تواجه إسرائيل في الأعوام الأخيرة سلسلة من التطورات تهدد بوضعها في عزلة دولية خطيرة، تنطوي على أضرار أمنية واقتصادية وسياسية
يديعوت أحرونوت ــ رون بن يشاي
لن تتأثر قدرات سلاح الجو تأثراً جوهرياً. فتركيا ليست المكان الوحيد الذي يمكن التدرب فيه على كل الأنماط القتالية: الأمداء البعيدة، المناطق غير المعروفة والتعاون مع قوات أجنبية. رغم ذلك، فإن إلغاء مشاركة إسرائيل في المناورة الجوية الخاصة بحلف الأطلسي في تركيا يجب أن تمثّل لنا تحذيراً من التداعيات الاستراتيجية والاقتصادية التي يمكن أن تنشأ عن العزلة السياسية المتنامية.
تركيا المسلمة كانت على امتداد الأعوام حليفاً ثابتاً وموثوقاً لنا. أما الآن، فعلاقاتنا الاستراتيجية معها في هبوط مطّرد. التدهور بدأ عندما فشلت محاولة الوساطة التي قام بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، بين (إيهود) أولمرت والرئيس السوري بشار الأسد. الأمر تحول إلى تسونامي أثناء «الرصاص المصهور» وفي أعقابه.
غضب أردوغان، المسلم المتدين، على إسرائيل، والدعم الذي يحصل عليه من الشارع، يسمحان له بفرض إرادته على المؤسسة الأمنية العلمانية التي لا يزال مسؤولوها معنيين بالعلاقات مع إسرائيل على ما يبدو.
وتركيا، المعنية بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لم تكن لتجرؤ على اتخاذ خطوة كهذه خلافاً لرغبة واشنطن وبقية الحلفاء الأوروبيين، لو لم تكن حكومتها قد توصلت إلى استنتاج أن الربح المتوقع لها في دول المنطقة جراء إدارة ظهرها لإسرائيل أكبر من الضرر.
وعلينا أن نعترف بحقيقة أن أنقرة، في الوقت الراهن على الأقل، توقفت عن أن تكون شريكاً استراتيجياً أمنياً موثوقاً لإسرائيل. وهذه الحقيقة تمثّل أصلاً ضرراً فعلياً لأمننا القومي، ذلك أنها تقضم ردعنا حيال كل من إيران وسوريا. كل من ينظر في خريطة المنطقة سيفهم ذلك من دون صعوبة.
ما يجب أن يثير القلق أكثر من ذلك هو حقيقة أن تركيا ليست وحدها. في الأعوام الأخيرة، حتى إلى ما قبل عدة أشهر، قدّرت الاستخبارات الإسرائيلية أن خشية الدول العربية ذات الأغلبية السُّنية من التهديد الإيراني الشيعي سيدفعها إلى التقارب مع إسرائيل. خلال حرب لبنان الثانية بدا أن هذا التقدير يتحقق: الموقف الذي اتخذته معظم هذه الدول، من مصر حتى السعودية وبقية دول الخليج، من حزب الله وراعيه الإيراني، لم يدع مكاناً للشك بشأن المكان الذي تقف فيه. لكن جاءت عملية «الرصاص المصهور» وغيرت الصورة. مشاهد الخراب والقتل في غزة التي زادتها حدة التحليلات التحريضية في الوسائل الإعلامية العربية، أدت إلى حالة من الهيجان في الشارع الإسلامي. هذا الهيجان عرّض الأنظمة المعتدلة للخطر واضطرها إلى إدانة إسرائيل بحدة، بل واتخاذ خطوات فعلية تجاهها وفقاً لطلب الجامعة العربية.
بعد ذلك تقلصت فرص التعاون الإقليمي أكثر عندما تألفت حكومة يمينية في إسرائيل بزعامة بنيامين نتنياهو وشراكة أفيغدور ليبرمان. وازدادت موجة العداء والتحريض الإعلامية إزاء رفض إسرائيل تجميد المستوطنات واستمرار أعمال البناء في القدس الشرقية المصحوبة بتصريحات متحدية من جانب نتنياهو ووزرائه. كل ذلك قضى في المهد على محاولة إدارة أوباما حلّ النزاع عبر دمجه في مبادرة التطبيع السعودية. دول الخليج، التي رأت أن الإدارة الأميركية لا تنجح في الحصول على تنازل من إسرائيل، ردت برفض تقديم بوادر لبناء الثقة. وقد صبّ تقرير غولدستون والتوتر في القدس، الذي أُجِّج من جانب جهات يهودية وإسلامية متطرفة، الزيت على النار.
في بقية أرجاء العالم، ليس الوضع أفضل بكثير. التطورات التي عُرضت تقوض على نحو مستديم مكانة إسرائيل، ليس فقط في آسيا، بل أيضاً في أوروبا وأميركا الجنوبية حيث نشهد موجة معادية لإسرائيل. اللائحة طويلة: بدءاً من النزاع المغطى إعلامياً مع السويد في قضية «سرقة أعضاء الجثث» (التي نُفخت من جانبنا من دون الحاجة إلى ذلك)، مروراً بقرار النروج مقاطعة أسهم شركة «ألبيت»، وصولاً إلى استمرار الحظر الذي فرضته بريطانيا على تصدير قطع الغيار لسلاح البحرية الإسرائيلي والحظر من جانب الاتحادات العمالية على المنتجات المصنعة في الضفة الغربية، وانتهاءً برئيس هندوراس المُطاح، الذي اتهم إسرائيليين باستخدام غازات سامة ضده.
نحن أمام رزمة من المواقف والتصريحات والنشاطات التي تتخذها منظمات وحكومات في أرجاء العالم بكثافة متزايدة بهدف عزل إسرائيل والضغط عليها لتغيير مواقفها السياسية وفرض قيود عسكرية عليها. هذا في أفضل الأحوال. أما في أسوئها، فإن هناك محاولة لتصنيف إسرائيل على أنها «دولة منبوذة» والحفر تحت مشروعية وجودها وسلبها الحق الطبيعي وواجبها في الدفاع عن مواطنيها، على شاكلة الطريقة التي عالج بها المجتمع الدولي نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
يجب أن نعترف بأنه في حال استمرار نزعة العزلة، فسنضطر إلى دفع ثمن باهظ، اقتصادي بالدرجة الأولى. فالنمو الإسرائيلي مرتبط، أكثر من أي وقت مضى، بالتصدير إلى السوق الدولية. في العزلة سيكون من الصعب علينا أن نتاجر، وأن نجلب الاستثمارات ونحصل على الاعتمادات بالقدر المطلوب. كذلك فإن العزلة ستضرنا على المستوى الاستراتيجي، لأنها ستشجع حماس وحزب الله وسوريا وإيران على التحرش بنا، وذلك على فرض أن الحكومة الإسرائيلية سترتدع عن أمر الجيش بالعمل ضدهم بكامل قوته، خشيةً من تقرير غولدستون آخر، وربما عقوبات من مجلس الأمن. وأخيراً، ستزيد العزلة أيضاً اعتمادنا، على نحو خطير، على الولايات المتحدة، الذي هو أصلاً أكبر من اللازم.