الجمعيات المناهضة ضعيفة: لا آليات عمل ولا تراكمرشا أبو زكي
لم تتبلور حتى اليوم أية حركة قوية لمناهضة انضمام لبنان إلى منظمة التجارة العالمية، لا بل من الواضح أن هذا الموضوع يغيب عن اهتمامات المجتمع المدني عموماً، وكذلك عن السياسات والبرامج التي تطلقها الجمعيات الأهلية كما الأحزاب، وقلما تظهر جهات تعي ماهية المشكلات السلبية التي سينتجها انضمام لبنان، فيما الجهات التي تعلم لا تعمل على الأرض، وإن عملت، فبخطى سلحفاتية، ومن دون برنامج زمني ولا منهجية تراكمية، ومن دون اعتماد آلية توعوية قادرة على استقطاب، ولو المتضررين من مسألة انضمام لبنان إلى WTO. وإن كان الوهن هو الصفة العامة التي تصم الحركة المناهضة للعولمة ولـ WTO في لبنان، فإن بعض الجمعيات تعمل على هذه القضية بنبض ضعيف أو «من دون نفس»، أو حتى «بأنفاس مقطوعة». ففي عام 2006، شهدت وسائل الإعلام بياناً يتوجه إلى الجهات المعنية في ملف الانضمام موقعاً من 16 جمعية مدنية لبنانية، وفيه نقاط متعددة عن التأثيرات السلبية للانضمام على القطاعات المنتجة اللبنانية، ومنذ ذلك الحين اختفت هذه الجمعيات مع مطالبها من «كادر» التحركات الفعلية الضاغطة... كذلك منذ أن دخل لبنان في كوكبة مفاوضات الانضمام إلى منظمة التجارة، لم يشهد الشارع اللبناني تحركاً واحداً ضد الانضمام، أو تحركاً يدعو في أسوأ الأحوال إلى التمهل في موضوع الانضمام، ولم يسعف هذه الجمعيات كمية النشاطات الأوروبية والأميركية الصاخبة ضد WTO...
في البدء، لا بد من الإشارة إلى أنه لا يوجد سوى جمعية واحدة في لبنان، هي الجمعية اللبنانية لمناهضة العولمة (أتاك)، تعلن صراحة رفضها الانضمام، إلا أن اللافت أنه لا يوجد سوى شخصين في هذه الجمعية يتحدثان عن عمل جمعيتهما، فإذا كان الشخص الأول مشغولاً وغير قادر على الكلام، وإذا كان الخط الخلوي للشخص الثاني مقفلاً، فلا مجال للتعرف إلى ماهية هذه الجمعية وكيفية عملها! وهذا دليل أول على الوهن الحقيقي الذي تعاني منه هذه الجمعية... أما الجمعيات الأخرى، فهي «مش ضد الـ WTO»!
إذ يقول منسق البرامج في جمعية التنمية الاجتماعية، إيلي أبو شعيا، إن منظمة التجارة العالمية أصبحت واقعاً، وبالتالي فإن الجمعية ليست ضد المنظمة، بل ترفض التنازلات التي يقدمها لبنان في عملية التفاوض مع الدول الأعضاء في المنظمة. ويضيف: «مطالبنا محددة، هي إعادة النظر بالتعرفة الجمركية الحالية وتطبيق التعرفة الجمركية التي اعتمدت قبل عام 2000، وخصوصاً أن التعرفة الحالية متدنية جداً لحماية القطاعات المنتجة. تطبيق قانون حماية الإنتاج الوطني ومعالجة كلفة الإنتاج التي لا تزال تفوق بمرتين أو أكثر الكلفة في الدول المجاورة التي تدعم إنتاجها». لكن ماذا عن التحركات الضاغطة لتلبية هذه المطالب؟ يجيب أبو شعيا بأن «الجمعية تعمل على نشر التوعية، حيث تقوم بعدد من النشاطات، منها تنظيم معرض في العام الماضي عن منظمة التجارة وتأثيراتها على لبنان، وتوزيع بيانات تفسيرية، والمشاركة في المؤتمرات ذات صلة بهذه القضية»...
أما كندة محمدية من الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية للتنمية «ANND» فتلفت إلى أنه في عام 2006 أطلق «تحالف لبنان ليس للبيع» وكان فاعلاً لفترة مهمة في الضغط على الحكومة والعمل المباشر مع النواب لتغيير بعض النقاط المضرة بلبنان في مفاوضات المنظمة، «لكن جاءت الأزمة السياسية، ما أثر كثيراً على عملنا»، وتلفت إلى أنه في الوضع الراهن «تركز الجمعيات عملها على مواضيع حقوق الإنسان في الوضع السياسي والمدني على حساب الوضع الاجتماعي».
وتوضح محمدية أن عمل «ANND» هو عبارة عن شبكة إقليمية موجودة منذ عام 1997، وافتتحت مكتبها في بيروت منذ عام 2001، وهذه الشبكة ليست منظمة قاعدية واستراتيجيتها قائمة على الضغط للتأثير في المجالات الاقتصادية والاجتماعية «ولا نستطيع في مؤسسة بحثية التحرك على الأرض، لكن نحاول العمل مع منظمات وطنية وقاعدية للضغط على الحكومات». وتلفت محمدية أن عمل الشبكة ليس للقضاء على WTO «فبالنهاية هذه مؤسسة دولية متعددة الأطراف، لكن يمكن أن يكون للدول النامية دور فاعل في هذه المنظمة، وهذا ما نسعى إلى تحقيقه». وتضيف: «نحن نطالب بإصلاح المنظمة بما يضمن مصلحة الدول النامية وتعديل الآليات والاتفاقيات والشروط القائمة، ومن هنا نشدد على أنه إذا كان لبنان يريد الانضمام وتحقيق المكاسب، فعليه أن يعمل على سياسة تجارية قائمة على رؤية تنموية، وإشراك الفاعليات المعنية بالانضمام في وضع التوجهات الشاملة للدخول إلى منظمة التجارة بما يضمن عائدات تنموية إيجابية على لبنان... وتشير إلى أن «عملنا سيتركز في الفترة المقبلة في العمل مع النواب الجدد لإلقاء الضوء على معاني انضمام لبنان إلى المنظمة، وتأثير هذا الانضمام على السياسات الاقتصادية المستقبلية».
أما الباحث في السياسات البديلة قاسم عز الدين، فيشير إلى أن البحث عن جمعيات مناهضة العولمة في لبنان هو كالبحث عن طير مفقود، «إذ ثمة مشاكل كبرى لدى هذه الجمعيات، فطبيعة ما يسمى المجتمع المدني في لبنان وحتى في العالم تتألف من مجموعات لديها اهتمامات محدودة، مثل الاهتمامات بالبيئة أو الغلاء أو المناخ أو المياه... ومعظم هذه الجمعيات غير مستقلة وليس لديها إمكان لأن تكون مستقلة، وبالتالي فهي مرتبطة بتجمعات أكبر منها تحدد الاتجاهات العامة. والمشكلة أن ضعف الحركة المناهضة للعولمة يؤدي إلى عدم القدرة على مراكمة التجارب وبلورتها بالمقارنة مع حركات المناهضة في الخارج»، لافتاً إلى أن «المجموعات الأوروبية أو الأميركية لديها فضاء أوسع للتحرك، وتنسق في ما بينها في تحركات مشتركة، وهذا غير موجود في لبنان». أما المشكلة الأكبر فهي أن السلطة تستولي على معظم مكونات المجتمع المدني في لبنان والعالم العربي، والجو العام غير مساعد، إذ إن الأحزاب والنقابات والتيارات الفكرية والسياسية لا تعمل على قضايا مثل العولمة أو منظمة التجارة العالمية». ويشدد قائلاً: «نحن لسنا ضد العولمة، بل ضد العولمة النيوليبرالية، ومع تحقيق العولمة الإنسانية».


300 ألف وظيفة

خسرها القطاع الزراعي في سريلانكا بعد الإسراف في الاستيراد بعد توقيع اتفاقية الزارعة الخاصة بالـ WTO، فيما زادت أكلاف الإنتاج مرتين في عدد من البلدان الـ 14 التي وقّعت اتفاقية الزراعة!


العضوية في المنظمة خَطَر