فادي عبّودأصبحت معضلة الكهرباء في مقدمة الاهتمامات، وبات إيجاد الحلول والمخارج من الضرورات الوطنية والملحّة في المرحلة المقبلة، وهي ضرورات لا تحتمل أي تأجيل، ولا سيما أن البنك الدولي أشار، في دراسته التفصيليّة عن وضع الكهرباء في لبنان، إلى أنّ حاجة لبنان من الكهرباء سترتفع بنسبة 60 في المئة بحلول عام 2015، لتبلغ حوالى 3000 ميغا واط، ما يعني أن هناك حاجة إلى زيادة الطاقة الإنتاجيّة بواقع 1500 ميغا واط في خلال السنوات الست المقبلة.
ونشهد اليوم تحركات ناشطة من بعض الجمعيات الخاصة والمدنية في محاولة منها للدفع نحو حلول تجنّب لبنان مستقبلاً مظلماً، منها «جمعية الطاقة المستدامة»، التي أسسها الرئيس جاك صراف مع مجموعة من رجال الأعمال، والتي تبذل جهوداً في هذا السياق، وجهودها مشكورة.
لقد باتت أزمة الكهرباء تتجاوز في مفاعيلها الخسارة الاقتصادية التي تسبّبها في كل مفاصل المجتمع اللبناني، بل تحولت هذه الأزمة المزمنة إلى عقدة نقص تجتاح عقول اللبنانيين ومشاعرهم وكرامتهم، هؤلاء الذين يتباهون دائماً بقدراتهم الفكرية، ويصنّفون أنفسهم من بين الشعوب الذكية والمتطورة، فإذا بهم يُصدمون بالواقع المرير بأنهم عاجزون عن تأمين الكهرباء.
سعر الكيلو واط/ ساعة عبر القطاع الخاص سيكون أكثر من 17 سنتاً
ويضيع المواطن والمراقب اللبناني اليوم في خضمّ الجدل والردود المتبادلة بين الرئيس فؤاد السنيورة والوزير المختص، وزير الطاقة والمياه آلان طابوريان، بشأن موضوع الطاقة، ولا سيما أن هذه المعارك ليست مبنيّة على نظريات اقتصادية أو أرقام، ولا يفهم المراقب إلا أن الكيمياء مفقودة بين دولته ومعاليه. فنحن لم نسمع خلال زيارتنا إلى الرئيس السنيورة مع جمعية الطاقة المستدامة أي تعليق على طرح الوزير طابوريان ورؤيته لمعالجة موضوع الكهرباء، بل على الأسلوب المتبع من الوزير، فالطرح المبدئي لوزير الطاقة مقبول جداً لأنه يعالج مشكلة سنواجهها على المدى القريب، وهي مشكلة نقص القدرة الإنتاجية مع ازدياد الطلب، علماً أن الكل مقتنع بضرورة زيادة الإنتاج وبأسرع طريقة ممكنة... ويتساءل المواطن هنا أنه بغضّ النظر عن الكيمياء المفقودة، لماذا لم يبادر مجلس الوزراء إلى شراء مولّدات تعمل على الـheavy fuel لتوليد حوالى 500 ميغا واط لحل المشكلة الآنية أقلّه على المدى القصير؟
هناك من يتهم وزير الطاقة بأنه بالمبدأ ضد الخصخصة، وفريق آخر يُتهم أنه يُعدّ لوضع اليد على قطاع الكهرباء من جانب بعض المنتجين المفترضين للطاقة، مما أدى إلى ضياع و«لخبطة» في فهم الاتجاه الصحيح لحل الموضوع.
نحن كصناعيين، الذين تمثّل الطاقة بالنسبة إلينا مسألة حياة أو موت، لا يمكن أن نكون بأي شكل من الأشكال ضد مبدأ الخصخصة، ولكن أكثرية الشعب اللبناني أصبح لديها Phobia الخصخصة، نعم نحن مع الخصخصة، ونحن مع حرية الإنتاج والتنافس الشامل والكامل، حيث يحق لمن يريد أن ينتج كهرباء ممارسة هذا الحق، والدولة حرة في أن تشتري كهرباء ممن تشاء وبأرخص سعر معروض في السوق. وبالطبع لا بد من تطبيق مبدأ منع الاحتكار من المنتجين، ومنع توحيد الأسعار.
نحن ضد تركيب احتكارات جديدة ولا يعقل أيضاً أن تلتزم الدولة بعقود على فترات طويلة وبأسعار أو معادلات ثابتة، إذ لا يجوز أن تعطي الدولة اللبنانية كفالة لأحد بأنها ستشتري منه كهرباء على مدى طويل، ولا سيما أن المتغيرات في عمليات الإنتاج قد تكون سريعة، ومن الممكن أن يبدأ استخراج الغاز الطبيعي في لبنان في المستقبل القريب، وعندئذ ستتغير المعادلة جذرياً.
ونقترح عدم حصرية شراء الكهرباء من شركة كهرباء لبنان، بكلام آخر اعتماد الأسلوب المعتمد في بريطانيا اليوم، حيث بإمكان المستهلكين الكبار أن يشتروا كهرباء من عدة مصادر في اليوم الواحد، وخلق تنافسية حقيقية، فالكهرباء سلعة مثلها مثل أي سلعة أخرى، فإذا كان لا بد من الاتجاه إلى الخصخصة، نريدها خصخصة تنافسية لا توزيعاً لقالب الجبن، وكلنا يعرف أن الاحتكارات ستجعل من سعر الكهرباء حتماً الأغلى في المنطقة.
هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فيجب إطلاع المواطن اللبناني على حقيقة أن إنتاج الكهرباء من جانب القطاع الخاص سيكون بسعر أكثر من 17 سنتاً أميركياً للكيلو واط/ساعة، بحسب أسعار الطاقة اليوم، وهي مرشحة للتصاعد، ولكن هذا لا يعني أن الدولة لا تستطيع أن تشتري الكهرباء بهذا السعر، وأن تدعم الأسعار للفئات المحتاجة وللقطاعات الإنتاجية، وهذا يعدّ دعماً حقيقياً لا هدراً، وللتذكير فقط فإن سعر الكيلو واط/ ساعة عند شركائنا في منطقة التجارة الحرة لا يتعدى الـ5 سنتات أميركية، فهل يعقل أن يكون سعر الكيلو واط/ساعة في لبنان أضعاف ما هو عليه عند شركائنا التجاريين.
ندعو إلى أن يكون الحوار بشأن موضوع الكهرباء حواراً اقتصادياً، لا نابعاً من كيديات واتهامات متبادلة، علماً بأن عملية الإنتاج قد تكون الأسهل في ما يتعلق بمشكلة الكهرباء المستعصية، فربما من المفروض خصخصة إدارة التوزيع والجباية قبل خصخصة عملية الإنتاج، وهي عملية واضحة، إذ من الممكن أن تشتري الدولة المولّدات مع عقد صيانة وتشغيل بطريقة واضحة لا التباس فيها، فعملية الإنتاج كما ذكرنا هي الأقل تعقيداً في مشروع الإصلاح.
ولا بد من التذكير أن القطاع العام يملك العقارات اللازمة لإنشاء معامل الإنتاج، ويستطيع أن يستحصل على شروط تمويل أفضل من القطاع الخاص، وإذا بُنيت محطات إنتاج في ملكية عامة يصبح من الممكن الدخول في عملية خصخصة لكل القطاع مع ربحية للقطاع العام بدل التسرّع في خصخصة سريعة تحت الضغط، مما سيؤدي إلى شروط مكلفة على المواطن اللبناني.

* رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين