سعي إلى «تملّك» مشروع الأسواق التجارية بعد استرداد المبيعاتمحمد وهبة
أدرجت شركة تطوير وإعادة إعمار وسط مدينة بيروت «سوليدير» على جدول أعمال الجمعية العمومية التي ستنعقد في 17 حزيران بنداً يتعلق بتأسيس شركة مساهمة محلية يكون لها فيها حصة الغالبية وتتملك مشروع الأسواق التجارية في وسط بيروت. وقد أثار هذا الأمر شبهات عدّة لدى متابعي ملف «سوليدير»، فما حاجة الشركة المعنية بتطوير العقارات في المنطقة المعروفة باسم «وسط بيروت» إلى تملك مشروع الأسواق التجارية؟ ومن هم الأشخاص الذين سيكتتبون بحصص في الشركة الجديدة؟ وهل الهدف أن «ينتفع» بعض النافذين في الشركة وخارجها من هذا المشروع بعدما ارتفعت أسعار العقارات في لبنان، ولا سيما في منطقة الوسط، ويتوقع أن ترتفع باطّراد في السنوات المقبلة؟
هذه الأسئلة لا تأتي من الفراغ، بل على خلفية ما قامت به «سوليدير» بعد فترة من إطلاق المشروع، إذ كانت قد باعت قسماً من المشروع لعدد من المستثمرين المحليين والخارجيين، لكنها عادت عن عمليات البيع بعد فترة. والقصة بدأت حين قررت سوليدير مباشرة العمل بمشروع الأسواق التجارية في عام 1998، وحينها باعت الشركة عدداً غير قليل من العقارات في المشروع بسعر ألفي دولار للمتر المربع الواحد للمكتب وأربعة آلاف دولار لسعر المتر في المحل التجاري، وأجرت عقود «وعد بالبيع» مع المستثمرين وفرضت عليهم شرط دفع نسبة 5 في المئة من قيمة العقار في دفعة أولى، على أن تتوالى الدفعات بما يتناسب وتقدم العمل في المشروع. أي إن سوليدير موّلت المبالغ اللازمة للبدء في المشروع من الدفعات الأولى التي حصلت عليها وربطت المستثمرين بتقدم العمل لتموّل الكلفة الباقية تمويلاً زمنياً واضحاً.
بعد فترة، استردت «سوليدير» العقارات المبيعة من أصحابها «بقوة الأمر الواقع» وأطلقت حملة لتأجير كل العقارات في الأسواق. ولم يكن هناك ما يبرر الاسترداد، فالشركة في هذه الفترة كانت قد بدأت بسداد قسم من الديون وبتوزيع أنصبة أرباح على المساهمين، وبالتالي لم يكن هناك سبب مالي يدفعها إلى هذه الخطوة. لكنها بدأت بإلغاء العقود، فواجهت بعض «العناد»، لأن بعض المستثمرين رفضوا إعادة ما اشتروه بعدما ارتفعت قيمته، فهم كانوا قد وضعوا استثماراتهم في هذه العقارات طمعاً بالأرباح الريعية التي سيدرّها عليهم هذا المشروع بعد إنجازه، وقررت مجموعة منهم رفع شكاوى قضائية على «سوليدير» لم تُبَتّ حتى اليوم، علماً بأن بين هذه المجموعة كبار التجار ورجال الأعمال المحليين والمغتربين.
ورفضت هذه المجموعة أن تفرض «سوليدير»، كما فعلت مع البقية، شروطها للاسترداد ودفع فوائد المبالغ المدفوعة التي تُعَدّ زهيدة مقارنة بما كانوا سيحصلون عليه، وأبدوا استعدادهم لتسديد كل ما يترتب عليهم لتملك هذه العقارات، على الرغم من أن شروط العقد الموقع لا تتضمن هذا الأمر، علماً بأنهم كانوا قد سددوا الدفعة الأولى ولم يتأخروا في مهل تسديد بعض الأقساط.
والواقع أن «سوليدير» اكتشفت، بحسب مصادر متابعة، أن أسعار العقارات بين فترة البيع وفترة الاسترداد تضاعفت مرّة على الأقل، وأنه يمكنها اليوم بيع المتر المربع الواحد للمحل التجاري بنحو 10 آلاف دولار، وإذا قيس هذا الأمر على مساحة الأسواق التجارية البالغة 100 ألف متر مربع بناء، فهذا يعني، في المتوسط، زيادة في الأسعار بين فترة البيع واليوم تقدّر بنحو 700 مليون دولار، وعلى الأقل سيكون للشركة الجديدة الحرية في الاستفادة من أرباح تأجير المحالّ التجارية والمكاتب في مشروع الأسواق التجارية.
وبالتالي، تقول المصادر، إن إنشاء شركة تتملك الأسواق التجارية يوفر لها عملية سهلة لوضع يدها على عقارات لا تقل قيمتها عن مليار دولار، وقد تزيد بشكل كبير في الفترة المقبلة وتدر أرباحاً طائلة إذا أُجِّرت، وفي النهاية، تعتقد المصادر أن الأرباح ستذهب إلى الشركة الجديدة ومن يقف وراءها، ما يعني أن المساهمين في شركة «سوليدير» ستضيع حقوقهم في جزء من هذه الأرباح.
وتكشف هذه الخطوة، التي تعتزم «سوليدير» القيام بها، عن مدى السلطة التي تتمتع بها هذه الشركة، ومدى قدرتها على تسخير مجلسي النواب والوزراء ومجلس بلدية بيروت، فهي «نهبت» حقوق أصحاب الحقوق وسلبتهم عقاراتهم وتوسّعت في أعمال الردم والحصول على مزيد من العقارات على حساب الدولة، وتمدّدت إلى الخارج عبر تأسيس «سوليدير إنترناشيونال» واستحصلت على حقوق بناء إضافية واستثناءات كثيرة... وكل ذلك بعشرات المراسيم والقرارات التي صدرت عن مجلس الوزراء واستمرت بالصدور حتى السنتين الأخيرتين.
وكانت «سوليدير» قد أعلنت أن مشروع الأسواق التجارية سيفتتح في ربيع عام 2007 وقد بلغت كلفته 150 مليون دولار ويشمل المنطقة التي كانت تضم أسواق «أيّاس» و«الجميل» و«الطويلة» و«الأروام» التي كانت معروفة قبل الحرب الأهلية وكانت تمثّل مراكز التسوق في مدينة بيروت، وهو يمتد على أرض تبلغ مساحتها 60 ألف متر مربّع وتبلغ مساحة البناء فيها نحو 100 ألف متر ويحيطه من الشمال شارع مرفأ اليخوت الذي يعرف حالياً بـ«مارينا» ومن الجنوب شارع «ويغان» ومن الشرق شارع «أللنبي» ومن الغرب شارع «البطريرك الحويك».
ووضع تصميم المشروع مهندسون لبنانيون وأجانب وتولى مكتب سمير خير الله للهندسة تصميم مواقف السيارات على مساحة أربع طبقات تحت الأرض. كذلك قُسِّمت الأسواق، فخُصّص قسم منها لمحالّ الأزياء، وقسم آخر لمتاجر الأغذية، وسوق للذهب سيشمل 100 محل، ومخزن كبير مساحته 15 ألف متر مربع كان يتوقع أن تستثمره «غاليري لا فاييت»، وسيكون فيه صالات سينما ومسرح ومقاهٍ. ويتراوح ارتفاع المباني بين 18 متراً و24 متراً، أي بين 3 و6 طبقات، وفيه نحو 250 محلاً تجارياً.


25 مليون دولار

هي قيمة المداخيل التي ستحققها «سوليدير» من تأجير المحال التجارية في مشروع الأسواق التجارية، ما يرفع إجمالي دخلها السنوي من الإيجارات إلى 45 مليون دولار. لكن دراسة أجرتها مجموعة «هيرميس» تقول إن عائدات الإيجارات سترتفع إلى 65 مليون دولار سنوياً


نصف المخزون!