طالب المالكي بالاعتذار... وأكد عدم ندمهبغداد ــ الأخبار
لم يفاجئ الصحافي الطليق منتظر الزيدي من استمع إلى كلماته، بعد إطلاق سراحه أمس، عندما كشف أنه تعرّض للتعذيب المبرح. وإذا كان هناك داعٍ للمفاجأة، فهي النبرة العالية التي توجّه فيها الزيدي إلى الاحتلال الأميركي، مذيّلة بخلاصة واحدة: لست نادماً على رشق الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بحذاءيّ.
خرج الزيدي من السجن صباحاً، وتوجّه فوراً إلى مقر فضائية «البغدادية» التي كان مراسلاً لها في وسط بغداد، ليعقد مؤتمراً صحافياً، بمواكبة أمنية وشعبية قلّ نظيرها بعد احتلال العراق قبل 6 أعوام.
وطالب الزيدي، في المؤتمر الصحافي الذي اقتصر على بيان مكتوب لم تتخلله أسئلة للصحافيين، رئيس حكومته نوري المالكي بالاعتذار عن «حجب الحقيقة عن الناس». وقال إنه «في الوقت الذي قال فيه المالكي إنه لم ينم إلا بعدما اطمأن عليّ، كنت أتعرض لأبشع أصناف التعذيب، من صعق بالكهرباء والضرب بالقضبان الحديدية». وأضاف: «تركوني في الصباح مكبّلاً في مكان لا يقيني برد الشتاء القارس بعدما أغرقوني في الماء منذ الفجر، لذلك سأتحدث عن أسماء الذين تورطوا بتعذيبي، وبينهم مسؤولون في الدولة والجيش».
وبرّر قيامه برشق «المجرم بوش» بحذاءيه في ذلك اليوم من 14 كانون الأول الماضي بالقول إن «ما حرّضني على المواجهة هو ظلم الاحتلال الواقع على شعبي». وأضاف أن الاحتلال «سحق شيوخنا وأطفالنا، وسقط مليون شهيد برصاص الاحتلال، وكان سبباً في تهجير خمسة ملايين عراقي، وهو من رمّل ملايين النساء ويتّم ملايين الأطفال».
وأوضح الزيدي، الذي ظهر وهو يضع العلم العراقي على كتفيه وأحد أسنانه قد كُسرت، أنه لا يعدّ نفسه «بطلاً، لكنني صاحب رأي وموقف، والاحتلال فرّق بيننا، وجعل بيوتنا سرادق عزاء، وفتك بشبابنا وشيوخنا». وأشار إلى أن ضرب بوش كان «تعبيراً عن رفضي للاحتلال وفضحاً لكذبه، وكانت أحذيتي وردة للمحتل، وأردت الدفاع عن شرف المهنة عندما استبيح الوطن».
وجزم بأنه «مستقل»، وأنه لا يعمل مع أي جهة سياسية، متعهداً أنه سيسخّر جهده المستقبلي «في الخدمة المدنية لمساعدة ضحايا الاحتلال والتخفيف عنهم».
وفيما طمأن إلى أنه ليس نادماً على فعلته، لم يستبعد تعرّضه للقتل أو للتصفية الجسدية، لكنّه لم يبدِ خوفاً أو خشية من هذا المصير.
وبثّت فضائية «البغدادية» العراقية، التي كان الزيدي يعمل مراسلاً لها في بغداد، لقطات احتفالية لدى إطلاق سراحه، ظهر فيها وهو يرتدي العلم العراقي بينما راحت فرقة موسيقية شعبية تطلق أناشيد وأغاني عراقية وسط حشد كبير من الاعلاميين الذين كانوا باستقباله خارج مبنى السجن في بغداد. ولفت عدي الزيدي، شقيق منتظر، إلى أن بعض أعضاء البرلمان الذين دعموا قضية شقيقه كانوا في استقباله خارج السجن.

من هو منتظر الزيدي؟

تقول بطاقته الشخصية إنه وُلد في 12 تشرين الثاني 1979، ونشأ وترعرع في مدينة «الثورة» شرق بغداد، التي شيّدها الزعيم عبد الكريم قاسم في أوائل ستينيات القرن الماضي، ثم تغير اسمها في زمن النظام السابق إلى «مدينة صدام»، وأصبحت تسمى «مدينة الصدر» بعد الاحتلال. مدينة معروف أنها منبع الطبقة العاملة، وإحدى المناطق الأفقر والأكثر ازدحاماً سكانياً.
عُرف منتظر خلال سنوات دراسته، بميوله اليسارية، وكان من الناشطين في المجال الطلابي أثناء دراسته في كلية الإعلام. إلا أنه لم يُعرَف عنه انتماؤه إلى حزب معيّن، رغم أن المقربين منه أشاروا إلى أنه انخرط لفترة في صفوف «الحزب الشيوعي العمالي» قبل أن يفك ارتباطه به عندما أعلنت قيادته انضمامها إلى الحزب الشيوعي «الرسمي» الذي يرأسه حميد مجيد موسى، أحد نواب برلمان الاحتلال وأحد أركان «العملية السياسية» المرسومة من المحتل.
ومعروف عن الزيدي، الذي ينحدر من أسرة عاصرت تأسيس الحزب الشيوعي العراقي، رفضه للاحتلال الأميركي، ومهاجمته التي لا تتعب للسياسة الأميركية من خلال التقارير التي كان يبثّها من على شاشة قناة «البغدادية» التي عمل فيها منذ إنشائها عام 2005. ويرى المقربون منه أن أحد أفضل تقارير الزيدي كان عن «زهراء»، التلميذة العراقية الصغيرة التي قُتلت برصاص قوات الاحتلال، فقد وثّقَ المأساةَ في تحقيق مصوّر، كان عبارة عن مقابلاتِ أجراها مَع عائلتها وجيرانها وأصدقائها، ما أكسبَه احترام الكثير من العراقيين.
ويقول الزيدي عن نفسه: «أنا عراقي فخور ببلادي». ويقول أصدقاؤه إنه رفض الاحتلال، ورفض الاقتتال بين العراقيين، ورأى أن الاتفاقية الأمنية الأميركية ـــــ العراقية هي «تشريع للاحتلال».
تعرض الزيدي للاختطاف «من جهة مجهولة» أثناء توجهه إلى مقر عمله في 16 تشرين الثاني عام 2007، وكان يقيم آنذاك في شقة متواضعة وسط بغداد، وقد خصصت «البغدادية» برنامجاً من ساعتين عن عمله واختطافه، بثّته بعد يومين من اختطافه. ويروي الزيدي أن الخاطفين أجبروه على الدخول إلى سيارة، وضربوه حتى أفقدوه الوعي، ثم استخدموا ربطة عنقه في تعصيبه ورباط أحذيته لتقييد يديه، وأثناء احتجازه، استجوبوه في موضوع عمله بالصحافة، وقدموا إليه القليل من الطعام والشراب، غير أنهم أفرجوا عنه وأطلقوه في الشارع وهو معصوب العينين، وذلك بعد ثلاثة أيام من اختطافه، من دون مقابل مادي أو فدية. وفي كانون الثاني 2008، اعتقلته قوات الاحتلال بعدما فتشت منزله ليلاً، لكنها أطلقت سراحه لاحقاً. وبعدما رشق بوش بفردتي حذائه في 14 كانون الأول 2008، علّق بوش قائلاً: «هذا أغرب شيء أتعرض له».


شخصيّة عام 2008 بفارق كبير عن أوباماواختير الزيدي شخصية عام 2008 من شبكة «سي أن أن» الأميركية، في استطلاع أجرته لقراء موقعها العربي على الإنترنت. وعلق الموقع على اختياره بالقول: «في زمن غابت عنه الزعامات الكاريزماتية، أصبح منتظر الزيدي شخصية عام ٢٠٠٨، باختيار قرائنا بالعربية له، متفوقاً على شخصيات أخرى برزت خلال العام نفسه، منها الرئيس باراك أوباما، حيث حصل الزيدي على 57 في المئة من أصوات القراء، في مقابل ٢٧ في المئة فقط لأوباما».