Strong>قطاع ضخم يدرّ ملايين الدولارات... ويسهّل التجسس على لبنان!كشفت محطة الإنترنت في الباروك المتصلة بإسرائيل النقاب عن قطاع ضخم جداً في لبنان يُعرف «بالإنترنت غير الشرعي»، وهو يسيطر على أكثر من 50% من سوق الإنترنت، وينتشر في جميع المناطق اللبنانية «على عينك يا تاجر»، فلا الأجهزة الأمنية تردع المخالفين، ولا وزارة الاتصالات قادرة على ضبطهم من دون تحرّك القضاء... فما هو هذا القطاع الذي يحظى بحصانة حديدية كهذه؟

رشا أبو زكي
المافيات تتحكّم في قطاع الإنترنت في لبنان، وهذه المافيات لا تنحصر في أشخاص يريدون الحصول على أرباح بطريقة غير قانونية، بل يمتد الأخطبوط إلى الإدارات الرسمية المعنية وبعض الجهات الأمنية، ليصبح الجميع متواطئاً في سلب المال العام... وفي جعل لبنان هدفاً سهلاً للتنصت من جانب إسرائيل وسوريا وقبرص! فزوبعة محطة الإنترنت التي اكتُشفت في أعالي جبل الباروك واتُّهمت بالتعامل مع إسرائيل، لم تنته بعد، إذ تؤكد المعلومات أن الشركة، صاحبة المحطّة، لا تزال تعمل ولكن من منطقة أخرى من لبنان، كما تؤكد أن عدداً من شركات الإنترنت غير الشرعي تثار حولها شبهة التعامل نفسها، فيما البعض الآخر متصل كذلك بسوريا... كل هذه المعطيات تجعل سوق الإنترنت غير الشرعي في لبنان محط أنظار ومتابعة، وتطرح تساؤلات عن آلية عمل هذا القطاع والمحميات التي يدخل في كنفها لتجعله بعيداً عن أعين الجهات الأمنية وعصيّاً على التنظيم أو الملاحقة... فقطاع الإنترنت غير الشرعي، وفق المعنيين، يسيطر على حوالى 50% من سوق الإنترنت في لبنان، فيما هناك 15 شركة فقط مرخّصة وهي تتوزع بين شركات نقل للمعلومات وشركات توزيع لخدمة الإنترنت، وسطوة القطاع غير الشرعي لها أسبابها، إذ تبدأ الرواية بشركات صغيرة موجودة في جميع المناطق اللبنانية، غالباً ما يكون أصحابها محميّين من القوى السياسية المسيطرة على المنطقة، وغالباً ما تكون تحت أعين القوى الأمنية ولا تتعرض لأي مساءلة... وتكتب كلمات الرواية بآليات عمل تجعل من إمكان الحصول على السعات الدولية للإنترنت بطرق غير شرعية سهلة وبسيطة مقارنةً بالطرق الشرعية، لتنتهي الرواية بقطاع ضخم جداً يسلب من الدولة ملايين الدولارات شهرياً، ويلجأ إلى شتى الوسائل حتى لو أتاحت للدول المجاورة من إسرائيل وسوريا وقبرص التنصت على كل المعلومات الواردة والخارجة من لبنان!
إذ من المعروف أن السعات الدولية للإنترنت غير موجودة بوفرة في لبنان، وقد أُوجد حل تمثّل في توسعة الكابل البحري الذي يصل لبنان بالخارج للحصول على السعات، إلا أن المشروع لن ينتهي قبل مطلع عام 2011، وسعى وزير الاتصالات إلى زيادة عدد الخطوط المتاحة إلا أن أجهزة الوزارة وأوجيرو تعرقل توزيعها... وفي المقابل، يتنافس على سوق نقل وتوزيع الإنترنت الشرعي في لبنان أوجيرو من جهة، وعدد قليل من شركات القطاع الخاص التي تحصل على السعات الدولية من أوجيرو حصراً من جهة أخرى... وأوجيرو، التي يديرها عبد المنعم يوسف الذي يشغل في الوقت نفسه منصب إدارة مصلحة الاستثمار والتجهيز في وزارة الاتصالات، تستحوذ على السعات الدولية لتكبير سوقها، عبر حرمان القطاع الخاص هذه السعات، ما يجعل تأمين خدمة الإنترنت محدوداً، ويقوّي من جهة أخرى القطاع غير الشرعي الذي يحصل على السعات الدولية من خارج لبنان بأسعار أقل من مصادرها الشرعية وبوسائل سهلة جداً.
وينقسم القطاع غير الشرعي إلى جزءين، الأول هو الشركات غير المرخصة التي تحصل على سعات دولية بطريقة غير قانونية، وتعمل من دون الإفصاح عن أرباحها ولا تدفع أي مترتبات للدولة. أما الثاني، فهو شركات مرخصة، تعمل على زيادة زبائنها عبر استخدام الأساليب غير الشرعية في الحصول على السعات الدولية، وفي هذا الإطار يقول رئيس الهيئة الناظمة للاتصالات كمال شحادة لـ «الأخبار»، إنه «منذ حوالى شهرين قطع الكابل البحري الموصول إلى لبنان، إلا أن عدداً قليلاً جداً من المشتركين لاحظ هذا الانقطاع»، وهذا ما يشير إلى أنه حتى الشركات المرخصة العاملة في لبنان تستفيد من الفوضى القائمة، وتعمل بأساليب غير شرعية لزيادة قاعدة مشتركيها!
أوجيرو تقوم بالاستحواذ على السعات الدولية لتكبير سوقها، عبر حرمان القطاع الخاص

حتى الشركات المرخصة العاملة في لبنان تستفيد من الفوضى القائمة
أما الشركات غير المرخصة، فتتميّز بوجهين في آلية العمل غير الشرعي، الأول هو الحصول على السعات الدولية بطريقة غير شرعية: وذلك عبر شراء سعات من شركات خارجية والحصول عليها عبر الصحن اللاقط من خلال الأقمار الاصطناعية (وهذا الإجراء مكلف نسبياً)، أو من خلال شراء السعات من الشركات المرخصة العاملة في لبنان، التي تشكو هي نفسها من الشركات غير الشرعية!
أما المحور الثاني للعمل غير الشرعي، فيقوم على الحصول على سعات دولية غير شرعية، وهذه الطريقة سهلة جداً، إذ يجري تصويب الـ «مايكروويف» في لبنان نحو المراكز الوطنية للإنترنت الموجودة في الدول المحيطة بلبنان، أي إسرائيل وسوريا وقبرص، بحيث يجري التقاط السعات، وهكذا يحصل المشترك اللبناني على الإنترنت الذي يكون موصولاً مباشرة بمراكز الإنترنت (NODE) في الدول المجاورة، وهذه الدول قادرة على التجسس على كل ما يمر (TRAFIC) من لبنان إلى مركزها. وهنا تصبح الشركة غير شرعية لكونها غير مرخصة، وتحصل على سعات غير شرعية في الوقت ذاته، وتمنح الدول المحيطة سهولة التجسس على لبنان... وهذا ما قامت به محطة الإنترنت في الباروك. وتشرح المصادر، أن الحصول على السعات الدولية من إسرائيل هو الطريقة الأسهل، فيما تشوب هذه العملية مع سوريا بعض المشكلات المتعلقة بواقع البلد الأمني، أما قبرص، فهي تعدّ الأبعد جغرافياً، إلا أن الإمكانات التقنية المتطورة تسمح بالتقاط السعات.
وتلفت المصادر إلى أن هذه الشركات تحتاج إلى أماكن مرتفعة لتسهيل عملية التقاط السعات وتوزيعها، وتؤكد أن محطة الباروك لا تستطيع التقاط أكثر من 40 ميغا بيت، وفي الحالة القصوى 100 ميغا بيت (وهذا مستبعد)، وبالتالي فإن عدد مشتركيها هو حوالى 20 ألف مشترك يتوزّعون على عدد من المناطق. وتشدد المصادر على أن المتورطين في هذه المحطة محميون من أطراف في الموالاة وفي المعارضة، ومن أطراف تعتبر نفسها «وسطية»...
أما اللافت في هذا الملف، فهو ما ذكرته المصادر، ومن ثم أشارت إليه الأوساط العاملة في قطاع الإنترنت، في ما يتعلق بأن الشركة صاحبة المحطة المتصلة بإسرائيل لا تزال تعمل، وأن لديها ركناً آخر تحصل عبره على السعات وتوزعّها على المشتركين، إذ قال رئيس تجمع شركات نقل المعلومات وموزعي خدمة الإنترنت في لبنان ورئيس مجلس إدارة شركة «جي.دي.إس» حبيب طربيه، إنه في نيسان الماضي حين أُقفلت محطة الباروك، حدثت بلبلة كبيرة، وارتفع الطلب على الإنترنت بطريقة متسارعة، وذلك بسبب انقطاع الإنترنت عن المشتركين في محطة الباروك، إلا أن أياماً معدودة كانت فاصلة عن اختفاء هذه الظاهرة.
ويلفت حبيب طربيه، إلى أن حجم القطاع غير الشرعي في سوق الإنترنت وصل إلى ما بين 40 و50 في المئة، وهذا حجم هائل ما يستوجب تنظيم هذه السوق، وهذا لا يعني وضع المخالفين في السجون، ولكن هذه المطالب لم تلقَ أي تجاوب، وقد أحالت وزارة الاتصالات ملفات عديدة على القضاء إلا أنها لم تعالَج، لافتاً إلى أن الضجة التي أثيرت حول محطة الباروك سببها وجود العنصر الإسرائيلي لا أكثر، وعلى الهيئة الناظمة للاتصالات والوزارة إيجاد حل لهذه الفوضى. وكذلك يلفت رئيس شركة «سوديتل» باتريك فاراجيان إلى أن السوق غير الشرعية في الإنترنت تؤثر سلباً في عدد الزبائن. وبدوره يلفت فرحات إلى أن حوالى 40% من سوق الإنترنت في لبنان يعمل بطريقة غير شرعية. وهذا ما يؤثّر سلباً في سمعة خدمة الإنترنت لكون الشركات غير الشرعية تقدم خدمة رديئة، كما تخلق هذه الشركات منافسة غير مشروعة وغير متكافئة، لافتاً إلى أن كلفة السعات الدولية تمثّل حوالى 40% من مصاريف الشركات الخاصة، فيما الشركات غير الشرعية تحصل على هذه السعات بأسعار زهيدة، وتقدّم الخدمات بأسعار تنافسية، وهذا ما يشدّد عليه عماد طربيه، الذي يقدّر حصّة القطاع غير الشرعي بـ50 و60 % من السوق.
وتتوجّه أصابع الاتهام فوراً إلى وزارة الاتصالات والهيئة الناظمة للاتصالات والقضاء حين يطرح سؤال عمن هم المسؤولون عن الفوضى القائمة في القطاع، إلا أن وزير الاتصالات جبران باسيل، يشير إلى أنه أرسل عدداً من الملفات إلى القضاء ولم تتابَع، فيما تواجهه عراقيل داخل الوزارة بدعم من جهة سياسية نافذة تمنع توزيع خطوط التأجير الدولية (E1)... مشيراً إلى أنه تسلّم الوزارة ولم يكن هناك إلا 160 خطّاً، فقرر إضافة 1120 خطّاً جديداً، ولم ينجح حتى الآن بتوزيع أكثر من 380 خطّاً بسبب سلوك إداري متواطئ مع الشركات التي تقوم بأعمال غير شرعية بذريعة عدم وجود خطوط كافية لتأمين خدمات الإنترنت في لبنان... وفي هذا الصدد، تشير المعلومات، إلى أن رئيس هيئة «أوجيرو» ومديرها العام بالوكالة ومدير الصيانة والاستثمار في وزارة الاتصالات عبد المنعم يوسف، يتلقى طلبات التوسيع، إلا أنه لا يحوّلها إلى الوزير ولا يلبّي الطلبات، ويتصرف بالسعات وفق مصلحة أوجيرو حصراً، التي أصبحت تسيطر على أكثر من 73 في المئة من القطاع، رغم أن أوجيرو تعهدت في العقود المبرمة مع الشركات توزيع السعات بطريقة متساوية، ويلفت المصدر إلى أن أهداف يوسف أصبحت معروفة جداً، فهو يد رئيس حكومة تصريف الاعمال فؤاد السنيورة في قطاع الاتصالات، وهذا الأخير يسعى إلى تعيين يوسف في مجلس إدارة ليبان تيليكوم، وتوضح المصادر أن اسم يوسف تصدّر لائحة المطلوب تعيينهم في جلسة لمجلس الوزراء عقدت في آب عام 2007، التي تضمنت إضافةً إلى اسمه كلاً من ناجي أندراوس، وجيلبير نجار أو جان كلود جحا، وزياد شيا... إلا أن المفاجئ أن تعيين يوسف رفضته غالبية وزراء الأكثرية، فيما أصر السنيورة على تعيينه، وهكذا انتهت الجلسة من دون توافق، وبقي إنشاء ليبان تيليكوم معطلاً إلى يومنا هذا!
ومن جهة أخرى، تبرز قضية الهيئة الناظمة للاتصالات، إلا أن شحادة يقول «إن الهيئة لديها أولويات وإمكانات محدودة، فلتعطِ الدولة ووزارة الاتصالات الهيئة كل ما فرضه القانون في الموازنة من عام 2007 حتى عام 2009، ومن ثم فليحاسبونا إن لم نحلّ هذه المشكلة المزمنة»، لافتاً إلى أن «دور الهيئة هو وقف عمل الشركات التي تقدم خدمات غير مرخص لها والعمل مع الأجهزة كلها لتطبيق القانون، والهيئة تتابع جميع الأخبار الواردة عن هذه الشركات، وهناك ضباط جرى تكليفهم التواصل مع الهيئة في موضوع المداهمات، لكن المشكلة تحتاح إلى تنسيق على صعيد جميع أجهزة الدولة وإداراتها».


27 في المئة

هي نسبة مستخدمي الإنترنت في لبنان وفق تقرير الاتحاد الدولي للاتصالات، وقد جاء ترتيبه بعد إسرائيل والكويت. ويبلغ عدد مستخدمي الإنترنت في لبنان 950 ألفاً، أي 16,77% من عدد مستخدمي الإنترنت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.


منافسة غير عادلة... وفوضى