الشيعة»، كاشفاً أنه «بقي في بغداد، التي كانت خلال الأربعينات مدينة سنية أساساً، مئات آلاف قليلة من المواطنين السنّة في نهاية عام 2008، من أصل 5 ملايين مواطن».
ومن هنا يمكن القول إن الولايات المتحدة أمسكت بمعظم خيوط اللعبة العراقية، عندما غذّت النزاع الطائفي بالسماح باستهداف العرب السنّة في أعقاب تفجير المرقدين في سامراء، ثمّ عادت وأوقفته عندما انضمت إليها «مجالس الصحوات» الخائفة من أن «تُسحَق» من جانب الميليشيات الشيعية، التي التزمت منذ الغزو تعليمات المراجع، التي تؤكد حرمة إراقة الدم العراقي.
وذكّر التقرير بأنه مع حلول أيلول 2007، انتهت الحرب الأهلية، وانسحبت قوات الاحتلال من المدن في أواخر حزيران 2009، لكن بغداد بقيت مقسّمة. وتساءل عما إذا كانت الحرب الأهلية بين عامي 2006 و 2007، قد هيّأت أرضية لديكتاتورية جديدة، هي «ديكتاتورية الغالبية». وينقل عن ايزادي قوله إن «الأكراد آمنون في جبالهم، ومستقلون منذ 1991، أما الشيعة، فلهم منطقتهم مع قوتهم الجديدة، ويبقى السنّة الذين يُحتمل أن تكون أعدادهم قد تضاءلت ليمثّلوا 12 في المئة من السكان العراقيين فقط (بعد هجرتهم إلى سوريا والأردن)».