strong>مصانع المفروشات الصغيرة تتقدّم بشكوى من تزايد الاستيرادبسبب تزايد استيراد غرف النوم الخشبية الجاهزة من الصين، ماليزيا، فرنسا، إيطاليا، تركيا... بدأت مصانع المفروشات الفردية والصغيرة والمتوسطة تموت «على البطيء»، وبدأ المعلمون والعمّال يهجرون مهنهم الموروثة أو المكتسبة، ليسطو المستوردون على السوق المحلية من دون أن تتدخّل الحكومة لحماية المعتاشين من هذه الصناعة

محمد وهبة
لم يعد حرفيّو لبنان يُقبلون على صناعة غرف النوم، فقد أصبحت الصين وإيطاليا وتركيا وماليزيا وإندونيسيا ومصر مصادر أساسية رخيصة لتلبية الحاجات في السوق المحليّة. فقد ارتفعت حصة غرف النوم الجاهزة المستوردة إلى 40 في المئة من مجمل السوق، وهذه النسبة إلى تزايد متواصل منذ سنوات! وبات لبنان يستورد أكثر من 4100 طن سنوياً من هذه الغرف، في مقابل إنتاج محلّي لا يتجاوز 7 آلاف طن، وباتت الواردات تغطّي مجمل الزيادة في الطلب المقدّرة بما بين 10 و15 في المئة سنوياً.

شكوى من تزايد الواردات

ازداد استيراد غرف النوم الخشبية الجاهزة بنسبة 40 في المئة، بين عامي 2007 و2008، من 2927 طناً إلى 4097 طناً، علماً بأنها كانت 2617 طناً في عام 2006 و2185 طناً في عام 2005، وهذا يشير بوضوح إلى إغراق السوق من قبل المستوردين، في محاولة واضحة للسيطرة على حصص أكبر من المبيعات، ويؤدي بالتالي إلى تدمير منهجي للمصانع المحلية، ولا سيما أن غالبيتها هي مصانع فردية وصغيرة ومتوسطة، تعتمد في سوقها الأساسيّة على المبيعات المحلية، فيما القلّة فقط هي مصانع كبيرة وتعتمد مبيعاتها بجزء أساسي على الأسواق الخارجية.
هذا ما دفع بنائب رئيس نقابة أصحاب صناعة المفروشات في الشمال عبد الله حرب إلى تقديم شكوى تزايد واردات في وزارة الاقتصاد بهدف حماية هذه المصانع، مشيراً إلى أن بعض كبار مستوردي غرف النوم الخشبية في لبنان هم من أصحاب المعارض المشهورة والمعروفة، ويسوّقون السلع المستوردة التي «لا تطابق المواصفات اللبنانية، وهي معرّضة للاهتراء والتلف بسرعة». وتبلغ قيمة الواردات الإجمالية من غرف النوم الخشبية الجاهزة نحو 6.7 ملايين دولار، 72 في المئة منها، بحسب إحصاءات 2008، تأتي من الصين، و11 في المئة من فرنسا، و4 في المئة من تركيا، و3 في المئة من إيطاليا، و2 في المئة من البرازيل ومثلها من ماليزيا.

غير مطابق للمواصفات

ويشير حرب، ردّاً على استفسارات «الأخبار»، إلى أن الخشب المستخدم في صناعة غرف النوم المستوردة ليس بالنوعية المطلوبة، وحين يتعرض للمياه يتلف بسرعة، وليس هناك أيّ حفر، لأن المصانع بدأت تصبّ مواد بلاستيكية في قوالب جاهزة بدلاً من الخشب المحفور، وهذه المواد هشّة ولا تتحمل أن تكون غرفة نوم، لأنها بعد سنة ستتلف.
الوضع العام للحرفة يعدّ ميتاً بسبب غياب حقوقها واللوم على غياب العمل النقابي
ويتواصل حرب مع صانعي المفروشات في كلّ من البقاع والجنوب عبر غرفتي التجارة والصناعة والزارعة في زحلة وصيدا، ليضمّ أصوات نحو ألف مصنع تعمل في هاتين المنطقتين، من أجل التقدّم بالشكوى إلى وزارة الاقتصاد عبر غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس وذلك على الرغم من أنها كانت ترفض في البدء الدخول في مثل هذا الأمر، «فلم تتجاوب معنا، وحين ظهر الأمر بوضوح عبر إحصاءات الجمارك، وتبيّن أن مصالح الناس مهددة بالإغلاق، أجروا تحقيقاً ميدانياً مع العاملين في هذا المجال، حتى تم تأكيد المؤكد، ورُفعت الشكوى عبر اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة».
لكنّ مصادر مطّلعة على الموضوع تشير إلى أنه على الرغم من الخطر الحقيقي على هذه المصانع، إلا أنها تخضع للاستغلال السياسي. فالملف لم يسرْ في طريقه الطبيعي من غرفة الشمال إلى وزارة الاقتصاد إلا لأسباب سياسية.
وبحسب مصادر متابعة للملف، فإن القسم المعني بالملف في وزارة الاقتصاد يجري استقصاءً مع عدد من كبار مستوردي المفروشات الجاهزة، مثل «مدينة المفروشات»، و«شركة قبلان»، وشركة «شميس»، و«سمارتي تويز»... للتحقق من نسبة استيراد خشب غرف النوم، وقد تبيّن له أحقية الشكوى وحصول تزايد في الواردات... لكنّ قرار «هيئة التحقيق» النهائي سيصدر بعد انتهاء التحقيقات في نهاية السنة الجارية، فتعلن نتيجة الشكوى والتدابير الوقائية التي يمكن وضعها لحماية السلعة المنتجة محلياً.

أيام العزّ

ويستفيد من صناعة المفروشات عموماً «دهان الموبيليا، النجارة، حفر الخشب، النجارة عربيّة، التنجيد، الرسم على الخشب، التقشيش، تجار الخشب، تجار القماش...»، ويقول حرب إنها كانت تعيش «أيام العزّ» منذ 10 سنوات، إلا انها بدأت تتعرض للاندثار بسبب الأوضاع المعيشية للعاملين فيها، متحسّراً على تلك الأيام حين كانت المهنيات تخرّج حرفيين يجدون عملاً في هذه المصانع. أما اليوم فالوضع العام للحرفة يعدّ «ميتاً بسبب غياب حقوقها». ويضع اللوم على «غياب العمل النقابي، فالنقابات لم تقدّم جديداً، والقيّمون عليها لا يمثّلون مصالح مجتمعها». ويلفت إلى أن بعض كبار معلّمي هذه الحرف في الشمال تركوا المهنة بحثاً عن مصدر آخر للعيش، وبدأوا يعملون سائقي سيارات عمومية، أو في تجارة الخضر والفاكهة، أو حوّلوا مصانعهم إلى محال سمانة وميني ماركت... غير أنه حتى اليوم لا يزال هناك نحو ألفي مصنع تعمل في شمال لبنان، ويعتاش منها اليوم عدد كبير من الحرفيين المهرة وعائلاتهم، ويقدّرون بأكثر من 50 ألف نسمة. والمعروف أن صانعي المفروشات يمكنهم إنتاج غرف نوم تبدأ قيمتها من 600 دولار إلى 20 ألف دولار «حسب الطلب والقدرة». وبحسب عضو المجلس التنفيذي لنقابة النجارين، علي نجدي، فإن التجّار يشترون غرف النوم الخشبية من بعض الدول بربع القيمة المبيعة في لبنان، وفي المقابل فإن المستهلك لا يعلم أن هذه البضاعة لديها مواصفات أدنى من البضاعة المصنّعة محلياً، وأن في إمكانه الحصول على نوعية أفضل من حيث الجودة والمتانة مصنّعة محلياً بسعر موازٍ.
ويلاحظ نجدي أن أصحاب المصانع الكبيرة لا يتأثرون بالاستيراد، إذ في إمكانهم المنافسة، «فالمؤسسات الكبيرة عملها مزدهر جداً وصالات العرض تستورد كميات كبيرة تسوّقها»، لكنه يعتقد أن تغيّر «ذوق الناس» له تأثير على نوعيّة السلعة المنتجة ومن يعمل فيها، «فقد تراجع الطلب على نوع الخشب، ولم يعد مرغوباً في الحفر والستيل والأمور المعقدة، والناس باتوا يبحثون عن الأشكال البسيطة من دون أي ديكورات وفذلكات وتعتيق وتذهيب...».


950 ألف دولار

هو مجمل قيمة صادرات صناعة غرف النوم الخشبية في لبنان، أي 274 طناً صُدّرت في الأشهر الثمانية الأولى من السنة الجارية، منها 40% إلى قطر و25% إلى أميركا و13% إلى الأردن


الضرر البالغ على الصناعة