السيطرة على السوق عبر إنتاج سلع متشابهة بأسماء مختلفةمحمد وهبة
يتعرض المستهلك للخداع باستمرار تحت عنوان «سياسات التسويق»، فالشركات تريد الاستحواذ على أكبر حصّة ممكنة من السوق، تعزيزاً لأرباحها، ومنعاً لأي منافسة ممكنة أو لتسويق منتج فاشل، فتقوم بخدعة، تراها «مشروعة»، فتعيد إنتاج سلع عدّة من صنف واحد وتطرحها في السوق بأسماء تجارية مختلفة تتنافس تنافساً وهمياً في السوق، فيما الهدف الفعلي للشركة هو السيطرة على حصة واسعة من السوق واحتكارها.

الأسماء مختلفة والمصدر واحد

هذه التركيبة موجودة في الأسواق بمنتجات محليّة وعالميّة، وهي قائمة منذ سنوات من دون أن تثير انتباه المستهلك الذي غالباً ما يفاضل بين أنواع من الصنف نفسه في السوق، ويحاول أن يتفحّص مميزات كلّ منها من دون أن يعرف أن مصدر الإنتاج هو نفسه. وهناك شركات كبرى عالمية تقوم بهذا الأمر مثل «بروكتر أند غامبل» و«هنكل» و«نستله»... وينطبق هذا الأمر في لبنان على وكلائها الحصريين مثل «عُبجي» و«ترانسميد» و«فتال»... وهناك شركات محليّة تقوم بهذا الأمر مثل «قهوة نجّار» و«إنتربراند» و«ليبان جوس»... وينعكس هذا الأمر في مجالات عدّة من السلع ذات مصدر واحد مثل مواد التنظيف المنزلي والعناية بالشعر وغسل البشرة، وحتى معجون الأسنان وصولاً إلى المواد الغذائية...
وتقول مصادر مطلعة في السوق إن «بروكتر أند غامبل» الأميركية، تنتج ثلاثة أنواع مشهورة من الشامبو وتبيعها في العالم عبر وكيلها الحصري في لبنان وهي: «Herbal essence»، «Head & shoulders» و«Pantene»، ومستحضرات للعناية بالمنزل مثل: «Bounty» ، «Mr.Clean»، ومنتجات أخرى لمساحيق الغسيل مثل: «Ariel»، «Tide». وتبيع أيضاً صابون: «Camay» و «Zest». وأيضاً تبيع نوعين من معجون الأسنان: «Crest» و«Oral-B». وينسحب الأمر على منافسها شركة «هنكل» الألمانية عبر وكيلها الحصري في لبنان، فتنتج أصنافاً متشابهة من مساحيق التنظيف والغسيل مثل: «Persil» و«Nice»... ويتردد بين أوساط المطلعين أن إنتاج «Ariel» و«Persil» المعدّ خصيصاً للاستهلاك في منطقة الشرق الأوسط هو في مصنع واحد في دولة عربية، هي مصر، ويستورده عدد من الأشخاص على شكل بودرة ويعلّب ويغلّف في مستودعات الوكلاء في لبنان.
هل يعلم المستهلك مثلاً أن «Ariel» و«Bonux» و«Tide» مصنّعها واحد؟
وفي مجال المنتجات الغذائية، هناك شركة نستله التي تبيع منتجين متنافسين من الحليب البودرة في الأسواق: «Nido»، و«Klim»، لتُبعد عنها شبح منافسة «Tatra» والاستحواذ على حصّة أكبر من السوق. ومن الأمثلة البارزة أيضاً، أن في أوروبا معملين لتصنيع أفران الغاز والبرادات فقط، فيما الأسماء التجارية الموجودة في هذه السوق تتجاوز العشرة، والمعروف محلياً أن منتجات شركة «مايتاغ» الأجنبية هي نفسها أصناف شركة «كونكورد» في لبنان، لكن بفارق بسيط، هو أن القالب، أو الشكل، محلّي الصنع. محلياً، استخدمت بعض الشركات والمصانع هذه الخدعة التسويقية لإبعاد المنافسين أيضاً وزيادة المبيعات، فتمكّن صاحب «قهوة نجار» من إنتاج أكثر من اسم تجاري للقهوة تتنافس في السوق من دون أن يعرف المستهلك أن مصدرها واحد، مثل «ستار كافيه»، «بيروت بلاند»، «كافيه نجار». أما شركة «إنتربراند» فتُنتج ثلاثة أنواع متشابهة من العصير: «بونجوس»، «ليبيز» و«إكسترا»، وهذه حال شركة «ليبان جوس» التي تُنتج نوعين متشابهين من العصير هما: «ماكاو» و«ليبان جوس».
ويعمد الوكلاء الحصريون إلى الطريقة نفسها بهدف الوصول إلى الشرائح الاستهلاكية كافة، فهم يسوّقون أصنافاً تحمل أسماء تجارية مختلفة تتنافس تنافساً وهمياً في السوق، فـ«عُبجي»، مثلاً، يبيع بطاريات: «Eveready» و«Energizer». و«فتال» يبيع أربعة أنواع من العلكة مصدرها شركة «كادبوري»: «ستيمورول»، «ديرول»، «شيكلتس»، و«دانتين»، فضلاً عن أنه يملك وكالتين لبيع الدخان هما: «ألتاديس» التي تنتج جيتان وغلواز وبريليانت... والثانية شركة «دافيدوف».

تسويق أم خداع؟

لا يتفق الجميع على تسمية هذا النوع من التسويق «خداعاً» فيراه البعض من «نتاج طبيعة السوق الرأسمالية» أو أنه مجرد «سياسات تسويقية متبعة في العالم». لكن الأكيد، بحسب الدكتور في علوم التسويق طوني كرم، أن هناك أكثر من سبب لهذا الأمر، ففي بعض الحالات تبيّن أن السلعة لم تعد مرغوبة من المستهلك، فتضطر الشركة المنتجة إلى تغيير الاسم التجاري لتعيد طرحها في السوق، كذلك يمكن أن تسعى الشركات إلى الاستحواذ على حصص أكبر في السوق فتُنتج بعض السلع بأسماء مختلفة. إلا أن هدف هذه «الخدعة التسويقية» يظهر بوضوح في حالات أخرى تشير إلى وجود أكثر من اسم لصنف واحد لكن بمقادير إنتاج مختلفة تتناسب مع الطبقات الاجتماعية، فيُنتَج مسحوق غسيل تتمكن الطبقة الفقيرة من تحمّل كلفته، ومسحوق آخر من الصنف نفسه لطبقة مختلفة، والهدف في هذه الحالة أن لا تخسر الشركة أي شرائح من المستهلكين.
غير أن الخبراء يشيرون إلى أن المستهلك يخسر جودة المنتج، فضلاً عن أن إعادة إنتاج السلعة باسم جديد تهدف إلى إجبار المستهلك على شرائها عبر الالتفاف على أسباب رفضه لها بشتى الوسائل الممكنة. فالشركات المصنّعة تتعمد عدم ذكر مصدر الإنتاج بوضوح على الغلاف الخارجي، فتشير إليه بخطّ صغير جداً، في مكان غير واضح لا يثير انتباه المستهلك. فضلاً عن أن المنتجات التي يكون مصدرها خارجياً لا يمكن اكتشاف منشئها الفعلي بسهولة، فالشركات الكبرى باتت تطلب من أي مصنع تتعامل معه في بلد تعدّه منخفض الكلفة، إنتاج سلعة ما وإعدادها للتصدير إلى أي منطقة في العالم وفقاً لمواصفات محددة، وبالأسماء التجارية المتفق عليها. وبالتالي تصعب معرفة المُنتج ويسهل خداع المستهلك لأنه لن يعرف الفرق بين مصدر إنتاج السلع التي تحمل أسماء تجارية مختلفة، لا بل إن المستهلك يعتقد أن هناك منافسة قوية بين سلع ذات مصدر واحد بسبب وجود عروض وتنزيلات لكل اسم تجاري.


2.9 مليار دولار

هي قيمة الإنفاق المقدّرة عبر قنوات استهلاكية مثل السوبرماركت وميني ماركت ودكاكين تعدّ كبيرة نسبياً، وذلك بحسب تقديرات لشركات خاصة معنية بمبيعات التجزئة. وتشير هذه التقديرات إلى أن الإنفاق على المواد الغذائية بلغ في 2007 نحو 4.4 مليارات دولار


تعدديّة «صحيّة»