محمد زبيبالتزام الكتل النيابية إقامة «نظام تأمين صحي موحّد وشامل لجميع اللبنانيين» تعرّض للاهتزاز على الرغم من أن 51.7 في المئة من الأُسر اللبنانية لا تزال غير مشمولة بأي تغطية صحيّة دائمة، كما أن التزام هذه الكتل إقامة «نظام موحّد لضمان الشيخوخة يقوم على مبدأي الرسملة الفردية والتكافل الاجتماعي» تعرّض للنسف على الرغم من أن الأنظمة الحالية الضعيفة والمشتّتة وغير الفعّالة تضع أكثر من 90 في المئة من القوى العاملة اللبنانية خارج أي حماية بعد بلوغ سن التقاعد (أو 75 % إذا كان هناك من يعتبر أن نظام تعويضات نهاية الخدمة يمثّل حماية فعلية).
وللائحة الإخلال بالالتزامات في البرامج الانتخابية المعلنة تتمة أكثر «سوداوية»، فجميع الكتل النيابية، (منها الكتل الأبرز: تيار المستقبل، حركة أمل، التيار الوطني الحر وحزب الله، التي ستستأثر بالعدد الأكبر من المقاعد النيابية وفقاً لاستطلاعات الرأي)، وقّعت وثيقة الجلسة الثانية من المنتدى اللبناني حول التنمية الاقتصادية والاجتماعية (المموّل من الاتحاد الأوروبي)، وفيها التزام العمل على «إنشاء نظام تأمين للبطالة في المبدأ»، وجاء هذا الالتزام بعد مناقشات مستفيضة، إذ اتفق المشاركون على «أن توفير الوظائف المنتجة والمحققة للمكاسب في ظروف لائقة يبقى الأداة الأكثر فعّالية للسياسات الاجتماعية بالنسبة إلى شريحة واسعة من المجتمع، وخاصة الفقراء. والواقع حالياً أن استحداث الوظائف محدود مما يولّد معدلات مرتفعة نسبياً من البطالة، ويغذّي مستويات استثنائية الارتفاع لهجرة الشباب المثقفين. وفي الوقت نفسه، يستمر وفود اليد العاملة ذات المهارات المتدنية مع ضبط ضئيل واحترام محدود لحقوقهم ومسؤولياتهم... وسياسات الأجور تعتريها الشوائب... ويشغّل القطاع غير النظامي أكثر من 40% من إجمالي العاملين الذين يعانون عدم الاستقرار وساعات العمل الطويلة والأجور المتدنية (وكذلك الإنتاجية) من دون الحصول على أي من المنافع الاجتماعية التي ترتبط بالعمل المأجور».
ولمعالجة هذه المشكلات، قرر المشاركون العمل على إقرار رزمة متّسقة من الإصلاحات، تتضمن:
- تحسينات في ظروف الاقتصاد الكليّ وبيئة الأعمال لتعزيز الاستثمارات المنتجة والنمو الاقتصادي واستحداث الوظائف لسكان يرتفع مستوى تعليمهم.
- برامج خاصة لاستحداث الوظائف، حيث يتركّز الفقراء عبر الاستثمار في البنى التحتية و/أو تعزيز الأنشطة في هذه مناطق تركّزهم.
- حوافز لتشجيع المؤسسات الصغيرة والصغرى على الانتقال إلى الأشكال النظامية وبقائها فيها، عبر تسهيل الدخول إلى القطاع النظامي والعمل فيه والخروج منه، مع دعم إضافي للنفاذ إلى الائتمان والأسواق والعقود مع المنتجين الكبار والحرص على تحرير المؤسسات النظامية من التشوهات والتمييز السلبي.
- سياسات للأجور تراعي عاملَين رئيسيين: التضخم/ كلفة العيش والإنتاجية، وتتناسب مع الحفاظ على تنافسية المؤسسات في البلد وفي الخارج.
هذه الالتزامات، ولا سيما منها «إقامة نظام تأمين ضد البطالة» و«سياسات أجور عادلة»، لم ترد في أي برنامج انتخابي للكتل الأساسية، بما في ذلك برنامج التيار الوطني الحر، الذي تميّز عن سواه بتأكيد التزاماته لجهة إقامة «نظام تأمين صحي شامل» و«نظام موحّد لضمان الشيخوخة»، فبرنامج التيار يضع في أهدافه «حماية العاطلين من العمل من الفقر» ولكن تحت عنوان «السياسات الاجتماعية»، وهو لا يقدّم أي التزام محدد ذي طابع مؤسسي في هذا الشأن، بل إن الخطوات العملية التي يقترحها تحت عنوان «سوق العمل والعمالة» خلت من أي إشارة إلى ظاهرة البطالة وسبل مواجهتها، وركّزت على مسائل «تنظيم العمالة الأجنبية» و «مكافحة عمالة اللبنانيين السرّية» و«استفادة العمّال المؤقتين والموسميين من المنافع الاجتماعية»... ويقترح البرنامج خطوات عملية أيضا لخفض «عدد أيام العمل الأسبوعية إلى 5 أيام» و«خفض عدد ساعات العمل الأسبوعية إلى 40 ساعة»... وأموراً أخرى تندرج في السياق نفسه بهدف التحفيز على زيادة الوظائف في المؤسسات القائمة، أو لدواع انتخابية (ربما)، إلا أن البرنامج ينحو باتجاه خطير عندما يدعو إلى «توضيح قواعد استخدام العمال وتسريحهم لكي يتمكن أرباب العمل من الاستخدام بصورة أيسر وأسهل»، فهذه الدعوة تنطوي على تناقض مع لغة البرنامج واتجاهاته، باعتبار أن الجميع يعلم ماهيّة مطالب أرباب العمل في هذا المجال!
ولا تتخذ حركة أمل موقفاً واضحاً من هذه المسائل، وتبدو أدبياتها غافلة عن أي مقاربة جدّية لمشكلات سوق العمل والعمالة، فيما برنامج حزب الله لا يخرج في هذا الإطار عن «العمومية الفائقة» التي تميّزه، فهو يكتفي بالدعوة إلى «خفض مستويات البطالة»، لا «حماية العاطلين من العمل»، ويدعو أيضاً إلى «تشجيع المؤسسات الصغيرة على الاندماج»، مفترضاً أن هذه الوسيلة تؤمّن الانتقال إلى القطاع النظامي، وهذا غير صحيح، إذ إن حزب الله يُفترض أن يكون أقرب إلى «دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة» أكثر من الدعوة إلى إزالتها، وهو ما ينعكس سلباً على سوق العمل!
أمّا تيار المستقبل، فهو لا يرى أن في لبنان مشكلة بطالة أصلاً، ويتعامل مع الهجرة كظاهرة هامشية، ولذلك يخلو برنامجه من أي مقاربة عملية لمشكلة البطالة وضرورة حماية العاطلين من العمل، ويكتفي بترداد مقولة، لم تثبت صحّتها في أي تجربة، عن أن النمو وحده يكفل خلق فرص العمل وعودة اللبنانيين العاملين في الخارج، وغالباً كنتيجة «مكانيكية» لا تحتاج إلى أي تدخّل من الدولة، ما عدا الإلحاح على تسهيل الأعمال، وإفلات القطاع الخاص من أي عقال!