عادت مدينة القدس المحتلة لتتبوّأ صدارة الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي، حيث حذر الرئيس الفلسطيني محمود عباس من اشتعال حرب دينية بسببها، بينما صدرت في المقابل تحذيرات إسرائيلية من تحوّلها إلى مدينة ثنائية القومية
محمد بدير
حذر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أمس، من اشتعال حرب دينية في المنطقة نتيجة استمرار الممارسات الإسرائيلية في مدينة القدس والمقدسات فيها. تحذير جاء على وقع الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي شهدها الحرم القدسي، خلال الأسابيع الماضية، والمواجهات التي أعقبتها بين المقدسيين وشرطة الاحتلال، في ظل تحذيرات إسرائيلية مقابلة من خطورة تحول المدينة المحتلة إلى دولة ثناية القومية، جرّاء التكاثر الطبيعي للفسطينيين فيها، على الرغم من سياسة مصادرة الأراضي والتضييق على المقدسيين في كل جوانب الحياة، التي مارستها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ احتلال القدس.
وتطرق عباس، في كلمة أمام ملتقى القدس الدولي الذي بدأت أعماله أمس وتستمر اليوم الخميس بدعوة من مؤسسة ياسر عرفات ووكالة بيت مال القدس في المغرب، إلى خطورة استبعاد الحكومة الإسرائيلية للقدس المحتلة عن جدول أعمال المفاوضات. وقال إن «الإعلان الصريح من الحكومة الإسرائيلية الحالية أنها تستثني القدس من المفاوضات وأنها مصمّمة، خلافاً لكل القرارات الدولية والاتفاقيات السابقة، على المضي في سياساتها، سيشعل نيران حرب ذات أبعاد دينية».
وأعاد عباس تصويب بوصلة الصراع مع إسرائيل، بما يتناقض كلياً مع استراتيجية المفاوضات، من خلال تأكيد أهمية القدس وتسليط الضوء على طبيعة العدوان. وقال إن القدس «أصبحت عنوان المواجهة وموضوعها ومضمونها. فالاعتداءات على الإنسان وعلى التاريخ وعلى التراث الحضاري الإنساني وعلى المقدسات في كل شبر من أرض القدس وحولها تجري بجدّية وتخطيط ويواجهها شعبنا بإمكانياته المحدودة بتصميم وعزيمة وبالتشبث بأرضه ومقدساته».
رغم سياسة مصادرة الأراضي منذ عام 1967، فإن عدد السكان المقدسيين في ازدياد
لكن يبدو أن القلق على مصير القدس ليس حكراً على الفلسطينيين فقط، بل ثمة قلق إسرائيلي أيضاً، وإن كان من نوع آخر، يتمثل في الخشية من خسارة المؤسسات الإسرائيلية، الرسمية وغير الرسمية، للمعركة الديموغرافية في المدينة المحتلة. خسارة من شأنها أن تطيح كل الجهود والمساعي التي بُذلت طيلة العقود الماضية من أجل ترسيخ السيطرة اليهودية على المدينة المقدسة.
وفي هذا المجال، كشف تقرير وزّعه مركز «ماكرو للاقتصاد السياسي» وصندوق «فريدريخ أبرت» على أعضاء الكنيست في الأيام الأخيرة، عن أنه رغم النشاطات الإسرائيلية طيلة السنين الماضية التي تهدف إلى منع ازدياد عدد السكان الفلسطينيين في المدينة، فإن التكاثر الطبيعي هو الذي سيرجح الكفة في نهاية المطاف. ويحذر التقرير من أنه «إذا لم يحصل تغيير، فستتحول القدس إلى مدينة ثنائية القومية».
ويُقرّ التقرير بأنه رغم سياسة مصادرة الأراضي منذ عام 1967، فإن عدد السكان العرب في القدس في ازدياد، وقد يصبحون أغلبية بعد عشرين عاماً. وفيما يوضح التقرير أنه «فحص سياسة التنظيم والبناء لحكومات إسرائيل منذ عام 1967 في شرق المدينة، الهادفة إلى ضمان غالبية يهودية متينة في المدينة لمنع تقسيمها»، يلفت إلى أن «الوسيلة المركزية التي كانت متاحة للسلطات الحكومية، هي مصادرة الأراضي، التي كانت على الأغلب أراضي بملكية خاصة». ويتابع «ولكن رغم المحاولات الحثيثة من قبل حكومات إسرائيل طيلة السنوات الماضية لخلق تواصل سكاني يهودي في المدينة، ثمة شك في أن الهدف تحقق». ويشير إلى أن عدد السكان الفلسطينيين ازداد في السنوات الأخيرة بنسب كبيرة. ففي عام 1967 كانوا يمثّلون ربع سكان المدينة، واليوم يمثّلون 35 في المئة.
وفي إطار سياسة اضطهاد المقدسيّين، أفاد شهود عيان بأن الشرطة الإسرائيلية أزالت خيمة نصبت قبل نحو شهر، احتجاجاً على طرد عائلتين فلسطينيتين من منزليهما في القدس الشرقية لمصلحة مستوطنين يهود.
ونصبت الخيمة في آب الماضي بعد طرد عائلتين فلسطينيتين (53 شخصاً بينهم 19 قاصراًَ) من منزليهما تنفيذاً لأمر من المحكمة العليا. ورأت المحكمة أن منظمة للمستوطنين اليهود تملك المنزلين.
وكان يُفترض أن يصوّت الكنيست، أمس، على اقتراح قانون، سبق أن حظي بتأييد الحكومة السابقة، يعدّ القدس عاصمة «الشعب اليهودي». لكن اقتراح القانون، الذي تقدم به عضو الكنيست اليميني المتطرف زفولون أورليف، حُذف من جدول أعمال الكنيست بسبب معارضة حزب «العمل».
وفيما شنّ أورليف هجوماً شديد اللهجة على الائتلاف الحكومي عموماً، وعلى حزب «العمل» خصوصاً، ردّ الوزير «العمالي» إسحاق هرتسوغ قائلاً إن «العمل ليس ضد مبدأ القدس عاصمة للشعب اليهودي، لكنّ اقتراح القانون ليس له أيّ قيمة، ومضرّ بقضية القدس».