محمد زبيبباستثناء برنامج التيار الوطني الحر، الذي أعلنه النائب ميشال عون في السابع من أيار الماضي، خلت برامج كل الأحزاب والتيارات السياسية الأخرى من أي إشارة إلى التزاماتها، الممهورة بتواقيع ممثليها، في المنتدى اللبناني حول التنمية الاقتصادية والاجتماعية. بل إن البرامج الانتخابية للبعض تضمّنت عناوين وشعارات تتناقض مع هذه الالتزامات، ولا سيما برنامج تيار المستقبل الذي ركّز على «الخصخصة» باعتبارها المدخل إلى الرفاه والإصلاح والعدالة... وبرنامج حزب الله الذي جاء عمومياً جداً، ولم يقدّم أي رؤية محددة وواضحة يمكن البناء عليها.
وللتذكير، انطلق هذا المنتدى في أيار من عام 2007، بدعوة من بعثة المفوضية الأوروبية في لبنان، وهو يهدف إلى إقامة حوار بين الأحزاب الرئيسية والتجمعات المهنية المختلفة للتوصّل إلى رؤية مشتركة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية... وقد عقد المنتدى أربع جلسات مغلقة حتى الآن، كانت آخرها في شباط الماضي، وتناولت مشكلات الدين العام والنظام الضريبي والمنافسة وسوق العمل والتشغيل والتأمين ضد البطالة والتغطية الصحّية وبرامج التقاعد والحماية الاجتماعية وتنافسيّة الشركات والزراعة... واتفق المشاركون على مأسسة هذا المنتدى عبر تأليف لجنة متابعة لتنفيذ توصياته والاستفادة من التمويلات المتاحة من الاتحاد الأوروبي. وصدرت عن جلسات المنتدى قائمة طويلة من التوصيات ممهورة بتواقيع كتلة تيّار المستقبل، كتلّة التغيير والإصلاح، كتلة التنمية والتحرير، كتلة الوفاء للمقاومة، كتلة اللقاء الديموقراطي، الكتلة الشعبيّة، كتلة القوّات اللبنانيّة، كتلة الحزب السوري القومي الاجتماعي، كتلّة النوّاب الأرمن، كتلة نوّاب طرابلس وحزب الكتائب.
وعلى الرغم من أن هؤلاء لم يتوصّلوا إلى توافقات تشمل كل هذه العناوين المطروحة، إلا أن ما اتفقوا عليه، على تواضعه، يجسّد، في حال اعتماده وتنفيذه، مدخلاً إلى تصحيح بعض المفاهيم المتصلة بدور الدولة ووظيفتها وحقوق المواطنين... وعلى الرغم أيضاً من أن التوافقات المنجزة لا تُحدث التغيير الجذري المطلوب في عمل النموذج اللبناني القائم، إلا أنها كانت ستمثّل خطوة متقدّمة جداً إن جرى تبنّيها فعلاً لا قولاً لتصبح بمثابة «البيان الوزاري» للحكومة التي ستنبثق من الانتخابات المقررة في السابع من حزيران.
ما هي هذه الالتزامات؟ وما مدى تباينها مع البرامج الانتخابية المعلنة من المشاركين في هذا المنتدى؟
ستعرض «الأخبار» بالتفصيل، على حلقات، التوافقات الرئيسية التي تم التوصّل إليها في المنتدى المذكور، مع مقارنتها بما تضمّنته البرامج الانتخابية المعلنة لأبرز الأحزاب والتيارات السياسية التي ستستأثر بالعدد الأكبر من المقاعد النيابية، بهدف إطلاع الناخبين على التناقضات في خطاب هذه الأحزاب والتيارات.
بداية، لا بد من الإشارة إلى أن هذه التوافقات بُنيت على مبادئ عامّة حُدِّدت في أولى جلسات المنتدى لتؤلف الإطار العام للحوار المفتوح. فقد اتفق المشاركون على اعتماد رؤية بشأن السياسات الاقتصادية والاجتماعية تركّز بتساوٍ على النمو الاقتصادي والإنصاف وتنمية المناطق والتقارب بينها، أي الابتعاد عن السياسات المعتمدة حالياً التي انطوت على تمييز شديد ومفاضلات خطيرة بين النمو والتنمية... لذلك شددوا على ضرورة أن يستفيد كلّ المواطنين من منافع النمو، ما يعني أن السياسات الاقتصادية يجب ألا تُقوَّم عند وضعها على مستوى إسهامها في النمو فحسب، كما يحصل الآن، بل أيضاً على أساس ما تستحدثه من فرص عمل، ومدى إسهامها في الحد من الفقر ومساعدة المناطق الفقيرة على اللحاق بالمناطق التي تتمّتع بركيزة اقتصادية قويّة.
إن هذا الإطار للتوافقات ينطوي على اعتراف من الجميع بأن نمو الاقتصاد اللبناني المحقق لا يتصف بالاستدامة، ولا يولّد فرص عمل كافية في القطاعات الإنتاجية، ويشجّع على الهجرة... ولكي تنقلب الصورة، لا بد من التركيز على تحقيق الشروط الآتية:
ـــــ الحدّ من عبء الدين العام، وإعادة هيكلة النظام الضريبي لتحقيق مستوى أعلى من العدالة، واعتماد سياسة نقدية تهدف إلى مكافحة التضخم وخفض معدلات الفائدة.
ـــــ تحفيز صناعة أكثر تنوعاً، وخدمات عامة (مياه، كهرباء، اتصالات) بأعلى جودة وأدنى الأسعار، وزراعة أكثر تنافسية، بما يؤدّي إلى الحد من ضعف الاقتصاد اللبناني حيال الصدمات الخارجية ويسمح للبنان بالاستفادة بالكامل من اليد العاملة المؤهلة لديه.
ـــــ اعتماد مخطط توجيهي لاستعمال الأراضي اللبنانية يكون مرجعاً مفيداً لسياسات الاستثمار العام واستعمال الأراضي وأداة لترشيد استعمال الموارد ولتعزيز
التضامن الوطني.
ـــــ تحسين الخدمات الاجتماعية وتوفيرها للجميع، وتطوير شبكات الأمان الاجتماعي وتوفير تحويلات مالية للمحتاجين، وإنشاء صندوقي ضمان البطالة وضمان الشيخوخة.