Strong>رشى وأكلاف إضافية وعجز عن خدمة 250 شاحنة تعبره يومياًيسهم المعبر الحدودي عند المصنع في توفير واردات ورسوم للخزينة تتجاوز قيمتها 100 مليون دولار. وعلى الرغم من أهمية هذا المعبر، تتقاعس الحكومات المتعاقبة عن الاستثمار فيه، إذ تتكرر أزمة ازدحام الشاحنات لعدم قدرته على استيعاب حركة أكثر من 250 شاحنة يومياً تعبر من لبنان وإلىه. ويضاف إلى هذه الأزمة وجود الرشى المفروضة من قبل موظفي الجمارك، والسرقات المتزايدة للبضائع المحمّلة!

البقاع ــ أسامة القادري
أكثر من 151 مليار ليرة هي الدخل المحقق لخزينة الدولة في عام 2008 عبر مركز الجمارك اللبناني في نقطة المصنع الحدودية، إلا أن هذه الإيرادات الضخمة لا تنعكس تحسينات في الخدمات المقدمة عند هذه النقطة الحدودية الاستراتيجية. فلا الإجراءات تتناسب مع حركة «الترانزيت» التي تزداد سنوياً، ولا البناء مؤهل من حيث التجهيزات، لا بل لم يطرأ عليه أي تجديد أو تطوير، إن كان من حيث زيادة عدد الموظفين، أو توسيع الباحات... وفي ظل هذا الواقع تتكرر أزمة عبور الشاحنات والسيارات دورياً لتبلغ ذروتها عند حلول فصل الصيف من كل عام، ليصل طابور الشاحنات المعدّة لنقل البضائع إلى حوض التعقيم عند الحدود السورية، أي إلى مسافة حوالى 10 كيلومترات، فيبيت السائقون ليالي طويلة إما في العراء أيام الصيف، مع اعتمادهم نظام المناوبة فيما بينهم لحماية أنفسهم من الحيوانات المفترسة في تلك المنطقة الوعرة والبعيدة، أما في الشتاء فيتحول السائقون إلى سجناء مقاعد شاحناتهم، وكثيراً ما ينفد منهم الطعام والماء فينتظرون المارة ومخلّصي الجمارك لتوفير بعض المياه والمأكولات... والمأساة لا تتوقف هنا، إذ يشير أحد العاملين في مكاتب التخليص إلى غياب الحراسات الليلية من قبل عناصر الجمارك، ما يؤدي أحياناً إلى سرقة بضائع من الشاحنات المركونة في الباحات، لافتاً إلى أنه منذ عشرة أيام حصلت عملية سرقة لكمية كبيرة من المواد التجميلية كانت محمّلة على متن شاحنة تنتظر تخليص معاملاتها، فيما يؤكد سائق شاحنة قادمة من دبي أنه يدفع كجميع سائقي الشاحنات 500 ليرة سورية لعنصر من الجمارك اللبنانية، تفرض عليهم «رشوة»، حتى يقوم العنصر بمشاهدة دخول الشاحنة إلى الباحة، ويقول «ممنوع الاعتراض على الدفع وإلا لا ندخل الباحة»!
يسترسل المخلّص الجمركي شفيق حمود في سرد المراحل التاريخية التي مر بها مركز الجمارك اللبنانية في نقطة المصنع، لافتاً إلى أن هذا المرفق هو الوحيد في لبنان الذي لم يتعرّض للقرصنة إبّان حكم الميليشيات، ومشيراً إلى أن الدولة تكافئ هذا المرفق الحيوي بالإهمال والنسيان، لكونه كان المركز الوحيد الذي ظل يرفد خزينة الدولة بالأموال، بينما «كانت الميليشيات تسيطر على إيرادات المطار والمرافئ البحرية». ويشرح أنه أثناء الاحتلال الإسرائيلي للبنان عام 1982 تعرّض مركز المصنع لقصف إسرائيلي، حينها أخذ الملازم أول رياض عبد الواحد، ابن بلدة مجدل عنجر، جميع السجلات والأوراق إلى منزله في البلدة، ومن هناك بدأ بتنظيم المعاملات بحضور الموظفين الرسميين. ويقول إنه إذا راقبنا الحركة الاقتصادية لمعبر المصنع الحدودي على مدار 50 سنة وما قدّمه لخزينة الدولة وقارنّا ذلك مع ما تقدمه الدولة له من واجبات ضرورية لاستمراره، يمكن ملاحظة الإجحاف الكبير الذي تعرّض له المصنع ولا يزال...
مشروع توسيع باحة المصنع لم يستشر موظفي الجمارك ولا حتى رئيس الدائرة
ينتقل حمود إلى التفاصيل، شارحاً العراقيل التي تواجه عمليات التخليص، والتي يعدّها سبباً أساسياً للازدحام في تلك النقطة، ويفنّد الضرائب والأكلاف الناجمة عن تأخير إنجاز المعاملات، إذ عندما تبقى الشاحنة خمسة أيام يفرض على التاجر رسم تخزين البضاعة بقيمة عشرة آلاف ليرة على كل طن يومياً، إضافة إلى دفعه 50 دولاراً بدل عطلة الشاحنة التي تحسب بعد مرور 48 ساعة من دخولها الحرم الجمركي. ويلفت إلى أن هذه الأكلاف الإضافية يستردها التاجر من المستهلك. ويرى حمود أن إدارة الجمارك هي صمام العمل لجميع الإدارات والوزارات الأخرى، فيما لا مكاتب تنفيذية لهذه الوزارات في مبنى موحّد في «المصنع»، ما يؤدي إلى تأخير إنجاز معاملات التخليص، باعتبار أنه لا يمكن قبول أيّ معاملة مواد غذائية إلا بعد الحصول على تأشيرة موافقة من وزارة الزراعة ومصلحة الاقتصاد، فيما بعض البضائع تحتاج إلى أربع تأشيرات من عدة وزارات. ويشرح أن هذه التأشيرات تكبّد التاجر مصاريف إضافية، أكثرها بدون إيصالات رسمية، لا تعود بنفع على الدولة.
من جهة أخرى، يشير العميل الجمركي بشير صالح إلى ضخامة الأكلاف المالية التي يتكبّدها طالبو البيانات الجمركية. فمن ناحية الوقت، تمرّ البيانات في دورة مكوكية على الإدارات المختصة. فبيان الأعلاف مثلاً يتطلّب تحليلاً من مختبر الفنار ومختبر تل عمارة، إضافة إلى تأشيرة وزارة الزراعة، وكذلك الاستعانة بخبير كيميائي لتحديد نوعية البيان قبل عرضه على الإدارات، وكل ذلك في بيروت. حتى إن التعميم يطلب تحليل الزرنيخ في الأعلاف، علماً بأنه لا مختبر لهذا النوع من التحاليل في لبنان. ويشير صالح إلى أن هذه الجولة يقوم بها معقّبو البيانات المكلفون بهذا العمل مقابل أجرة لهم تضاف إلى فاتورة إنجاز المعاملة. ويلفت صالح إلى أن المدخول الكبير الذي يقدمه المصنع للخزينة يقابله عدم وجود باحات واسعة، ولا رافعات «سكتريك» تستخدم من أجل تفريغ البضائع، لإنقاذها من التخريب والتشويه، ويوضح أنه حتى السكانر وضعت في المكان الخطأ، كما أن القبّان موجود عند نقطة الخروج، وهذان يعوقان العمل بدلاً من تسهيله، عدا عن عدم وجود مراحيض... إضافة إلى التقنين القاسي في التيار الكهربائي الذي يحوّل المنطقة إلى ظلام دامس في أغلب الأوقات.
في المقابل، أشار مصدر في إدارة الجمارك إلى أن تأخير إنجاز مشروع توسيع الباحة سببه مجلس الإنماء والإعمار، لافتاً إلى الثغر الناجمة عن عمل توسيع الساحة، لعدم خضوع دراسة المشروع إلى أفكار الموظفين الجمركيين، من «كشافة» وحتى رئيس الدائرة. ويشرح المصدر «لا نعرف تفسيراً لوجود رصيف كرصيف الطريق العادي داخل الباحة.. فلا عمل له ما لم يُرفع إلى مستوى علوّ الشاحنات ليريح الكشافة في تنزيل البضاعة». ورأى المصدر الجمركي أن الإجراءات الاستثنائية التي سمح بها المدير العام للجمارك أسعد غانم، من زيادة طاقم الموظفين والعمل حتى السادسة مساءً، سهّلت حلّ الأزمة، «إلا أنه يبقى استثناءً. فالقانون لا يسمح بإنجاز المعاملات دون دخول الشاحنة باحة الجمارك».


19 ألف

هو عدد البيانات الجمركية المنجزة منذ مطلع عام 2009 حتى منتصف تشرين الثاني، أي بمعدل 1750 معاملة شهرية لحوالى 125 شاحنة قادمة، و125 شاحنة مصدرة تعبر نقطة المصنع. ومن المرجّح أن إيرادات الخزينة من نقطة المصنع ارتفعت هذا العام عمّا حققته في 2008


بين المصنع والمطار