محمد زبيبالتبس الأمر على بعض القرّاء، فهذه السلسلة من القراءات للبرامج الانتخابية المعلنة، لم يكن هدفها تقويم كل برنامج على حدة، كما لم يكن هدفها مقارنة البرامج بعضها ببعض لتحديد أفضلها وأكثرها تلمّساً لقضايا الناس وحقوقهم... كل ما في الأمر، أن وثائق المنتدى اللبناني حول التنمية الاقتصادية والاجتماعية، التي وقّعتها 11 كتلة نيابية، برعاية بعثة المفوضية الأوروبية في لبنان، تكاد تمثّل الإطار الوحيد الذي يسمح بالمقارنة بين ما التزمت به هذه الكتل وما تنوي تحقيقه فعلياً في حال فوز أيّ منها بالانتخابات المقبلة... وبالتالي لا يجوز التعامل مع هذه القراءات بوصفها محاكمة «مدرسية» لأفكار أو توجّهات هذا التيار أو ذاك الحزب، بل يجب التعامل معها بوصفها «تمريناً» على المساءلة المفترضة عشية الانتخابات في السابع من حزيران المقبل.
ففي ظل التغييب المقصود للمجلس الاقتصادي الاجتماعي، وتعطيل دوره ووظيفته، مثّل المنتدى المذكور مساحة حوار، تجمع ممثلين عن كل الكتل النيابيّة، وبعض الجمعيّات المهنيّة والهيئات الاقتصادية والنقابات العمالية وخبراء مستقلين، الهدف هو إرساء توافقات، ولو جزئية، في شأن السياسات المحبّذة والملائمة للبنان، فعُقدت أربع جلسات حتى الآن، في أيار 2007، ونيسان 2008، وتشرين الأوّل 2008، وشباط 2009، وتناولت السياسات الاجتماعيّة وتنافسيّة المؤسسات والمنافسة والزراعة... وهذا التوصيف للمنتدى يضعه في إطاره الحقيقي، أي إن نتائجه تجسّد الحدّ الأدنى من التسويات الممكنة، لا الحدّ الأقصى من التغيير المطلوب.
لقد بيّنت القراءات السابقة أن برنامج التيار الوطني الحر هو الأكثر انسجاماً مع التزاماته في المنتدى المذكور، ولا سيما في المسائل الاجتماعية، فيما برنامج حزب الله بدا «ضبابياً» بسبب عموميته المفرطة، أمّا برنامج تيار المستقبل فجاء متناقضاً مع الكثير من التزاماته... وهذا ينطبق أيضاً على المسائل الأخرى التي تناولها المنتدى، والمتصلة بالمنافسة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والزراعة.
لقد وقّع ممثلو الكتل النيابية في المنتدى الالتزامات التالية:
ـــ إعادة تنشيط المجلس الاقتصادي والاجتماعي باعتباره أداة تسمح بتقريب وجهات نظر مختلف الأطراف المعنيّة.
ـــ إنشاء مجلس وطني للمنافسة، أو إقامة هيئة عليا للمنافسة، تُناط بها صلاحيات التحقيق، واتخاذ القرارات وفرض العقوبات، ووضع برنامج عمل في مختلف الدوائر الوزاريّة المعنيّة والتحقّق من وجهة التطبيق/ المعاقبة على الأخطاء. ولقد «أذعن» المشاركون لضرورة سنّ قانون حديث بشأن المنافسة يُعنى بمكافحة مختلف الممارسات الاحتكاريّة.
ـــ إقرار «قانون لبناني للمؤسسات الصغيرة» «small business act libanais».
ـــ تخصيص المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بنسبة من السوق المحلية.
ـــ استحداث نظام تأمين على المخاطر الطبيعيّة والتقلّبات المناخيّة نظراً للمخاطر المرتفعة المحدقة بالنشاط الزراعي.
ـــ إنشاء مصرف زراعي وبدء العمل به، شرط ضمان استدامته على النحو الواجب، وذلك لتوسيع نطاق الوصول إلى الاعتمادات.
لا يتعامل حزب الله مع هذه الالتزامات باعتبارها مسائل تحتاج إلى تفصيل في برنامجه الانتخابي، فلا يذكر المجلس الاقتصادي الاجتماعي، كما لا يذكر الاحتكارات ومسائل المنافسة، ويكتفي بسرد عناوين عمومية عن «تطوير القطاعات المنتجة، مثل الزراعة والصناعة والسياحة، من خلال تأمين القروض الميسّرة، وتوفير الحوافز الضريبية، وتشجيع المؤسسات الصغيرة على الاندماج، وتعزيز العمل التعاوني، وتقديم الإرشاد والدعم بالمعدّات، وزيادة المساحات المرويّة، ودراسة حاجات السوقين المحلّية والخارجية، والاتجاه نحو التصنيع الزراعي، وتنمية قطاع الإنتاج الحيواني، ودعم الصادرات على أنواعها».
أمّا تيار المستقبل، فيسترسل في برنامجه الانتخابي بالحديث عن تحفيز الاستثمار وتسهيل الأعمال وتنمية الإنتاج، باعتبار أن ذلك يوفّر البيئة الملائمة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وهو يبدو رافضاً لأي إجراءات أخرى تتصل بتنويع مصادر التمويل غير «كفالات»، كما لا يشير إلى «المصرف الزراعي»، وبالتالي لا يقارب معظم التزاماته في المنتدى، ويكتفي بالدعوة إلى «إقرار قانون المنافسة» الموجود في المجلس النيابي، وهو القانون الذي «أذعن» المشاركون لضرورة تعديله لكي يصبح قادراً على مكافحة الممارسات الاحتكارية فعلياً.
كما في الالتزامات السابقة، يظهر برنامج التيار الوطني الحر بوصفه الأكثر التزاماً من بقية الأطراف، إلا أنه لا يأتي على ذكر المصرف الزراعي، فيما يؤيّد إنشاء «الصندوق الوطني للتأمين ضد الكوارث الطبيعية»، ويقترح مجموعة من الإجراءات لدعم المزارعين، ويدعو كما تيار المستقبل إلى توسيع خدمات مؤسسة «كفالات»، لكنه يتميّز بالتوسّع في تأكيد التزاماته في كل ما يتعلق بمكافحة الاحتكارات والإغراق وتعزيز المنافسة.