مع فرض اللباس الشرعي على المحاميات، تكون حكومة «حماس» قد أخذت الخطوة العلنيّة الأولى التي تشير إلى محاولتها تحويل قطاع غزّة إلى «إمارة إسلامية». على الأقل هذا ما تظهره مجموعة كبيرة من الخطوات والإجراءات السرية المواكبة، ستخرج إلى العلن في الأيام والشهور المقبلة، وتفيد بأن «حماس» تسير في طريق فرض حكم الشريعة الإسلاميّة و«أسلمة غزّة»، تحت عناوين «نشر الفضيلة» و«مكافحة الرذيلة»
غزة ــ رائد لافي
عندما يحار عريس في البحث عن حذاء بمقاس قدميه، ويضطر للتعاطي مع أحذية صينية رديئة مهربة عبر الأنفاق، يكون الحديث في الموضة عبثاً في غزة. وعندما يكون انقطاع الكهرباء قاعدة يومية وحضورها استثناء، وعندما تكون خدمة الإنترنت على درجة غير معقولة من السوء والبطء، يكون من المضحك والعبث العمل على «فلترة» المواقع الإباحية في زمن الفضاء المفتوح ومئات القنوات الفضائية التي تُبَثّ على مدار الساعة.
هل بدأت «حماس» خطة متدرجة لـ«أسلمة غزة»؟ سؤال يتردد على ألسنة «الغزيين» الذين يشهدون إجراءات متلاحقة من الحكومة المقالة، التي تقودها الحركة الإسلامية، تصبّ كلها في اتجاه الوصول إلى مجتمع إسلامي في غزة، التي يعتمد نحو مليون فلسطيني من أصل مليون ونصف مليون من سكانها على «كوبونات» المساعدات الإغاثية، في ظل تفشي الفقر والبطالة.
إجراءات حكومة «حماس» تدفع بالمجتمع الغزي نحو «الأسلمة»، وقد لاقت تأييداً كبيراً في أوساط «الحمساويين»، وحتى أنصار جماعات إسلامية صغيرة متشددة دأبت على انتقاد الحركة الإسلامية لعدم تطبيقها أحكام الشريعة الإسلامية بدلاً من القوانين الوضعية.
حكومة «حماس» نفت، على لسان المتحدث باسمها طاهر النونو، اتخاذ «أي قرار جديد مخالف لما هو موجود من قوانين، أو تعليمات جديدة غير موجودة في القانون في هذا المجال». نفي لا ينسجم مع إعلان رئيس الحكومة إسماعيل هنية، في خطبة الجمعة الماضي، أن «المجلس التشريعي (كتلة «حماس» البرلمانية في غزة) أقرّ قوانين جديدة من للحفاظ على الصورة الجمالية لشعبنا وحماية الآداب والقيم والأخلاق وعدم الخروج عن قواعد السلوك السويّ».
وفيما أكد هنية أن «لا مساس بحرية الناس والفرد والبيت والأسرة»، دعا سكان غزة إلى التزام هذه القوانين التي تهدف إلى حماية الآداب العامة، مشدداً على أن «الحكومة ملتزمة حماية الناس وستلتزم تطبيق القوانين الصادرة عن المجلس التشريعي».
‏حركة «حماس» وحكومتها المقالة دأبتا منذ إحكام السيطرة على غزة إلى نفي تهم «أسلمة غزة» والسعي إلى إقامة «إمارة إسلامية»، لكن هذا لم يعد سراً اليوم، بل أصبح أمراً يُتَداوَل في اللقاءات والاجتماعات وورش العمل.

محاميات محجبات


وزارة العدل أعدت «لائحة الآداب العامة» لـ«ترسيخ دعائم الأخلاق»

شرطة لمراقبة مخالفات الشاطئ وشبان يجوبون السوق لتمزيق صور «العارضات العاريات
قبل أيام، عقدت وزارة العدل ورشة عمل لمناقشة آليات تطبيق «لائحة الآداب العامة»، التي أقرها مجلس الوزراء المقال في 9 حزيران الماضي، وشارك في هذه الورشة وزارتا «الأوقاف» و«الداخلية» والنيابة العسكرية والمدنية وجهازا القضاء والشرطة.
اللائحة المشار إليها في الورشة غير معلنة، ولم تُنشَر من قبل لتعريف الغزيين بمحتواها، ولم يكن الحصول عليها ممكناً، لكن المشاركين في الورشة قالوا إنها «تحمل معاني عظيمة لترسيخ دعائم الأخلاق الفاضلة والقضاء على مواطن الفساد التي تضعف المجتمعات وتهدمها». وأضافوا أنهم بحثوا في الآليات والأساليب التي من شأنها تسهيل تطبيق اللائحة والمحافظة على النظام العام والآداب في المجتمع لنشر الفضيلة وتقوية الجبهة الداخلية للمجتمع الفلسطيني.
وخرج المشاركون بعدد من الاقتراحات والتوصيات، أهمها استخدام التدرج في تطبيق بنود اللائحة، ابتداءً من «نشر ثقافة الفضيلة في المجتمع الفلسطيني عبر الوسائل الإعلامية المختلفة والمتنوعة»، مع تأكيد «الحكمة والموعظة الحسنة شعاراً لتطبيق هذه اللائحة».
وبدا المشاركون حرصاء على تجنب الصدام مع القانونيين والحقوقيين والجهات المتخصصة، بتأكيد حرصهم على «ضرورة إيجاد دائرة متخصصة مهمتها الإشراف على ضباط ورجال الأمن وتوعيتهم في ما يتعلق بتنفيذ بنود اللائحة بطريقة حضارية حكيمة لا تتعارض مع مواد القانون الأساسي».
لكن الصدام وقع عقب قرار يقضي بفرض الزي الشرعي «غطاء الرأس والجلباب» على المحاميات لدى ترافعهن أمام المحاكم في غزة، ما عدّته نقابة المحامين مسّاً بحرية المحاميات.
وقضى القرار الصادر عن «مجلس العدل الأعلى»، الذي أنشأته حكومة «حماس» جسماً قضائياً بديلاً لمجلس القضاء الأعلى في السلطة الفلسطينية عقب أزمة القضاء بين غزة ورام الله واستنكاف القضاة عن العمل، «بإلزام المحاميات ارتداء الجلباب وكسوة من القماش الأسود (عباءة المحامين المعروفة بالروب) وغطاء الرأس (المنديل)».
ودافع رئيس «مجلس العدل الأعلى»، عبد الرؤوف الحلبي، عن القرار المفترض تطبيقه مطلع شهر أيلول المقبل. وقال: «إن القرار جاء لتنظيم أوضاع العمل في السلطة القضائية وإظهار المحامين بمظهر لائق في المحاكم». وأضاف: «مثلما قامت الحكومة (المقالة) بمنع التدخين في المؤسسات الحكومية، ننظّم نحن الكسوة القضائية»، مشدداً على «تمسكه باتخاذ ما يلزم من لتنفيذ هذا القرار والنظر في ملف كل محامية ستمتنع عن التزام تنفيذه».
غير أن رئيس مجلس القضاء الأعلى في الضفة الغربية، عيسى أبو شرار، وجد القرار «مخالفاً للقانون، وليس هناك ما يلزم المحاميات ارتداء الجلباب، إذ إن المحامية مطالبة لدى وقوفها أمام المحاكم بارتداء العباءة «الروب»، شأنها بذلك شأن زملائها المحامين الذكور، وبالتالي فالقرار يتعارض مع القانون الأساسي ويمس بالحرية الشخصية».
وإذا كان فرض الحجاب على المحاميات قد صدر في قرار رسمي مكتوب، فإنه يُلَحّ على فرضه بالحثّ الشفهي على موظفات في القطاع الحكومي، وطالبات المرحلة الثانوية.
وقالت موظفة، رفضت ذكر اسمها خشية على وظيفتها «إنها تواجه ضغطاً شفهياً متكرراً من رؤسائها وزملائها الحمساويين في العمل لدفعها إلى ارتداء الحجاب والزي الشرعي». وأضافت أنها «نالت الوظيفة لكفاءتها، وقُبلت رسمياً ولم تكن ترتدي الحجاب والجلباب، وليس لأحد الحق في دفعها لتغيير اقتناعها والتدخل في حريتها الشخصية»، لكنها لم تستبعد في الوقت نفسه ارتداء الزي الشرعي «إذا كان ثمن الرفض فقدان الوظيفة». وقالت طالبات في المرحلة الثانوية إن مشرفين ومفتشين يتبعون لوزارة التربية والتعليم في الحكومة المقالة لمّحوا في نهاية السنة الدراسية إلى احتمال فرض الزي الشرعي (الجلباب والحجاب) عليهن ابتداءً من الموسم الجديد بدلاً من الزي التقليدي (القميص الأبيض والتنورة الزرقاء الداكنة).

ماذا تعني حملة «نعم للفضيلة»؟

تبدو المرأة واستخدامات التكنولوجيا محور حملة «نعم الفضيلة» التي أطلقتها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في غزة قبل بضعة أسابيع، وهدفها المعلن، بحسب المدير العام للإدارة العامة للوعظ والإرشاد في الوزارة يوسف فرحات، «القضاء على المظاهرة غير الأخلاقية في غزة». وقال إن «الفكرة تولدت عقب توصية وزارة الداخلية إلى مجلس الوزراء بوجود بعض مظاهر الفساد في المرافق العامة، والسهرات الليلية المختلطة، وانتشار ظاهرة الكوفي شوب المغلق، والإنترنت غير المراقب التي يتداول فيها الشباب المقاطع الإباحية، وتداول حبوب الترامال (المخدرة)، والعلكة المثيرة للجنس بين الشباب، والاختلاط في الجامعات، ووجود بعض مظاهر الانحلال الأخلاقي في بعض المواقع، واللباس الفاضح في الأماكن العامة وشواطئ البحر».
ورأى فرحات في الملابس النسائية المعروضة على «المانيكان» «(تماثيل العرض الأنثوية) في واجهات المحال التجارية، وفي صور العارضات على عبوات الملابس الداخلية، «مظاهر فاضحة تسعى الحملة إلى القضاء عليها». وأكد أن مجلس الوزراء اعتمد توصيات وباتت بمثابة «صيغة قانون يراقب ويحاسب كل المتجاوزين»، «للحد من هذه الظواهر ومحاصرتها»، بواسطة الشرطة التي ستنفّذ هذا القانون على الأرض بالتعاون مع كل الجهات.
واستعانت «الأوقاف» للترويج لحملتها بوسائل الإعلام ومئات الملصقات التوضيحية التي تحثّ على الفضيلة ونبذ الرذيلة، وتوزيع الأشرطة والكتيبات الدعوية على سائقي السيارات العمومية، إضافة إلى إقامة الأسابيع الدعوية والتثقيفية في المساجد لحثّ أولياء الأمور على مراقبة أبنائهم.
هذه الحملة، كما يؤكد فرحات والقائمون على تنفيذها، تعتمد شعار الدعوة والهداية «بالحكمة والموعظة الحسنة دون إجبار أو إكراه». لكن هذا الشعار وجد من لا يحترمه من المنفذين للحملة في الميدان.
أسماء الغول، صحافية فلسطينية لا تخفي تحررها واعتدادها بما تصفه بـ«السلام الداخلي والتصالح مع الذات»، كادت أن تتعرض للاعتقال من رجال شرطة يرتدون زياً مدنياً، بينما كانت برفقة صديقتها مي البيومي وشقيقها عبد العزيز البيومي وابن عمتها نعيم جودة وصديقهم أدهم خليل، يستجمّون على شاطئ بحر السودانية شمال غزة قبل أسابيع.
أسماء لا تتحدث حالياً عمّا تعرضت له هي وأصدقاؤها، وباتت أكثر التزاماً بالبيت من ذي قبل إثر ما وصفتها بـ«تهديدات غير رسمية بقتلي».
تفاصيل ما تعرضت له أسماء وأصدقاؤها تشير إلى انتهاك شعار «الحكمة والموعظة الحسنة». وبحسب ما نشرته أسماء قبل امتناعها عن الكلام في الحادثة، فإن رجال الشرطة سحبوا جواز سفرها ووجهوا لها تهماً مضحكة مثل: «الضحك بصوت عالٍ أثناء السباحة مع صديقتها، وعدم ارتداء الزي الشرعي». ولمّحوا إلى تهمة ثالثة بسؤالها عن عدم وجود أسرتها بصحبتها على الشاطئ في إشارة إلى عدم وجود «محرم».
واستهجنت أسماء هذه التهم، وقالت إنها تعي «خصوصية» غزة ولم تكن ترتدي لباس البحر «المايوه»، بل بنطالاً وبلوزة، ووجودها على البحر وفي مكان عام لا يستدعي وجود «محرم»، مشيرةً إلى أن «رصد رجال الشرطة ومراقبتهم، وإن كانوا بالزي المدني، للمصطافين على الشواطئ يخالف المادة الـ11 من القانون الأساسي الفلسطيني، التي تحثّ على احترام الحريات الشخصية».
وفي وقت نجحت فيه وساطة النونو لدى رجال الشرطة في منع اعتقال أسماء وصديقتها مي، فإن عبد العزيز ونعيم وأدهم اعتقلوا لنحو ثلاث ساعات، «تعرضوا خلالها للتحقيق والضرب في مركز شرطة الشاطئ»، بحسب أسماء، التي أعربت عن دهشتها من أن الشرطة تحمي الفنادق الفخمة التي ترتادها نساء يرتدين «الميني جوب»، بينما تترصد «عوام الناس على الشواطئ الشعبية والرخيصة، وتمنعهم من حقوقهم الشخصية»، مستشهدة بحوادث زجر شباب في عمر المراهقة يسبحون من دون تغطية الجزء العلوي من أجسادهم.
ويتداول «الغزيون» حكايات، لم يكن بالإمكان تأكيدها، عن شبان، يبدو أنهم من القائمين على تنفيذ حملة «نعم للفضيلة»، يجوبون الأسواق ويراقبون محالّ بيع الملابس النسائية تحديداً، ينتهج بعضهم «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان»، كحثّ البائعين على عدم استخدام «المانيكان» على هيئة الأنثى لعرض الملابس النسائية، وعدم عرض الملابس الداخلية في واجهات العرض، بينما ينتهج آخرون «التغيير باليد»، فيلبسون «المانيكان» أكياساً سوداء في الرأس، ويمزقون صور العارضات «العاريات» عن مغلفات الملابس النسائية الداخلية.

للتكنولوجيا نصيب من «الفضيلة»!

يشكو سكان غزة بطء خدمة الإنترنت، ويربطون سوء الخدمة بجهاز «الفلترة» الذي فرضته وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لحجب المواقع الإباحية قبل نحو عام.
وكان هذا الجهاز قد أثار جدلاً واتهامات متبادلة بين الوزارة من جهة وشركة الاتصالات الفلسطينية، التي تحتكر خدمة الاتصالات الهاتفية والخلوية والإنترنت من جهة ثانية.
وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، يوسف المنسي، نفى في حينه علاقة الوزارة وجهاز الفلترة بسوء خدمات الإنترنت. إلا أن عدداً من المشتركين يرى أن تعاطي وزارة الاتصالات مع طلبات شخصيات وصحافيين لاستثناء خدمة الإنترنت الخاصة بهم من «الفلترة» يشير إلى إقرار الوزارة بمسؤوليتها عن تدني مستوى الخدمة.
وفي هذا السياق، يندرج التعديل على قانون العقوبات الرقم 74 لسنة 1936 الذي أقره المجلس التشريعي في غزة في جلسة اقتصرت على نواب حركة «حماس»، قبل بضعة أشهر، وتضمن فرض عقوبات على كل من يسيء استخدام أجهزة الحاسوب، والهواتف النقالة، وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة».
وقال النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي، أحمد بحر، إن تعديل القانون المذكور جاء «رداً على الذين يتعمدون إشاعة الفاحشة ونشر الرذيلة في المجتمع الفلسطيني، وخصوصاً الكيان الصهيوني ومن دار في فلكه»، مضيفاً أن «القوانين المعمول بها في فلسطين التي صدرت في زمن الانتداب البريطاني، تعاني قصوراً تشريعياً يساعد على نشر الفاحشة في المجتمع الفلسطيني».


«الأونروا» متّهمة بنشر الفاحشة

كما كل إجازة صيفية، وإن كانت هذه المرّة أكثر حدة، شنّ خطباء ودعاة وصحافيون محسوبون على حركة «حماس» هجوماً عنيفاً على المخيمات الصيفية التي تنظمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» سنوياً للآلاف من الطلاب في مدارسها على مستوى قطاع غزة. وترى حركة «حماس»، التي تنظّم مخيمات صيفية رديفة، لكن ببرامج مختلفة تعتمد على التربية الدينية والبدنية إلى جانب الترفيه، في مخيمات «الأونروا» أنها تندرج في سياق تنفيذ مخطط يهدف إلى إفساد الجيل الناشئ وتهيئته للتطبيع مع الاحتلال. لكن «الأونروا»، التي اعتادت السكوت عن هذه الهجمة، خرجت عن صمتها، ونفت على لسان المفوضة العامة كارين أبو زيد هذه الاتهامات، وقالت إن الهدف من المخيمات، التي يشارك فيها أكثر من 250 ألف طفل «هو الترفيه عن الأطفال الفلسطينيين الذين كانوا تحت ضغط الحرب الإسرائيلية الأخيرة عليهم». وأضافت: «نحاول أن نرجع البسمة لشفاه هؤلاء الأطفال». وتابعت: «هم يلعبون ويمارسون أنشطة رياضية وثقافية ليس لها علاقة بالتطبيع أو ما شابه».