هكذا واجه المقاومون «الرصاص المصهور»غزة ــ قيس صفدي
«كان يستعد لمهاجمة مجموعة من جنود الاحتلال الإسرائيلي، فباغتته قذيفة مدفعية قطعت ذراعه اليسرى، لكنه أصرّ على تنفيذ ما خطّط له، وتفجير عبوته الناسفة في أعدائه». رواية سردها أبو عبيدة، المتحدث باسم «كتائب عز الدين القسّام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، نقلاً عن مقاوم شارك في معارك التصدي خلال العدوان الإسرائيلي على غزة.
فجّر المقاوم عبوته في جنود الاحتلال من مسافة قريبة، فأثخن فيهم قتلاً وجرحاً، قبل أن ينسحب من المكان زحفاً، فأخرته ذراعه التي كانت معلقة بجزء بسيط من اللحم فأكمل قطعها، وواصل زحفه ونجا بنفسه من موت محقق.
وتعهد أبو عبيدة أن تكون كتائب القسّام «أكثر كفاءة» في أي مواجهة مقبلة مع الاحتلال الإسرائيلي، مؤكداً أن «أي مواجهة مقبلة مع الاحتلال ستكون فيها الكتائب أكثر كفاءة. ونحن هنا لا نريد الحديث عن أساليب أو وسائل جديدة، فقد اعتادت كتائب القسّام أن لا تعلن مفاجآتها إلا بعد تنفيذها».
أبو الوليد، أحد قادة «كتائب القسّام» الميدانيين، كان يقود مجموعة صغيرة تحمّلت مع مجموعات أخرى عبء المواجهات الطاحنة في محيط جبل الكاشف شمال قطاع غزة.
يعترف أبو الوليد بأنّ «كتائب القسّام» كانت تستعد لمواجهة مسلحة مع قوات الاحتلال، لكنها فوجئت بشراسة الحرب، ولم تكن تتوقع حرباً بهذه الدموية والعنف.
ويشير أبو الوليد إلى أن تعميماً داخلياً وزعته «كتائب القسّام» قبيل الحرب على مجموعاتها الميدانية وقادة الفصائل والسرايا تحثّهم فيه على الاستعداد والجهوزية التامة لمواجهة مع الاحتلال، لا لحرب كالتي شنّتها القوات الإسرائيلية ودفعت فيها بكل ترسانتها المتطورة.
قال: «خضنا حرب عصابات مع جيش نظامي هو الأقوى من بين جيوش المنطقة، واستطعنا الصمود حتى اليوم الأخير للحرب».
وقعت الحرب غير المتوقعة، وكان لا بد من التصرف السريع، فصدرت الأوامر ـــــ وفقاً لأبو الوليد ـــــ بأن تقاتل كل مجموعة في مكان إقامتها الذي تعي جغرافيته ومداخله ومخارجه، ولسدّ ثُغَر قد ينفذ منها الاحتلال إذا قرر اجتياح المخيمات.
كان التواصل والاتصال معقداً بين التشكيلات العسكرية في كتائب القسّام، فالحرب كانت مباغتة، والخوف من مراقبة الاتصالات وكشف الخطط وقادة المقاومة دفع إلى اللجوء للتواصل البشري من شخص لشخص لنقل المعلومات والتعليمات.
وعما تختزنه ذاكرته من مشاهد الحرب، يقول أبو الوليد: «بعد الضربة الجوية الأولى، تزودنا بمعلبات من الأغذية وكميات من التمر، وكنا نمكث في شبكة الأنفاق لأوقات طويلة، لا نخرج إلا لضرب دبابة أو استهداف قوات الاحتلال». وأضاف: «حاجتنا للطعام كانت قليلة لعدم الرغبة في الأكل، وكنا نقضي حاجتنا في الأنفاق وندفن المخلفات في الرمل».
في أحد أيام الحرب، تربص أبو الوليد، المتخصص في إطلاق القذائف، بدبابة إسرائيلية فوجدها على مسافة تسمح له بإصابتها، فخرج من نفقه واستهدفها بقذيفة «آر بي جي» أصابتها مباشرة، قبل أن يختفي سريعاً في نفقه، لتحرق قوات الاحتلال المنطقة بوابل من القذائف من دون أن تصيب أياً من المجاهدين.
كانت مهمة المجموعة التي يقودها أبو الوليد اقتناص الدبابات والآليات العسكرية الإسرائيلية، والالتفاف خلف صفوف قوات الاحتلال. ويؤكد أن الخسائر أكبر بكثير من اعترافات قادة الاحتلال.
ويقول أبو الوليد: «الحرب كانت قاسية، ورغم حجم الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحقّ المدنيين والعزّل الأبرياء في غزة، إلا أن هذه الحرب أكسبت كتائب القسّام وفصائل المقاومة خبرةً كانت ضرورية للتعامل مع مثل هذه الحرب الأقرب للحرب النظامية بين جيشين لدولتين متكافئتين». ويلفت إلى أن «كتائب القسّام» استخلصت الدروس والعبر من الحرب على غزة، وما إن وضعت الحرب أوزارها، حتى عكفت على تطوير وسائل القتال وطرقه، مستحضرة تجربة الحرب. ولا يستبعد أبو الوليد حرباً مماثلة عاجلاً أو آجلاً.
كانت لحظة عودته إلى أهله تفيض بمشاعر اختلط فيها الحزن بالفرح. ويقول: «لم يصدق أهلي أنني لا أزال حياً، وكنت أتمنى الشهادة حقاً».
ويستذكر «أبو جمال»، القيادي في «كتائب شهداء الأقصى» التابعة لحركة «فتح»، أصعب المواقف التي مرّ بها خلال الحرب على غزة. يقول: «استهدفت طائرة حربية إسرائيلية مقاوماً على مقربة مني، وكان إلى جواره مجموعة من الأطفال. تناثرت أشلاؤهم في أرجاء المكان. لحظتها شعرت كم أن عدونا متوحش ودموي».
حكايات البطولة كثيرة يرويها المقاومون أنفسهم، ولا شهود عليها سواهم. لكن ثمن الحرب كان باهظاً دفعه الأبرياء من دمائهم وممتلكاتهم، وليس من بينهم من يتمنى حرباً جديدة، لن تحتملها أجسادهم المنهكة وبنيتهم التحتية المدمرة.


مقاوم... كتيبةيقول: «ظنّت قوات الاحتلال أن جيشاً من المقاومين يتربص بها وينفّذ ما نفّذه ذلك المقاوم الشجاع من عمليات فدائية، فانتفضت تحت وابل من النيران تمشّط المنطقة بحثاً عمّا تعتقد أنها حشود من المقاومين من دون جدوى».
ويضيف أبو مجاهد: «نجح ذلك المقاوم في التخفي وإيقاع الخسائر في أوساط جيش الاحتلال لعدة أيام بمساعدة مجموعة من المقاومين كانت مهمتها رصد جنود الاحتلال وتزويد المقاوم المتخفي أخبار تحركاتهم وإشغالهم لمساعدته على استهدافهم بدقة، لكن الأمر لم يستمر طويلاً مع دفع قوات الاحتلال بوحدات إضافية والتقدم في عمق المنطقة باعتماد نهج الأرض المحروقة».