Strong>إقرار موازنة تشغيلية تمهيداً لنقل إدارته إلى وزارة الصحةالمستشفى الوحيد الذي يديره الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي استكمل مرحلة الانهيار، فمستشفى البترون الذي لا يهدف إلى تحقيق الربح، وقع في عجز متراكم وصل هذا العام إلى 12 مليون ليرة، وقرار مجلس إدارة الضمان بنقل إدارته إلى وزارة الصحة لم يُتَراجَع عنه، فيما ينتظر 320 موظفاً وطبيباً في المستشفى تنفيذ الحكم

رشا أبو زكي
أعلن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الأسبوع الماضي أن أعضاء مجلس إدارته (ممثلي العمال، وأصحاب العمل، والدولة) صوتوا بالإجماع على نقل مستشفى البترون من إدارة الضمان إلى إدارة وزارة الصحة... وبعد أيام، بدأت الأطراف التي صوتت لنقل المستشفى، وخصوصاً ممثلي العمال، إعلان مواقف متناقضة تستنكر نقل المستشفى إلى إدارة وزارة الصحة! فيما حاول النائبان عن البترون بطرس حرب وأنطوان زهرا بعثرة قرار الضمان الذي لم يتطرق إلى إقفال المستشفى، فقال حرب في تصريحات له: «لا قرار بإغلاق المستشفى»، ومن ثم ألحقه بتصريح قال فيه: «لا يمكن أن يتوقف مرفق صحي بأهمية مستشفى البترون عن العمل، مهما كان قرار الضمان الاجتماعي»! وفي ظل هذا الواقع، يعيش حوالى 320 عاملاً في المستشفى حالة ترقب مستمرة، وتتفق الآراء على أن انهيار المستشفى سببه الفساد، لتتخبط بين التعويل على السنوات المقبلة لتطوير عمل المستشفى في ظل إدارة الضمان من جهة، وعدم استكمال المخاطرة بأموال المضمونين التي تموّل استمرارية المستشفى من جهة أخرى.
فما هي قصة مستشفى البترون؟ وهل سيُغلَق فعلاً؟
استثمر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مستشفى البترون منذ عام 1974. هو المستشفى الذي يُعَدّ فيه الضمان رب العمل بخلاف المستشفيات الأخرى التي تتعاقد مع الضمان. أما الهدف، فجعل المستشفى مختبراً للعناية الطبية والاستشفائية من دون توخي الربح المالي لتقديم أفضل العناية الصحية بأدنى كلفة. وكان الهدف الثاني بحسب ممثل الدولة في مجلس إدارة الضمان رفيق سلامة، هو اعتبار المستشفى مركزاً لدراسة كلفة الأعمال الطبية، وذلك لكي يحيط الضمان بكلفة الأعمال الطبية والاستشفائية، ويطرح التعرفات والتسعيرات وفق تجربة مستشفى البترون القائمة، أما الهدف الثالث فهو استثماري وهو يتوافق مع قانون الضمان الذي يجيز للصندوق الحصول على رخصة لتشغيل مستشفى وإدارتها كالقطاع الخاص. إلا أن سلامة يشير إلى أن هذين الهدفين لم يتحققا ولم تُجرَ دراسة عن كلفة الأعمال الطبية منذ 35 عامة. ويضيف ممثل العمال في مجلس إدارة الضمان، جهاد المعلم، أن العديد من المشكلات اعترضت عمل المستشفى، بحيث حصلت ضغوط في التوظيف، ومعظمها كان سياسياً، فأصبح هنالك فائض كبير في فريق العمل في المستشفى، إضافة إلى عدم وجود قوانين تلزم المضمونين بالاستشفاء في المستشفى، كما يحدث في المستشفى العسكري. كذلك أصبح عدد من الأطباء يستخدمون المستشفى مصيدةً للزبائن، بحيث يقومون بنقلهم إلى مستشفيات أخرى أو إلى عياداتهم. ودخلت الصراعات السياسية على خط التوظيفات والأطباء العاملين، «ولم يكن باستطاعة الضمان توجيه، ولو إنذاراً للموظفين أو الأطباء، بسبب الحمايات السياسية القائمة». ومع تقدم السنوات، أصبحت تجهيزات المستشفى بحاجة إلى التحديث. ويشير سلامة، إلى أن الضمان صرف ملايين الليرات (حين كان لليرة قيمة) لتطوير المعدات وشراء تجهيزات حديثة، «إلا أن ذلك لم يجد نفعاً، إذ حصل تزوير في عملية شراء الآلات، التي كان تُشتَرى مستعمَلة من مستشفى أوتيل ديو لتسجَّل على الضمان بوصفها معدات جديدة»!
واستمر حال المستشفى يزداد تدهوراً، فطرح مجلس إدارة الضمان، بحسب ممثل العمال في مجلس إدارة الضمان بطرس سعادة، قرار إعادة ادارة المستشفى إلى وزارة الصحة في عام 2004، إلا أنه اقترن بشرط إلغاء هذا القرار إذا تحسن وضع المستشفى، إلا أن الوعود المتراكمة لتحسين المستشفى وتطويره لم تُنَفَّذ، فيما يقع المستشفى تحت سلطة وصاية مدير المستشفى والهيئة الإدارية، والمدير العام للضمان، واللجنة الفنية في الضمان ومجلس إدارة الضمان، وسلطة الوصاية الممثلة بالمدير العام للضمان، ما يصعّب كثيراً اتخاذ القرارات. ويشير إلى أن المستشفى دخل في دائرة العجز المتراكم منذ أكثر من 10 سنوات... إلى أن حقق مستشفى البترون هذا العام عجزاً بقيمة ملياري ليرة، ليصبح حجم العجز المتراكم 12 مليار ليرة.
ويشرح سعادة قائلاً إن مجلس إدارة الضمان طرح موضوع صرف موازنة مستشفى البترون على التصويت الأسبوع الماضي، فنال موافقة 8 أصوات (بينهم 6 ممثلين للعمال)، من أصل 21 عضواً حضروا الجلسة، وبالتالي صوّت معظم الأعضاء على عدم صرف ميزانية للمستشفى، ومن ثم طرح على التصويت موضوع نقل إدارة المستشفى من الضمان إلى وزارة الصحة، فنال هذا الطرح إجماع الأعضاء، وبالتالي حُدِّد موعد نهاية العام الحالي لنقل المستشفى إلى إدارة وزارة الصحة، لافتاً إلى أن المجلس المقبل سيعيد طرح موضوع توفير موازنة تشغيلية للمستشفى في جلسة خاصة، وذلك لضمان رواتب العاملين في المستشفى إلى حين نقل إدارتها.
لا يرى المعلم، على الرغم من تصويته على قرار نقل المستشفى إلى إدارة وزارة الصحة، أن هذا الحل سيكون كافياً، إذ يرى أنّ من الأفضل العمل على تطوير المستشفى وعدم الاستسلام، تمهيداً لتعميم تجربة إدارة الضمان للمستشفيات على أكبر عدد من المناطق اللبنانية، مشيراً إلى أن الضمان يسيّر جميع المستشفيات في لبنان، فلماذا سيعجز عن إنجاح تجربة مستشفى البترون؟ إلا أنه يشدد على أن استمرار المستشفى في مسيرة العجز القائمة، هو نزف لأموال المضمونين، ولا يمكن الاستمرار على هذا المنوال، وخصوصاً وسط وقوع الضمان نفسه في عجز كبير، موضحاً أنه مع بقاء المستشفى تحت إدارة الضمان، لكن مع إيجاد أنظمة لضمان التوازن المالي وتوفير إمكانات لتطوير عمل المستشفى، إضافة إلى العمل على تعديل النظام الطبي، لإلزام المضمونين بالذهاب إلى المستشفى بعد تطويره وتحسين خدماته. ويقول مستغرباً: «أكبر جهة ضامنة في لبنان لا تستطيع إدارة مستشفى، هذا أكبر عيب»! وكذلك، يشير سلامة، إلى أن أموال الضمان ليست عامة، بل أموال المضمونين، وبالتالي فهو لا يستطيع تمويل مستشفى يخسر بسبب إدارته السيئة، لافتاً إلى أنه سيُعوَّض على الموظفين الفائضين عن حاجة المستشفى، وستُبقي وزارة الصحة الباقين، موضحاً أن التعويضات ستصرف بعد تصفية المستشفى، بحيث تعمل لجنة على تخمين الموجودات، لتدفع وزارة الصحة قيمتها.


320 عاملاً في المستشفى

بينهم 150 طبيباً و170 موظفاً، ويشير المعلم إلى أن تزايد عدد العاملين يعود الى أنه «كلما جاء وزير أو نائب من المنطقة، يُدخل إلى المستشفى عدداً من المحسوبين عليه»، موضحاً أن فريق العمل في المستشفى يعمل بـ35% من طاقته فقط


محاسبة المسؤولين عن الهدر