«رغم بعض الانزلاقات، بقي أداء الاقتصاد اللبناني مواتياً إلى حدّ بعيد»، هذه هي الخلاصة التي توصّلت إليها بعثة صندوق النقد الدولي في آخر تقييماتها لبرنامج «EPCA». ولكن وزير المال محمد شطح أقرّ مع البعثة بوجود مسائل كثيرة تبقى تقوّض التحوّل الفعلي، وتهدد بـ«انفلاج مالي»
حسن شقراني
أصدرت بعثة صندوق النقد الدولي تقويمها النهائي لأداء الاقتصاد اللبناني عموماً، مختتمة بذلك آخر المهمات المدرجة في إطار برنامج «EPCA»، الذي انتهت مفاعيله في نهاية حزيران الماضي. وقالت البعثة، بعد جولة على المعنيين استمرّت 8 أيّام، إنّ اقتصاد لبنان «بدأ يحصد فوائد السياسات الحذرة». فالهدفان الأساسيّان لـ«EPCA» «تجري ملاقاتهما بوضوح».
الأوّل هو خفض معدّل الدين إلى الناتج المحلّي الإجمالي، فبحسب تقرير البعثة «انخفض ذلك المعدّل من 160% بنهاية عام 2008 إلى 153% بنهاية حزيران الماضي»، والثاني هو تعزيز الاحتياطات الأجنبيّة الذي يقوّم على أساسه صندوق النقد الأداء الاقتصادي. فقد ارتفعت قيمة تلك الاحتياطات إلى 25.5 مليار دولار بنهاية آب الماضي. وإلى جانب هذين العاملين هناك إيجابيّة محقّقة على صعيد «الفائض الأوّلي» الذي يقول البيان الاولي للبعثة إنّه تأمّن بفضل «إعادة النظر بالضرائب والرسوم المفروضة على البنزين التي دعمت العائدات الضريبيّة».
وتللك الإنجازات، بحسب البيان «مشجّعة وهي لا تمثّل سوى البداية لأنّها تمّت حتّى من دون تطبيق الإصلاحات التي تتضمّنها ورقة عمل مؤتمر باريس -3، وتحديداً على صعيد قطاع الكهرباء الذي يمثّل النزف الأساسي في الأموال العامّة». هكذا عبّر رئيس البعثة، دومينيك فانيتسا، عن الرؤية العامّة لمؤسّسته حالياً، خلال المؤتمر الصحافي الذي استضافه وزير المال محمّد شطح للحديث عن خلاصات المشاورات التي أجرتها البعثة بين 10 و18 من أيلول الجاري.
إذاً فالكهرباء على رأس برنامج صندوق النقد للإصلاح المالي العام في لبنان. ولكن هل يملك بالفعل برنامجاً واضحاً في هذا الخصوص؟ يجيب فانيتسا «نحن نتكلّم عموماً وليس بالضرورة عن مشاريع معيّنة كالخصخصة» وبنظره فإنّ الخطوة العلاجيّة هذه تمثّل تطوّراً إلى الأمام باتجاه «تدعيم النظام المالي... لأنّكم تستطيعون تحقيق ذلك» على حدّ تعبيره.

نقاط الضعف

ولكن «تحقيق ذلك» على سبيل أنّه الإنجاز المنتظر، دونه عقبات وهواجس كثيرة حتّى بحسب معايير صندوق النقد. فقد شدّدت البعثة في بيانها على أنّه «رغم النتائج المواتية كان صافي اقتراض الحكومة من مصرف لبنان أكبر من السقف المحدّد... بنسبة 44%». وأوضحت أنّ هذا الأمر نتج من «تفضيل المصارف التجاريّة لشراء شهادات الإيداع بفوائد عاليّة على 5 سنوات التي يعرضها مصرف لبنان عوضاً عن سندات الخزينة لـ3 سنوات ذات الفوائد الأدنى، ما مثّل ضغطاً على ماليّة المصرف». ولكن في تمّوز الماضي «توقّف مصرف لبنان عن إصدار شهادات الإيداع وتراجع الاقتراض الحكومي بشكل ما».

صافي اقتراض الحكومة من مصرف لبنان أكبر من السقف المحدّد بنسبة 44%
وعلمت «الأخبار» أنّ اللقاء الذي جمع البعثة بالوزير شطح تضمّن تشديد فانتيسا على ضرورة ألّا تتكرّر إجراءات مصرف لبنان القاضية بامتصاص السيولة عبر شهادات الإيداع. وهي عمليّة كان الصندوق قد حذّر من أنّها «تشوّه سعر الفائدة». ولدى سؤاله عن هذا الأمر أجاب فانتيسا لـ«الأخبار» بالقول إنّ «كلّ شيء جيّد الآن بعدما توقّف مصرف لبنان عن الإصدارات».
مسألة أخرى تمثّل نقطة ضعف وفقاً لمعايير صندوق النقد تتعلّق بـ«إجراءات الرقابة» التي يفترضها البرنامج. ويقول التقرير في هذا السياق إنّ «تقديم حساب موحّد للخزينة تأجّل لأنّ البرلمان لم يمرّر التشريعات المناسبة». وأيضاً «لم يُسجّل سوى تقدّم بسيط في ما يتعلّق بمراجعة تعرفات الطاقة وقانون ضريبة الدخل الموحّد وذلك بسبب البيئة السياسيّة الصعبة خلال مرحلة التحضير للانتخابات النيابيّة».
وإضافة إلى هاتين المسألتين يشير التقرير إلى «تأخّر خصخصة (رخصتي) شركتي الهاتف الخلوي بسبب ظروف السوق، ولكي تتمّ (العمليّة) تتطلّب قراراً سياسياً جديداً من الحكومة المقبلة».
ويلقي التقرير مسؤوليّات كبيرة على الحكومة المقبلة وهو يقول إن «إجراءات حاسمة يجب أن تتخذها الحكومة المقبلة ستكون ضروريّة لتحقيق فائض أوّلي ملموس ومطلوب للتحرّك بالوضع المالي باتجاه الاستدامة خلال المدى المتوسّط». وعلى قائمة الإصلاحات الماليّة يبرز «خفض التحويلات العامّة إلى مؤسّسة كهرباء لبنان وزيادة معدّل الضريبة على القيمة المضافة».
وفي الإطار المالي نفسه يُثني تقرير بعثة «EPCA» على إمكان ارتفاع معدّل الفائض الأوّلي من الناتج المحلّي الإجمالي إلى 0.9% خلال العام الجاري مقارنة بـ0.6% في عام 2008.
ومن بين التوصيات الإصلاحيّة الإضافيّة على الصعيد المالي، شدّد البيان على ضرورة «الخفض التدريجي لأسعار الفائدة بالتوازي مع أوضاع السوق».

شطحة قلم

هذه الإجراءات والتوصيات ثمّنها الوزير شطح خلال المؤتمر الصحافي وتحدّث عن المؤشّرات الإيجابيّة المتمثّلة بتوقّع معدّل نموّ اقتصادي بنسبة 7% في عام 2009 إضافة إلى تراجع معدّل التضخّم إلى 2.5%.
ولدى تطرّقه إلى الدين العام وحجمه (المعترف به رسمياً) قال شطح: «نحن نعلم أنه لا يمكن معالجة الدين سحرياً ولا يمكن حتّى أن نُعفى منه سياسياً أو غير سياسي». ولذا لا بدّ من الاعتماد على 3 عناصر لتحقيق العلاح التدريجي، وفقاً للوزير شطح، الذي انتقد كثيراً واقع عدم تأليف حكومة جديدة لما لذلك من انعكاسات سلبيّة مباشرة وغير مباشرة.
العنصر الأوّل هو «الاستمرار باتباع سياسة ماليّة حكيمة وعدم رفع العجز عبر خفض الضرائب والرسوم»، وقال شطح إنّ المشاكل «لا تواجه بشطحة قلم». أمّا العنصر الثاني الذي يجب التنبّه له فهو «الاستمرار بخفض الفوائد لا رفعها لأنّ ذلك سيؤدّي إلى تعزيز ثقة المستثمر وكيفية تقييمه المخاطر». وأخيراً هناك عنصر «الالتزام باستمرار النموّ لأنّ الاقتصاد المنكمش يعني أن عبء الدين أكبر».
«أي حكومة مقبلة لا يمكنها الخروج عن الالتزام بهذه العناصر الأساسيّة» وفقاً لشطح لأنّ تلك العناصر «ستحمي لبنان واللبناني وأولاده من انفلاج مالي محتمل».

  • انقر للصورة المكبرة...

    انقر للصورة المكبرة...