ارتفاع ودائع القطاع لدى مصرف لبنان بنسبة 25.8% في النصف الأوّلربما كان تدفّق الأموال إلى القطاع المصرفي اللبناني من جانب المغتربين أو الخليجيّين قد استمرّ بوتيرة ثابتة خلال النصف الأوّل من العام الجاري مقارنة بعام 2008، غير أنّ نموّ الودائع الذي ينتج منه يستمرّ بتكريس الوظيفة التقليديّة للبنوك في لبنان، وهي إقراض الدولة أساساً، والدورة الاستهلاكيّة جزئياً، بعيداً عن القطاعات الإنتاجيّة الحقيقيّة.
ففي تدبير كان من شأنه الالتفاف على إقراض المصارف التجاريّة مباشرة للحكومة، زادت تلك المصارف «استثمار» أموالها لدى المصرف المركزي عبر شهادات الإيداع، واهتمّ الأخير باستخدام «فائض السيولة» الذي اجتاح لبنان لإقراض الدولة، لترتفع حصّته من الدين العام إلى حوالى 25.4%.
وبحسب النشرة الشهريّة التي أصدرتها جمعيّة المصارف أخيراً، ارتفعت الموجودات/ المطلوبات الإجماليّة والمجمّعة لدى المصارف التجاريّة بنسبة 9.9% في النصف الأوّل من العام الجاري مقارنة بالفترة نفسها من عام 2008، لتبلغ 156207 مليار ليرة (103.6 مليارات دولار).
ووفقاً لتقرير أعدّته الجمعية «تبقى الودائع الإجماليّة لدى المصارف التجارية، التي تضمّ ودائع القطاع الخاص المقيم وغير المقيم وودائع القطاع العام، المصدر الأساسي لموارد المصارف»، فقد وصلت قيمة تلك الودائع إلى 86.8 مليار دولار ممثّلةً 83.7% من إجمالي الميزانيّة المجمّعة بحلول حزيران الماضي. وهنا يلفت التقرير إلى أنّ «اعتماد المصارف على الودائع في الأساس مصدراً للأموال لا على أسواق الائتمان هو أحد أبرز العوامل التي أدّت إلى تجنّب تداعيات الأزمة الماليّة العالميّة».
وبلغت نسبة نموّ تلك الودائع في الأشهر الستة الأولى من العام الجاري 10.2% بالمقارنة مع الفترة نفسها في العام الماضي، و20.6% على أساس سنوي. وفي هذا الصدد يتحدّث التقرير عن مخالفة نمط تطوّر حجم الودائع والتحويلات من خارج التوقّعات السابقة، إذ كانت هذه التوقّعات ترجّح حصول تراجع في قيمة الأموال الوافدة إلى لبنان بسبب الركود العالمي وانحسار السيولة في منطقة الخليج وسائر البلدان.
وهكذا يبدو أنّ «المخاوف من تباطؤ نموّ الودائع، وتحديداً تلك المتأتّية من الخارج، تراجعت» وفقاً للتقرير المصرفي، فالتراجع كان «سيصعّب تمويل العجز والدين العام».
وفي التفصيل، استمرّ دخول الودائع إلى لبنان بقوّة، وسُجّلت تحويلات مهمّة في النصف الأوّل من عام 2009 فاقت قيمتها 4 مليارات دولار مقارنة مع 8 مليارات دولار مسجّلة في عام 2008 بمجمله. وسبب تلك التحويلات هو السعي «للاستفادة من فارق معدّلات الفائدة بين الليرة والدولار في سوق بيروت».
وتجدر الإشارة إلى أنّ معدّل دولرة القطاع الخاص المقيم وغير المقيم انخفض على نحو ملحوظ ليصل إلى 67% في مقابل 69.6% في نهاية العام الماضي.
أمّا في ما يتعلّق بتوظيفات المصارف، فهي بقيت محصورة بين الهوامش التقليديّة، حيث تُظهر نشرة جمعيّة المصارف «استمرار ارتفاع حصّة الودائع لدى مصرف لبنان من إجمالي الموجودات وتراجع كلّ من حصّة التسليفات للقطاع العام أو التسليفات للقطاع الخاص مقابل شبه استقرار حصّة الموجودات الخارجيّة بشكل ودائع لدى المصارف المراسلة».
كذلك يبرز ارتفاع قيمة التوظيفات السياديّة للمصارف التجارية، ما يزيد «التعرّض للمخاطر المرتبطة». ففي نهاية النصف الأوّل من العام الجاري، بلغت نسبة ارتفاع حصّة تسليفات المصارف للقطاع العام وودائعها لدى المصرف المركزي 55.6% من مجمل توظيفاتها في مقابل 54.3% بنهاية عام 2008. وفي هذا السياق يؤكّد التقرير أنّ استثمار المصارف في الدين العام وشهادات الإيداع لدى المصرف المركزي هو ما دفعها إلى تجنّب الاستثمار في الأدوات الماليّة الخطرة، وبالتالي عدم التعرّض لتداعيات الأزمة الماليّة العالميّة.
وفي ما يتعلّق بـ«الصمود» أيضاً، يذكر التقرير أنّ السلطات الرقابيّة أجرت أخيراً اختبارات لتبيّن مدى قدرة المصارف على تحمّل الضغوط (Stress Tests) وتبيّن أنّ المصارف قادرة على استيعاب سهل للديون المشكوك بتحصيلها بنسبة 50%.
لكن «التطوّر الأبرز» الذي يضيء عليه التقرير يتمثّل بارتفاع ودائع القطاع المصرفي لدى مصرف لبنان بنسبة 25.8% إلى 48799 مليار ليرة في مقابل نسبة نموّ بلغت 12% في الفترة نفسها من العام الماضي و31% في عام 2008 بمجمله. وهذا التطوّر «ارتبط على نحو خاص بإصدار المصرف المركزي شهادات الإيداع بالليرة لامتصاص السيولة الكبيرة».
(الأخبار)


مطلوبات المصارف التجارية كما في نهاية الفترة
(مليارات الليرات ونسب مئوية)