خفض التقديمات لتحقيق التوازن المالي في الضمانمحمد وهبة
وضعت إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي اقتراحاً يرمي إلى توفير 34.8 مليار ليرة من كلفة التقديمات الصحية السنوية، إلا أن هذا الاقتراح سيرتب أعباء إضافية على المضمونين، إذ إنه يقوم على زيادة مساهمة المضمون في فاتورة الأعمال الطبية داخل المستشفى من 10% إلى 25%، وتكليف المضمون بدفع مبلغ 20 ألف ليرة شهرياً عن كل من والديه المستفيدين على عاتقه من تقديمات الضمان.
ومن المتوقّع أن لا يقرّ مجلس إدارة الصندوق هذا الاقتراح، ولا سيما أن مصادر اللجنة الفنية تقول إنها سترفض الكثير من بنوده، فيما الاتحاد العمالي العام سيعلن اعتراضه عليه في اجتماع هيئة مكتبه التي ستنعقد اليوم.

الطبابة في المستشفيات

تنطلق إدارة الضمان في اقتراحها من حالات شاذة مسجّلة في المستشفيات، إذ يتم إدخال عدد كبير من المرضى للمعالجة، فيما حالاتهم لا تستدعي الإقامة، أو إن علاجهم يمكن أن يتم خارجها، أو إنهم ليسوا بحاجة إلى العلاج أصلاً وإنما يتم إدخالهم إلى المستشفيات لإجراء فحوص مخبرية وصور أشعة وسكانر وM.R.I... هذا يرتّب أكلافاً باهظة غير ضرورية، وبحسب الإحصاءات التي يستند إليها اقتراح الإدارة فإن 67% (أو 144973 حالة) من حالات دخول المستشفيات في عام 2008 لم تكن بداعي العمليات الجراحية، منها 109920 حالة يمكن أن تُعالج خارج المستشفى.
المعروف أن المضمونين يلجأون إلى المستشفيات للحصول على الطبابة أو للفحوصات، لأن مساهمتهم في الفاتورة لا تتجاوز 10%، فيما تبلغ 20% لدى الطبيب أو المختبر، فضلاً عن أنهم لا يسددون في المستشفى إلا مساهمتهم مقابل تسديد كل الفاتورة لدى الطبيب أو المختبر، وعليهم استرجاع أموالهم عبر صناديق الضمان، مع ما يعنيه ذلك من انتظار طويل وإذلال والخضوع للسماسرة والوسطاء، فضلاً عن أن الأطباء والمختبرات غالباً ما يتقاضون بدلات أعلى بكثير من التعرفات الرسمية.
20 ألف ليرة شهرياً عن كل من والدَي المضمون و25% من فاتورة الطبابة في المستشفى
ويأتي اقتراح الإدارة بزيادة مساهمة المضمون من 10% إلى 25% في تغطية فواتير هذا النوع من الأعمال الطبيّة والمخبريّة، التي تتم داخل المستشفى خلافاً للقانون والنظام، ليكرّس الوضع الشاذ بدلاً من معالجة أسبابه، وتطمح الإدارة إلى تحقيق وفر بقيمة 18 مليار ليرة سنوياً من هذا الإجراء، علماً بأن المطّلعين على طريقة عمل الصندوق والمستشفيات والأطباء يشككون بصحّة هذا الرقم، إذ إن مشكلات كبيرة ستُنشأ عند تصنيف الحالات الاستشفائية، فمن هي الجهة التي ستقرر إذا كانت حالة مرضية ما تستدعي الدخول إلى المستشفى أم لا؟ وبحسب اقتراح الإدارة، فإن مساهمة المضمون لن تزداد في حالات زرع الكلى، العلاج الكيميائي، غسل الكلى، تفتيت الحصى، غسل الدم من الكوليسترول... التي تقدّر بنحو 27200 حالة سنوياً.
وتفيد الدراسة الاكتوارية بأن 40 في المئة (أو 107.684 مليار ليرة) من كلفة التقديمات الاستشفائية (المقدرة بنحو 372.35 مليار ليرة) ستشملها زيادة نسبة مساهمة المضمون.

والدا المضمون

الأخطر في هذا الاقتراح هو استهدافه المضمونين ممن يتحمّلون عبء إعالة الوالدين، إذ إنه يلغي المبدأ التكافلي الذي يقوم عليه الصندوق، ويفرض رسماً مقطوعاً بقيمة 20 ألف ليرة شهرياً عن كل من الأم والأب (أو 480 ألف ليرة سنوياً عن الاثنين)، في مقابل استفادتهما على عاتق ابنهما.
ويسعى هذا الاقتراح الى تحقيق إيرادات إضافية بقيمة 16.8 مليار ليرة سنوياً، إذ إن الدراسة الاكتوارية، التي أجرتها الإدارة، تفيد بأن هناك 70 ألفاً (والد، والدة) يستفيدون على عاتق المضمونين، وهؤلاء يرتّبون أكلافاً كبيرة بسبب عامل السن، وبالتالي فإن تكليف المضمونين باشتراك شهري إضافي مقطوع بقيمة 20 ألفاً عن كل واحد من الوالدين يؤدي إلى تغطية جزء من هذه الأكلاف.

مصير المشروع

أُحيل الاقتراح إلى اللجنة الفنية في الصندوق لإبداء رأيها، وبحسب مصادر اللجنة سيتم رفضه لأنه يشتمل على خفض للتقديمات، فيما قانون الضمان يفرض زيادة الاشتراكات في حالة العجز المالي في أي من الصناديق «وهذا مبدأ جوهري في عملية تمويل الصناديق».
ولذلك، فإن أهداف الاقتراح بتحقيق إيرادات تبلغ 34.8 مليار ليرة تستخدم في تغطية جزء من عجز فرع ضمان المرض والأمومة، وفقاً لما جاء في أسبابه الموجبة، هي أهداف غير منسجمة مع قانون الضمان، ولا سيما أن الاقتراح يؤكد أن ظروفاً حالت دون رفع معدل الاشتراك وفقاً للمادة 66 من قانون الضمان، والتي تفرض زيادة الاشتراكات كحل وحيد لتحقيق التوازن المالي. وقد بات معروفاً أن ممثلي أصحاب العمل في مجلس إدارة الصندوق يرفضون زيادة الاشتراكات، والدولة ممثلة بمستشار رئيس الحكومة رفيق سلامة، ترى أن التوازن يمكن تحقيقه عبر «ضبط النفقات» لا عبر زيادة الاشتراكات.

مشروع بديل

ويعتقد بعض أعضاء مجلس إدارة الضمان أن أحد خبراء البنك الدولي يقف وراء المشروع، وآخرون يعتقدون أن إحدى اللجان المشتركة بين الضمان وإدارات الصحة، الشؤون الاجتماعية، رئاسة الحكومة... هي التي بلورت هذه الفكرة. وما يعزز الرأي الثاني، أن كبيرة مسؤولي العمليات في قسم التنمية البشرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي، حنين السيد، نفت في اتصال مع «الأخبار» أن يكون للبنك أي علاقة بالاقتراح، مشيرة إلى أن الخيارات التي طرحها معروفة وتتضمن زياة الاشتراكات ورفع سقف الراتب الخاضع للاشتراك، فضلاً عن أن البنك وضع برنامج مكننة لضبط هذا النوع من الإنفاق، ولم يعمل فيه بعد.
على أي حال، لا يُتوقع أن يمرّ الاقتراح في مجلس الإدارة، وبحسب معلومات «الأخبار» فلن يوافق عليه ممثلو العمال، إضافة إلى رفض قاطع من رئيس المجلس طوبيا زخيا واللجنة الفنية. وقد وصف رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن هذا الاقتراح بأنه «محاولة لاغتيال الضمان والمضمونين»، معبراً عن اعتقاده بوجود «صفقات تمرّ خلف مجلس الإدارة»، ولذلك سيطرح على جدول أعمال جلسة هيئة مكتب الاتحاد العمالي التي ستنعقد اليوم.


650 مليار ليرة

هي قيمة العجز المتراكم وفقاً لإحصاءات أولية في الصندوق، أي بزيادة نسبتها 59.7 في المئة وقيمتها 243مليار ليرة، مقارنة مع نهاية عام 2008 حين بلغت المسحوبات من أموال نهاية الخدمة لتغطية العجز ما قيمته 407 مليارات ليرة.


677 مليار ليرة تقديمات 2009