يقول الوزير محمد خليفة إن هناك طلبين حديثين لإنشاء مصنعي أدوية في لبنان، إلا أن حجم الاستثمار في القطاع لا يزال هزيلاً بسبب غياب الحماية وعدم توافر أسواق لتصريف الإنتاج. فالسوق المحلية تحت سطوة شركات الاستيراد، فيما الأسواق الخارجية تخضع لاحتكارات الشركات الكبرى بذريعة «براءات الاختراع»
محمد وهبة
تعدّ صناعة الأدوية في لبنان هزيلة قياساً إلى حجم السوق الإقليميّة والمحليّة، فمنتجاتها لا تمثّل أكثر من 8 في المئة من مجمل استهلاك الأدوية في لبنان، في مقابل 92 في المئة للوكالات الحصريّة المتمثّلة في شركات الاستيراد المنضوية ضمن جمعية مستوردي ومصدّري الأدوية. وهذا يطرح كثيراً من الشكوك والأسئلة: «لماذا لا تأتي استثمارات لتنشئ مصانع دواء في لبنان؟ أليس هناك جدوى استثماريّة؟ أم أن قدرتها التنافسيّة للتصدير في ظل خطوط الاحتكار العالميّة ـــــ الإقليميّة ـــــ المحليّة شبه معدومة؟».

من الريادة إلى الانكفاء

في السبعينيات، حين كانت صناعة الدواء في لبنان متقدّمة على محيطها، كان هناك نحو 16 مصنعاً تنتج أنواعاً مختلفة من الأدوية وتغطي حصّة كبيرة من سوق استهلاك الدواء المحليّة وتصدّر إلى الأسواق المجاورة، وكان هذا القطاع يعدّ الأهم في منطقة الشرق الأوسط. ولكنّ غالبية هذه المصانع أغلقت أثناء الحرب الأهلية، وبعد انتهائها أعاد بعضهم فتح المعامل في لبنان، ودخلت بضعة استثمارات قليلة إلى القطاع حتى بات عدد مصانع الأدوية 6 مصانع فقط، هي: «مافيكو»، «فارماديكس»، «ألغوريتم»، «ميدفار»، «فارمالاين»، «بنتا». وهناك ثلاثة مصانع للمصل في لبنان هي: «سيروم»، «ألفا»، و«بيوليس» (حصّتها في سوق المصل المصنّع محليّاً كالآتي: 45% لسيروم، و45% لـ ألفا و5% لبيوليس).
وبحسب تجّار الأدوية، تتراوح حصّة جميع هذه المصانع في السوق المحليّة بين 6 في المئة و8 في المئة، أي ما بين 40.5 مليون دولار و54 مليون دولار، من أصل سوق يبلغ حجمها 675 مليون دولار، وذلك على الرغم من أن أسعارها أقلّ بنسبة تراوح بين 20 في المئة و80 في المئة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يقول رئيس مجلس إدارة شركة «باسيفيك فارم»، مروان حكيم، إن سعر دواء «Capozide» الذي يستورده أغلى بنسبة 20 في المئة من الدواء ذي التركيبة العملية نفسها المصنّع محلياً لدى «ألغوريتم» باسم «Captas»، مشيراً إلى أن «هذه المنافسة تؤثّر على منتجاتنا».
ويقول خبير صحّي (رفض الكشف عن اسمه) إن دواء «Librax» المستورد يباع حالياً بسعر 17 ألف ليرة للعلبة الواحدة، في مقابل 2500 ليرة للدواء ذي التركيبة العلمية نفسها المصنّع في لبنان تحت اسم «Bipax»، أي إن الفارق بين المستورد والمصنّع محلياً تبلغ نسبته 85 في المئة. ويلفت إلى أنه لا يمكن أحداً منافسة المستوردين الذين يعرفون السوق جيداً. فأي استثمار في مصنع للأدوية في لبنان يجب «أن يكون قادراً على خوض المنافسة عبر التصنيع والتسويق، وأن يكون قادراً على تحمّل أيّ خسارة ممكنة، أي يجب أن يكون حوتاً مالياً لمنافسة كارتيل المستوردين».

البحث العلمي غير متوافر

والمعروف أن محور صناعة الدواء يقوم على اختيار الدواء الذي يُعتزم تصنيعه، وعلى وجود سوق للمبيعات.
وبحسب الخبير، فإن مصانع الأدوية تنتج ثلاثة أنواع، الأول عبر إنتاج تركيبة دواء خاصة به يسجّلها عالمياً كبراءة اختراع ويبيع إنتاجها حصراً حتى تنتهي مدتها. والثاني يتضمن بيع الأدوية المنتجة لمصلحة شركات عالمية تملك براءات اختراع مثل «Novartis» «Pfizer» «MSD» «Eli Lilly» «Bayer»... والثالث يُعرف بصناعة «جينيريك» أي الحصول على تركيبة الدواء بعد انتهاء مدة البراءة (تدوم 15 سنة بحسب FDI) وتصنيعه باسم مختلف.
محلياً، يستحيل أن تنطبق الحالة الأولى، أي إنتاج تركيبة دواء خاصة بالمصنع، فالأمر يحتاج إلى البحث العلمي وإلى دراسات غير متوافرة في لبنان، لا في القطاع الخاص ولا في القطاع العام. وبالتالي، فإن الصناعة المحليّة مقتصرة على تصنيع أدوية باتت براءة اختراعها متاحة لمن يرغب، فضلاً عن تصنيع دواء ذي تركيبة حديثة (براءة اختراع لم تنته مدتها) لمصلحة شركة عالمية، علماً بأن هذه الأخيرة تتحكم بالسعر وبالكمية وبالتوزيع... بما يؤمّن مصالحها في كل منطقة من العالم.

الانضمام إلى WTO

يروي وزير الصحة محمد خليفة لـ«الأخبار» كيف بدأ هذا القطاع ينمو في الأردن ويجتذب استثمارات خارجية، إذ اشترط الأردن على منظمة التجارة العالمية (WTO) أن تُدعم هذه الصناعة في مقابل الانضمام إلى المنظّمة، فسُمح له بإنتاج أدوية حديثة العهد بالاتفاق مع الشركات العالمية المعنية ببراءات الاختراع، ما زاد الاستثمارات وقدرة هذا القطاع، بنسبة كبيرة، مقابل قبوله بمنع

54 مليون دولار حصّتها من سوق تقدّر بأكثر من 675 مليوناً
المنظمة استيراد أدوية من دول مثل الهند...
وبما أن المصانع المحليّة تصنع أدوية مرّ عليها 15 سنة، وبالتالي فإن الطلب محلياً وخارجياً يتركّز على الدواء الحديث العهد نسبياً الباهظ الثمن، وبما أن هذه المصانع تصنّع لمصلحة شركات عالمية تحدّد هي الأسعار، وبما أن براءات الاختراع الموجودة خارج لبنان تمثّل احتكاراً يزيد سعر الدواء، فضلاً عن أن صناعة الأدوية الباهظة الثمن باتت تعتمد على تقنيات متطورة، يشير خليفة إلى أن السوق الأساسية هي خارج لبنان وليست محلية، وبالتالي «لا يمكن إدخال لبنان في منظمة التجارة قبل تقديم التسهيلات المناسبة، أو سنبقى ضمن حلقة الإنتاج الرخيص للدواء الذي مرّ عليه 15 سنة»، علماً بأن القطاع الخاص حالياً يقوم بالمبادرة نحو شركات عالمية لدخول استثمارات في هذا المجال، موضحاً أنه «تقدّمت شركتان عالميتان بالتعاون مع شركة إقليمية وأخرى محلية لإنشاء وتوسيع مصانعها في لبنان، بينها مجموعة إماراتية، وهي تستفيد من دعم الفوائد لتمويل المشاريع».
ويؤكد حكيم أن مشكلة أي مصنع دواء في لبنان هي ارتفاع قدرته التصنيعية والإنتاجية، فيما التسويق يمثّل مشكلة في ظل نوعية الإنتاج وجودته المطلوبتين بسبب الملكية الفكرية واحتكار اختراعات الدواء، إذ إن جدوى إنشاء المصنع تلحظ عدم الاعتماد على السوق المحليّة وضرورة فتح الأسواق الخارجية، فهذا الاستثمار حجمه كبير مقارنة مع المردود والمنافسة الخارجية وشهادة التصنيع الجيد».