طال موعد إعلان زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، خالد مشعل، إلى طهران، منذ اللحظة الأولى لزيارة «كسر» الجليد التي قادها مسؤولون حمساويون إلى العاصمة الإيرانية في الشهر الماضي. وليس للأمر علاقة مباشرة بأي شائعات أو أخبار عن ترحيل مشعل من قطر إلى تركيا، فهذه الأيام، يسعى وفد ثانٍ إلى محاولة إنجاح الزيارة، وهو برئاسة عضو المكتب السياسي جمال عيسى، ومعه ممثل الحركة في لبنان علي بركة، فضلا عن ممثلها في طهران، خالد القدومي.
النتائج غير واضحة. إذ يؤخر زيارة مشعل الاختلاف على جدول التفاصيل الذي ذكرت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية، قبل أسبوع، أنه صار جاهزا. فبينما يطلب الرجل أن يكون ضمن الزيارة مقابلة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، السيد علي الخامنئي، والرئيس، حسن روحاني، لم يعط الإيرانيون ردا إيجابيا على ذلك، بل اكتفوا بعرض جدول آخر ليس فيه مقابلة المرشد والرئيس.
«حماس» تصر على «استقبال لائق» لرئيس مكتبها في إيران، التي أعطت أعلى رسائل الدعم السياسي والإعلامي للحركة خلال الحرب الإسرائيلية على غزة مقابل تمسك الأخيرة بقطر وتركيا حتى النفس الأخير، ثم ما لبثت أن قررت العودة إلى حضن المحور بعرض عسكري ورسائل شكر تفصيلية (راجع العدد ٢٤٧٠ في ١٥ كانون الأول ٢٠١٤).
السلطة متوجسة من
التقارب... وعباس غاضب من «تسليح الضفة»

في التقدير الحمساوي الداخلي أن رفض طهران مرجعيته عدة أسباب، أولها الرغبة في عدم استفزاز السوريين بمشهد يجمع مشعل وخامنئي، أو روحاني. كما يعلمون أن الأول سيعود إلى الدوحة بعد الزيارة، وهو ما فُهم إيرانيا على أنه إصرار على البقاء في المحور المعادي لدمشق، وأخيرا ثمة حديث عن «جردة حسابات». حتى زيارة الوفد الجارية جرى تغطيتها بأنها مشاركة في مؤتمر الوحدة الإسلامية فحسب، كما أبلغ الوفد ضرورة حسم مشعل قبوله الجدول المعروض لزيارته إلى طهران قريبا.
من هنا يصبح البحث مجديا في ما يفكر به المكتب السياسي. إذ يقول مصدر في «حماس» إن خيارات الحركة محدودة، وكل ما يسعون إليه حاليا تأمين مقر في الخارج، ثم يجرى «تدارس الجغرافيا السياسية وتحديد إطار القرارات، وخاصة في غزة التي تنتظر حسما واضحا لنتائج الحرب الأخيرة». أيضا، يصير فهم «كمية» التصريحات التي أطلقتها «حماس» في «التغزل» بإيران، واضحا، وآخرها المقال المطول لممثل الحركة في لبنان سابقا، مصطفى اللداوي، الذي برع في توصيف ما قدمته إيران إلى المقاومة عامة، وحركته خاصة.
رغم ذلك، تصر «حماس» على ألا تخسر ما بنت أحلامها عليه حينما قررت الذهاب إلى قطر، فهي منذ أيام تحاول على المستوى الإعلامي «تثبيت» كذب الأنباء التي تناقلتها وسائل إعلام أجنبية وعالمية عن طلب الدوحة من مشعل مغادرتها إلى تركيا. ومع أن مسؤول العلاقات الخارجية للحركة أسامة حمدان وصفها بأخبار «ساقطة وكاذبة لا تستحق التعليق عليها»، فإن كمية النفي توحي، على الأقل، بمدى استفزاز هذه القضية للقيادة الحمساوية، التي تقول مصادر داخل غزة، إن الخشية من الخروج بنتيجة أن «قطر باعتنا» تمثل الهاجس الأكبر الآن.
وفيما اكتفى المتحدث باسم الحركة، سامي أبو زهري، بالقول إن «التسريبات عن مغادرة مشعل لا أساس لها من الصحة» رافضا التعليق أكثر، باءت محاولات التواصل مع أعضاء المكتب السياسي لفهم القضية بالإخفاق، فيما كان الاعتذار عن التصريح سيد الموقف، وتكرر الأمر نفسه لدى السؤال عن مصير علاقتهم بالقاهرة.
يعود المصدر نفسه ليبدي «الندم» على الذهاب إلى قطر، قائلا إنه رغم الوعود المالية الكبيرة، لا يمكن للحركة الاستفادة منها كيفما تشاء، على «عكس الإيرانيين الذين كانوا يعطوننا الأموال بالحقائب ويتركون لنا حرية التصرف بها». وعن إمكانية البقاء في الدوحة والمدى الزمني الممكن لذلك، لا يخفي المصدر أن «قيادة الخارج» تراهن على «الاستفادة إيجايبا من الصلح القطري ـ المصري. لكن بقاء نائب مشعل، موسى أبو مرزوق، في غزة، يظهر عكس ذلك، وخاصة أن احتجاج أبو مرزوق في عدم عودته إلى مصر، بإغلاق معبر رفح، لم يعد كافيا بعدما فتح عدة مرات في الأسابيع الماضية، كما افتتح مكتب خاص به في القطاع، وعادت أسرته من القاهرة.
الآن تبحث «داخليا» سيناريوهات الإقامة، بعدما «خرجت القاهرة والخرطوم وصنعاء وتونس من الخيارات، وباءت المحاولات مع عمّان بالرفض، فيما ظل موقف دمشق كما هو». أما تركيا، فإنها توصف بخيار «الإبعاد الاختياري» عن المنطقة، فضلا على المخاطر الأمنية من الوجود هناك «في ساحة مفتوحة للاستخبارات الإسرائيلية». وحتى لو جرى تجاوز العوائق مع طهران، فإن نقل المركزية إليها يعني «إعدام العلاقة بالمحيط العربي».
في سياق متصل، تكشف مصادر في حكومة غزة السابقة، أن الدعم القطري الذي كان يصل عبر بوابتها انخفض كثيرا، وما أعلن في مؤتمر القاهرة، قبل أشهر، تلتزم الدوحة إمراره عبر السلطة الفلسطينية «كما جرى في دفعة الموظفين المدنيين، أو الدفعة الأولى لإعمار غزة». هنا تتحدث مصادر مقربة من رام الله عن تأثر المصالحة الفلسطينية الداخلية بالعلاقة الحمساوية ـ الإيرانية، إذ إن لدى محمود عباس غضبا كبيرا من تقاطع حديث طهران عن تسليح الضفة المحتلة، ودعوات «حماس» إلى إشعال ساحتي القدس والضفة بعدما كُشفت له مسؤولية الحركة عن عملية الخليل التي قتل فيها ثلاثة مستوطنين. وتكشف تلك المصادر أن عباس كان قد سجل في أحد لقاءاته المصورة هجوما كبيرا على الجمهورية الإسلامية بسبب تصريحاتها خلال الحرب، لكنه سرعان ما استمع إلى نصائح المقربين منه، وطلب حذف ذلك الحديث من التصوير. واليوم، كلما زاد القرب بين «حماس» وإيران، توجست السلطة من نتائجه.
(الأخبار)