القاهرة ــ الأخبار«عملوها الرجالة». هذه هي العبارة التي تكرّرت في التقارير الأولى عن عملية إعادة الصيادين المصريين من أسر قراصنة صوماليين بعد نحو 150 يوماً قضوها في الأسر. ردّد القرّاء المصريون أيضاً هذا التعبير الممزوج بمشاعر مشحونة بالزهو والإثارة من وحي قصة تحرير المختطفين أنفسهم، بعد معركة قتلوا فيها وأسروا عدداً من القراصنة.
ولم تكن هزيمة القراصنة عملية سهلة، وقد تشابهت فصولها مع فيلم مغامرات، لكن الأبطال كانوا هذه المرة صيادين حقيقيين وعاديين، تمكّنوا، بمساعدة أجهزة استخبارات وجماعات مسلّحة، من إنهاء الوضع المأساوي الذي عاشوه منذ احتجزهم القراصنة في 18 آذار الماضي بالقرب من سواحل قرية لاس قورى في إقليم البونت لاند الصومالي، الذي يتمتع بالحكم الذاتي منذ عام 1998.
وكشفت مصادر مصرية أنه جرى تنسيق مكثف بين الاستخبارات المصرية ومالكي المركبين، ما أسهم في إنهاء عملية الخطف بنجاح، مشيرةً إلى أن قرار القيام بالعملية اتُّخذ بعدما تنصّل القراصنة من اتفاق مبدئي كانوا قد أبرموه مع الحاج حسن خليل، مالك أحد المركبين، ويقضى بدفع مبلغ 600 ألف دولار أميركي على ثلاث دفعات للخاطفين. وتراجع القراصنة عن الاتفاق بعد الحصول على الدفعة الأولى البالغة قيمتها 200 ألف دولار، تحت تأثير النجاح الذي حقّقه قراصنة آخرون حصلوا على فدية قدّرها خمسة ملايين دولار من إيطاليا في مقابل إطلاق سراح زورق قطري ـــــ إيطالي كان على متنه 16 بحاراً معظمهم أوكرانيّون.

بعد 150 يوماً من الأسر، نجح الصيادون بتحرير أنفسهم
وتصاعد الموقف بسبب مطالبة القراصنة بالحصول على مليون دولار أميركي إضافية، قبل أن يصل الجميع إلى قناعة بضرورة التدخل السريع عبر خطة مدروسة بعناية لاستعادة المركبين، وإطلاق سراحهما مع الصيادين بالقوة.
واستعان الحاج خليل بـ16 مسلحاً صومالياً اختارهم بعناية وسيط صومالي مثّل دور المشارك في عملية مفاوضة القراصنة، ورفض مطالبهم بعدم الحضور بسلاحهم قرب المركبين.
وأقنع خليل القراصنة بالسماح له بالصعود إلى المركب بحجة الاطمئنان إلى اثنين من أبنائه الموجودين ضمن طاقم الصيادين، حيث أمضى ربع ساعة فقط للسلام والاطمئنان، علماً بأنه كان قد اتفق مع أعضاء طاقم المركب الثاني، «أحمد سمارة»، عبر الهاتف، على إشارة معينة بموجبها تبدأ عملية استعادة السيطرة على المركبين.
وبعدما غادر المركب، توجّه إلى عقد اجتماع مع أربعة من زعماء القراصنة ممن أوهمهم بأن المبلغ المطلوب كفدية في طريقه إليهم، بينما كان الهدف الحقيقي هو إبعادهم عن المركبين وتشتيت انتباههم.
في هذه الأثناء، نجح الصيادون العزّل، إلا ممّا تيسر لهم من «سلاح أبيض»، بالانقضاض على الخاطفين المدججين بالسلاح، وانتزعوا أسلحتهم بسرعة فائقة كانت تحركها غريزة البقاء.
وأسهمت علاقات الصداقة التي نشأت بين المخطوفين والقراصنة على مدى الشهور الخمسة الماضية، في تحقيق هذه المفاجأة، إذ انتزعوا السلاح من القراصنة البالغ عددهم تسعة أشخاص، في توقيت واحد في المركبين، ما أدى إلى إلقاء أحد القراصنة بنفسه في البحر طلباً للنجدة.
ونجح الصيادون باستعادة السيطرة على المركبين والاستيلاء على سلاح القراصنة وأسر ثمانية منهم واصطحابهم على متن المركبين، اللذين انطلقا على الفور إلى خارج المياه الإقليمية الصومالية.
في غضون ذلك، وقع اشتباك بين المجموعة المسلحة المرافقة للحاج حسن خليل والقراصنة، ما أسفر عن مصرع اثنين منهم وجرح ثالث، بينما لم يصب أحد من الصيادين أو المجموعة المسلحة بأي سوء.
وتواصلت رعاية جهاز الاستخبارات المصرية للمركبين بعد تحريرهما طيلة رحلة العودة والخروج من المياه الصومالية، وجرى الاتصال بقوات حلف شمالي الأطلسي الموجودة قرب سواحل الصومال وبالقرب من منطقة المحيط الهندي وخليج عدن لتأمين المركبين وضمان عدم تعرضهما لعملية خطف أو قرصنة جديدة.
ولا يزال المركبان في طريقهما إلى مصر، وعلى متنهما ثمانية من القراصنة الأسرى، في سابقة هي الأولى من نوعها، التي تنجح فيها إحدى الدول العربية أو الأفريقية بأسر قراصنة صوماليين وجلبهم إلى أراضيها.
وعاشت محافظات دمياط والسويس وكفر الشيح أجواءً احتفالية استعداداً لاستقبال الصيادين يوم الخميس المقبل، إذ يُتوقع أن يحظى العائدون باستقبال شعبي حافل كبير لدى وصولهم إلى بلادهم.
وبعد الخسارة التي تعرضوا لها على أيدي الصيادين المصريين بمساعدة الاستخبارات المصرية، تعهّد القراصنة الصوماليون الانتقام من الصيادين المصريين «الذين قتلوا رفاقنا». وتحدث أحد معاوني القراصنة، في مكالمة هاتفية من لاس قوري، أحد معاقل مُمتهني خطف السفن في الصومال، مقدماً نفسه باسم فرح لوكالة «رويترز»، عن العثور على جثث سبعة من القراصنة في مياه المحيط الهندي، متعهداً الانتقام من الطاقم المصري الذي قتلهم.