تمدّد الحلف في بلاد الرافدين بدأ عام 2004: تدريب واستشارات ومعاهدة وممثّليّةبغداد ــ زيد الزبيدي
ليست استعانة الولايات المتحدة بحلف شمالي الأطلسي في العراق فكرة جديدة، ولم يكن تنفيذها المعلَن منذ تسلّم حكومة بغداد «السيادة الوطنية» في عام 2004، وحتى افتتاح ممثلية لـ«الأطلسي» في المنطقة الخضراء قبل أيام، سوى محطّات لـ«مخطّط أكبر». فافتتاح العاشر من الشهر الجاري، تلى توقيع اتفاقية مع الحلف في تموز الماضي، وصفته حكومة نوري المالكي بأنه «إنجاز مهم على صعيد التعاون المشترك بين الحكومة العراقية ومنظمة الأطلسي، ودليل على الالتزام القوي الذي تحمله الأمم المتحدة تجاه العمل والشراكة مع حكومة العراق».
وتوفّر هذه الاتفاقية إطاراً قانونياً لأفراد منظمة حلف شمالي الأطلسي «لمواصلة مهمّتهم في العراق، ومساعدة الحكومة العراقية في زيادة تحسين قدرات القوات الأمنية العراقية».
وكانت المهمّة «التدريبية» للحلف في العراق تشمل مسائل التدريب والإشراف وتقديم النصائح لضباط القوات الأمنية، وعلى أعلى المستويات منذ 2004، «من أجل مساعدة الحكومة في استعادة


بقيت فرنسا تعارض مهمات أطلسية داخل العراق لتجنّب المقاومة وشرعنة الاحتلال

موقعها وتحسين المستوى الأمني، حيث تبدي المهمة أيضاً المشورة لمركز العمليات التابع لرئاسة الوزراء، ولمركز القيادة المركزي التابع لوزارة الداخلية، بالإضافة إلى مركز العمليات المشترك التابع لوزارة الدفاع». توصيف يعني أن مهمة «الأطلسي» في العراق، وفي قلب المؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية تمتدّ إلى خمس سنوات خلت. وفي شهر نيسان الماضي، كشفت الحكومة عن أن المالكي وجّه دعوة إلى الحلف الأطلسي لتوسيع دوره في العراق، وذلك خلال زيارته إلى العاصمة البلجيكية بروكسل، المقر المركزي للحلف.
ويرى مراقبون أنّه في حال توسيع نفوذ «الأطلسي» في العراق، فإن هذا لن يكون بدافع التعاطف مع الشعب العراقي أو الحرص على استقرار المنطقة، وإنما سيخدم أهداف الدول الأعضاء في المقام الأول، طبعاً ذلك على حساب ثروات هذا البلد ووحدة أراضيه.
ويلاحظ المراقبون أنفسهم أنه على الرغم من معارضة فرنسا وألمانيا للحرب الأميركية على العراق، وعدم مشاركة العديد من دول «الأطلسي» في «تحالف الراغبين» الذي شكّلته واشنطن، فإن دخول الحلف إلى العراق من باب هذه الاتفاقية، وقبلها منذ 2004، بات يعني مشاركتهم فعلياً في احتلال بلاد الرافدين.
في البداية، انطلق نشاط «الأطلسي» بتدريب الشرطة العراقية، وتخصيص 60 عسكرياً لذلك الغرض، إلا أنّه زاد عدد جنوده المشاركين في المهمة إلى 300. ورغم ذلك، فإن واشنطن تطالب في معظم اجتماعات الحلف، بزيادة دوره في العراق على غرار قوة «إيساف» المشاركة في أفغانستان. لكن فرنسا بقيت تقف عائقاً أمام هذا الضغط، بحجة ضرورة الاكتفاء بمهمة تدريب العناصر العراقية فقط. وإلى جانب مهمّة التدريب، أقرّ الحلف إنشاء أكاديمية عسكرية تابعة له في بغداد، لتدريب عناصر الأمن العراقية وتخريجهم فيها.
ومن متابعة لأنشطة الحلف خلال السنوات الماضية، يتّضح أنّه قطع خطوة إضافية في استراتيجية تدخّله في بلدان الجنوب الواقعة بعيداً عن حدود نطاق نفوذه الجغرافي التقليدي؛ فبعد ساعات

واشنطن ترغب بدور أطلسي في العراق شبيه بقوات «إيساف» في أفغانستان

قليلة على تسلُّم رئيس الوزراء العراقي السابق أياد علاوي وثائق السيادة من الحاكم الأميركي بول بريمر، أعلن قادة «الأطلسي» في اجتماعهم في اسطنبول في حزيران 2004، الاستجابة لطلب الحكومة العراقية تزويدها قدرات التدريب الفنية والبشرية لبناء القوات العراقية.
وشهدت قمّة الحلف في 28 و29 حزيران 2004 في اسطنبول تطورات جديدة، فكان من بين أهم قراراتها، الموافقة على تدريب قوات الأمن العراقية خارج العراق، حيث تشارك 16 دولة من الدول الـ 26 الأعضاء بقواتها. وكانت فرنسا تصرّ على عدم قيام الحلف بأي دور داخل العراق، لأنها تتخوّف من أن تجد قواته نفسها مكلَّفة بدور «المقاول من الباطن» وفي وضع يفرض عليها مواجهة المقاومة العراقية، علاوة على أن باريس ترى أن المشاركة بمهام داخل الأراضي العراقية، هي بمثابة اعتراف بشرعية الاحتلالين الأميركي والبريطاني للعراق.
ثمّ في الثاني من تشرين الأول 2005، أُعلن افتتاح مدرسة عليا لتأهيل كوادر الجيش العراقي الجديد في ضاحية «الرسمية» جنوب شرق بغداد. ومن هنا خلص مراقبون إلى اعتبار أن الهاجس الأمني الذي يضمن المنافع الاقتصادية، هو الذي أصبح المحرّك الأساس للحلف، وأن وصوله إلى الشرق الأوسط لم يأتِ من فراغ، بل حصل بناءً على تخطيط مسبق ومدروس ومرتَّب «من أجل تحقيق مصالح الدول الأعضاء بالحلف». وبحسب الباحث والمحلل السياسي، الدكتور مهند العزاوي، فإنّ «الولايات المتحدة استنزفت قدرتها الصلبة (العسكرية والاقتصادية) في العراق، حيث أشارت التقارير إلى مستوى انهيارها الاقتصادي وتردّي جهوزية قواتها المسلحة، إضافة إلى الفضائح الإعلامية التي تشير إلى جرائم الحرب والتعذيب والاغتصاب التي ارتكبها جيش الاحتلال في العراق وأفغانستان. ولهذه الأسباب، استدركت ما لحق بها من هزائم وسعت إلى استخدام استراتيجية إحياء التحالفات والمعاهدات السياسية والعسكرية، وبينها إشراك الأطلسي في غزواتها وحروبها، وجعله الظهير الاستراتيجي العسكري لها في العالم».

(الأخبار)