مطالبات بالاستثمار في الزراعة لتجنّب زيادة عدد الجياع في العالمحبيب إلياس
يبقى موضوع توفير الغذاء البشري أحد المواضيع الأساسية التي بدأت تأخذ حيّزها على مستوى التداولات العالمية، بعدما أكّد تقرير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن على العالم زيادة إنتاج الغذاء بنسبة 70 في المئة بحلول عام 2050 لإطعام عدد إضافي من الناس يتوقّع أن يبلغ 2.3 مليار شخص.
وخلال النصف الأول من القرن الحالي، سيمثّل الطلب الجديد على الإنتاج الزراعي ضغطاً متزايداً على الموارد الزراعية الشحيحة أصلاً. وفيما سيتعيّن على الزراعة أن تتنافس مع المستوطنات الحضرية المتّسعة للحصول على الأراضي والمياه، سيجدر بها أيضاً العمل على جبهات رئيسية أخرى هي: التكيّف مع تغيّر المناخ والمساهمة في التخفيف من وطأة تأثيراته، والمساعدة على الحفاظ على الموارد الطبيعية، وحماية الأنواع المهدّدة بالخطر، والمحافظة على مستوى عالٍ من التنوع البيولوجي.
وبحسب المدير العام المساعد لـ«الفاو»، حافظ غانم، فإن التغيرات المناخية والطلب على الوقود الحيوي سيمثلان أكبر تحديات قطاع الزراعة. ولغياب المردود العالي للمحاصيل الزراعية الغذائية، اتجه عدد كبير من المزارعين إلى استبدالها بالصناعات التي تستعمل في إنتاج الوقود الحيوي، لتوفير حاجة السوق من الطلب المتزايد عليه، فكان أن جرى القضاء على مساحات كبيرة من الغابات لتحويلها إلى أراض زراعية من دون أن يمثّل ذلك مردوداً على كمية الغذاء المنتج للاستهلاك البشري.
ويرى المدير العام لمنظمة التنمية الصناعية التابعة للأمم المتحدة (ينيدو)، الدكتور كانديه يومكيلا، أن «تغير المناخ يولّد ضغوطاً تؤثر في قدرة العالم على توفير الغذاء للسكان الذين تتزايد أعدادهم باستمرار»، مشيراً إلى أن «هذا التحدي يولّد تهديدات جديدة للأراضي الصالحة للزراعة، فضلاً عن المخاطر التي تهدّد تربية المواشي والأسماك، وذلك من خلال موجات الجفاف ونقص الإمدادات المائية، وتلوّث الأرض والجو والبحر».
توقع الباحثون أن يرتفع سعر القمح بنسبة 194 في المئة في حال حدوث تغير مناخي
وطبقاً لتوقعات الأمم المتحدة، فإن العالم بحاجة إلى ثورة خضراء أخرى، ولكن يجب عليها أن تتماشى مع التغير المناخي، والإبقاء على استدامة الحياة على المستوى البشري والحيواني والنباتي. وقد سلّط منتقدو الثورة الخضراء الضوء على استخدامها المفرط والعشوائي للأسمدة والمبيدات الكيميائية التي لوثت المجاري المائية وسبّبت ضرراً للحياة البرية.
وتؤكد ورقة العمل، التي أعدّتها «الفاو»، أن تكيُّف القطاع الزراعي مع تغيّر المناخ ينطوي على تكاليف باهظة لكنه حاسم لأمن الغذاء، والحدّ من الفقر. وبالتالي فإن العالم سيكون بحاجة إلى الاستثمار في الزراعة لتحسين إمكان الوصول إلى الغذاء «وإلّا فإن نحو 370 مليون شخص يمكن أن يظلّوا جياعاً بحلول عام 2050 وهو ما يمثّل نحو خمسة في المئة من تعداد السكان العالمي».
وعلى المدى القريب، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن عدد الجياع سيتجاوز المليار هذا العام. ويشار إلى أن الغالبية الساحقة من هؤلاء يعيشون في البلدان التي يتوقّع أن تكون الأكثر تأثراً بتغير المناخ، في وقت تسجّل فيه المساعدات الغذائية أدنى مستوياتها منذ 20 عاماً، بسبب الأزمة المالية العالمية.
هذه الأمور دفعت إلى إظهار أهمية الزراعة ضمن موضوع التغير المناخي، فقد ظلّت هذه الأخيرة إلى وقتٍ قريب قضيةً هامشية إلى حد بعيد في إطار المفاوضات بشأن تغيُّر المناخ، خلافاً لبعض الاعتبارات التي تناولت أنشطة مقاومة إزالة الغابات، ووقف تدهور المناطق الحرجية. عاد الموضوع ليطرح وبقوة مع تخصيص منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) في تشرين الثاني في روما قمة عالمية لمناقشة «كيفية إطعام العالم بحلول عام 2050»، مع إظهار أهمية التغيّر المناخي على الزراعة.
ووفقاً لدراسة صدرت عن البنك الدولي فإن الدول النامية ستحتاج إلى إنفاق ما يصل إلى 100 مليار دولار سنوياً على مدى السنوات الأربعين المقبلة للتكيّف مع تغيّرات مناخية أشد. كما أن الدول الأفقر ستحتاج إلى الاستثمار في مشروعات بنية تحتية واسعة النطاق لمواجهة فيضانات ونوبات جفاف وموجات حرارة وأمطار غزيرة أكثر تواتراً إذا ارتفعت حرارة الأرض درجتين مئويتين بحلول عام 2050.
وبحسب نتائج الدراسة، فإن المزارعين سيتكبدون خسائر كبيرة في ما يتعلق بكميات القمح والأرز إذا لم يعتمدوا تقنيات حديثة، وإذا لم يتكيّفوا مع هذه الزيادة المتوقعة في درجة حرارة الأرض، وخصوصاً أن البذور التي جرى إنتاجها في العالم لم تكن مؤهّلة لمواجهة مسألة التغيير المناخي.
وتوقّع الباحثون أن يرتفع سعر القمح بنسبة 194 في المئة في حال حدوث التغير المناخي إذا لم يتخذ العالم إجراءات ملموسة في مواجهته، كما تنبّأوا بتطورات مأسوية مشابهة في ما يتعلق بسعر الأرز وسعر الذرة.