القاهرة ــ الأخبارلن يسير الموكب الضخم للرئيس الأميركي، باراك أوباما، في شوارع القاهرة، ولن يجرب الاستقبال الجماهيري التاريخي الذي استقبل به المصريون في السبعينيات الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، في أول زيارة تاريخية يقوم بها رئيس أميركي لمصر في عهد الرئيس الراحل أنور السادات.
لكن زيارة أوباما لمصر ستكون مناسبة لإعادة فتح العلاقات المصرية الأميركية من جديد، وخصوصاً أن لقاء الرئيس المصري، حسني مبارك، مع أوباما هو الأول من نوعه بينهما منذ تولي أوباما منصبه خلفاً لسلفه جورج بوش.
ويلاحظ الباحث في العلوم السياسية والمتخصص في السياسة الخارجية الأميركية، عمرو عبد العاطي، أن العلاقات بين واشنطن والقاهرة عرفت العديد من قضايا التوتر، التي كان لها انعكاساتها على مسيرة العلاقات بينهما، والتي أخذت منحى تصاعدياً في الآونة الأخيرة، ومنها: المساعدات الأميركية وقضايا التحول الديموقراطي وحقوق الإنسان. ويعتقد أن العلاقات الأميركية ـــــ المصرية ثلاثية الأطراف، إذ إن تل أبيب طرف فاعل فيها، وذلك تطبيقاً للمقولة «المرور إلى واشنطن لا بد أن يبدأ من تل أبيب».
وكانت العلاقات الأميركية ـــــ المصرية قد مرّت بمراحل متعدّدة بدءاً من عهد جمال عبد الناصر، الذي تصادم مع وزير الخارجية الأميركي فوستر دالاس، الذي نظر وكان ينظر إلى الضباط الأحرار باعتبارهم مجموعة طائشة لا تصلح حليفاً للسياسة الأميركية في المنطقة.
في عام 1953، زار دالاس مصر بعد انتخاب دوايت أيزنهاور رئيساً للولايات المتحدة، وذلك للدعوة إلى سياسة تطويق الاتحاد السوفياتي السابق بالأحلاف الغربية وقواعدها العسكرية. لكن مناقشاته مع عبد الناصر أظهرت الهوة بين أفكار القاهرة وتصورات واشنطن.
في عام 1956، برز الخلاف المصري ـــــ الأميركي بشأن تمويل السد العالي، بعدما أوعزت أميركا إلى البنك الدولي لكي يسحب عرضه بتمويل المشروع، فرد عبد الناصر بإعلان تأميم قناة السويس في 26 تموز 1956. وبعده، تعرضت مصر لعدوان ثلاثي قامت به بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، لكن أيزنهاور لم يتحمس للأمر لأن المؤامرة تمت من وراء ظهره، فساندت أميركا موقف مصر في مواجهة العدوان، وأسهمت مع السوفيات في إنهاء العدوان الثلاثي، خشية ارتماء القاهرة في حضن موسكو ورغبة من واشنطن في تقليص نفوذ بريطانيا وفرنسا في المنطقة.
لكن العلاقات المصرية ـــــ الأميركية بقيت بين شدّ وجذب، حتى نهاية تشرين الأول عام 1973، حين قام وزير الخارجية، إسماعيل فهمي، بأول زيارة لمسؤول مصري إلى الولايات المتحدة منذ عام 1967. الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون هنأ فهمي على أداء الجيش المصري في حرب تشرين الأول، وقال: «لأني رئيس للولايات المتحدة وأميركي وريتشارد نيكسون، فإنني أحترم هؤلاء الذين يحاربون جيداً ويضحون بأنفسهم. ويجب أن أعترف لك بأنكم قمتم بالقتال بصورة جيدة، ونحن نحترم هذا».
والتقط السادات الخيط ليوجه دعوة رسمية قبلها نيكسون، الذي قام بالفعل بزيارة تاريخية لمصر يوم 12 حزيران عام 1974. وحرص السادات على أن يحظى نيكسون باستقبال شعبي ورسمي حافل. كان يرى أن زيارة نيكسون تاريخية وبالغة الأهمية بما تحمله من معنى العودة بالعلاقات المصرية ـــــ الأميركية إلى مسار الصداقة والتعاون.
بعد علاقة الصداقة بين السادات وجيمي كارتر واتفاق «كامب ديفيد»، كان رونالد ريغان، الذي لم يتخلص من عقدة أن السادات رفض طلب لقائه عندما كان مرشحاً لخوض الانتخابات الرئاسية في مواجهة «صديقه كارتر»، وسرعان ما تدهورت العلاقات بسبب تصاعد الفتنة الطائفية آنذاك في مصر.
بعد تولي ريغان الرئاسة، حرص السادات على الاجتماع به في البيت البيض، وخرج من اللقاء ليؤكد ترحيبه بتأكيدات ريغان على تصميم الولايات المتحدة على مواصلة دورها شريكاً كاملاً في عملية السلام.
في تشرين الأول من عام ‏1985‏، تفجرت أزمة اختطاف السفينة الإيطالية «اكيلي لاورو»، وتواردت أنباء عن قيام خاطفين فلسطينيين بقتل أميركيين على متنها.‏ وبعد استسلامهم للسلطات المصرية، اعترضت طائرة أميركية طائرة مصرية كانت تقلّ المسلّحين وأجبرتها على الهبوط واعتقلت «الخاطفين».
وعبّر الرئيس حسني مبارك عن انزعاجه ورفضه للتصرف الأميركي وطالب باعتذار، لكن الرئيس الأميركي ريغان رفض. ومثّلت الحادثة بداية خلخلة مفهوم السيادة، لكنها لم تغيّر في السياسة المصرية التي لا تزال تعدّ الولايات المتحدة دولة صديقة. وهي بقيت كذلك في عهدي جورج بوش الأب وبيل كلينتون، فيما مرّت بمرحلة من التوتر في عهد جورش بوش الابن، قبل أن يأتي أوباما ليعيد العلاقة إلى «سكة الصداقة».