خاص بالموقع | 12:25 AMهآرتس ــ عكيفا الدار
كان من الواجب قراءة الكلمات مرتين لتصديق ذلك: «انتقادات في القدس للولايات المتحدة». مسؤول إسرائيلي كبير يحذر: «نحن مصابون بخيبة أمل». الذبابة التي تقف على طرف الأذن تشتكي من أن الفيل لا يصغي لتعليماتها. والوقاحة هي أن باراك أوباما هو من يفعل ذلك. فهو جديد في البيت الأبيض، ومع ذلك لديه ما يقوله عن عدد البيوت الجديدة التي سنبنيها في «عوفرة»، وعن متى سنقوم بتفكيك الجدران التي تقادمت في البؤر الاستيطانية غير القانونية.
بدلاً من التركيز على «أنوية الناحال» (الاسم السرّي للمستوطنات الأولى)، يُفضّل أن يقوم أوباما بتفكيك النواة الإيرانية النووية، وإلا فإن القدس ستعيد النظر في علاقاتها الخاصة مع واشنطن وتعيد دراسة التفوّق النوعي الذي تمتلكه الولايات المتحدة. إن تواصل هذا الوضع، فستتوقف إسرائيل عن استخدام الفيتو في وجه القرارات المناهضة لأميركا في مجلس الأمن.
لنفترض أن هناك شيئاً حقيقياً في الانتقادات الموجهة إلى الرئيس الأميركي على خلفية إصراره في قضية البناء اليهودي في المناطق، ونوافق على أن أوباما قد تشبّث بصغائر الأمور مثل ثلة من البؤر الاستيطانية البائسة. فهل يجدر بإسرائيل أن تخاطر بالدخول في أزمة مع الدولة الأعظم والأهم في العالم من أجل صغائر الأمور هذه؟ وهل توجد لديها ثروة وجودية أكثر من علاقاتها المميزة مع الولايات المتحدة ومن اعتقاد جيرانها الراسخ بأن هذه العلاقة باقية لن تنفصم؟
هل هذه هي الوسيلة للإبقاء على «كل الخيارات مفتوحة»، بما في ذلك الحصول على تصريح أميركي بالتحليق في سماء العراق على طريق الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية؟ وماذا سنفعل عندما يطلق الإيرانيون صواريخهم على تل أبيب؟
هل سنرسل آبا إيبان الجديد المسمى أفيغدور ليبرمان إلى واشنطن حتى يطلب من أوباما إعلان الحرب على طهران؟ في الوقت نفسه، سيكون بإمكان المستوطن من «نوكاديم» (ليبرمان) أن يوبّخ الرئيس الأميركي لرفضه الاهتمام بنموّه الطبيعي.
هل من الصحيح القول إن لإسرائيل مصلحة في الانتصار في معركة المستوطنات؟ وماذا سيحدث إن تحدّينا مكانة الرجل الأقوى في العالم وأظهرناه شخصاً ضعيفاً غير قادر على وضع حد للمشروع الاستيطاني الذي تقدم عليه دولة تابعة لرعاية الولايات المتحدة؟ وهل سيعزز هذا «الانتصار» الإسرائيلي مكانة الولايات المتحدة في المعركة الدولية ضدّ إيران؟
من الممكن إيجاد إجابات جزئية على الأمور من خلال تصريحات نتنياهو لأعضاء كتلته الليكودية في الكنيست، في الأسبوع الماضي، حيث تطرق إلى ضرورة إخلاء بؤر استيطانية. في اليمين، يعتقدون أنهم يفطمون هذه العنزة اللئيمة، وأن إخراجها سيُعتبر «تنازلاً أكثر إيلاماً» كما كان يقول شارون.
ولكنّ نتنياهو يعرف أيضاً أن أوباما لا ينوي المشاركة في لعبة الأغنام هذه. رئيس الولايات المتحدة ليس مبتدئاً من الناحية السياسية، كما أشار وزير الدفاع إيهود باراك عندما قال إن تفكيك البؤر الاستيطانية لن يوقف المشروع النووي الإيراني. سيأتي أوباما في هذا الأسبوع إلى الرياض والقاهرة في محاولة لإعادة بلورة ائتلاف مؤتمر مدريد الذي أنشأه بوش الأب غداة حرب الخليج الأولى في تشرين الأول 1991. وللمناسبة، قام «الليكود» حينئذ أيضاً برئاسة إسحاق شامير بتوجيه «انتقادات حادة» لرفض بوش الأب الاعتراف بحاجة المستوطنين إلى «النمو الطبيعي».
يجب الافتراض أن أوباما سمع بالتأكيد النبأ القائل إن عدد المستوطنين (من دون شرق القدس) قد ازداد منذئذ من 100 ألف إلى 300 ألف. هذه خصوبة تثير الغيرة والحسد.
الائتلاف العربي ـــــ الإسرائيلي ـــــ الأميركي الجديد ـــــ القديم هو ردّ أوباما على ائتلاف إيران ـــــ حماس ـــــ حزب الله. ويرتكز هذا الائتلاف على الجامعة العربية وتبنّته منظمة الدول الإسلامية أيضاً، بما فيها إيران نفسها.
قرار إسرائيلي بتبنّي «كل الأراضي مقابل كل السلام» سيخرج الأقلية الشيعية ـــــ الإيرانية خارج الإجماع العربي ـــــ الإسلامي. إيران وائتلافها يريدان أن تواصل إسرائيل استيطانها وقصقصة أجنحة محمود عباس، لأن هذا هو الطريق الأقصر لوصول إيران من غزة إلى رام الله. إسرائيل نفسها، تلك التي لا تفهم الارتباط بين مستوطنة «يتسهار» ومحطة «بوشهر» الإيرانية، تدّعي أن «حماستان» ليست إلا قاعدة إيرانية.
لن يذرف محمود أحمدي نجاد دمعة إن أرسلت إسرائيل أوباما نهائياً إلى الجحيم مع حلّ الدولتين الذي ينادي به. وكلما ازداد الصدام الأميركي ـــــ اليهودي على «صغائر الأمور» حدة، ازدادت البهجة في نفوسهم.