غزة | منذ بداية الإمداد الإيراني للمقاومة الفلسطينية، لم تضع طهران شرطا يحدد هوية المستفيد بناء على حجمه وامتداده الجماهيري، وإن كان ذلك يحدد طبيعة الدعم ونوعيته، لكنه لا يلغي أصل وجوده. حتى فلسطينيا، يفهم من تعميم الدعم على التنظيمات والأذرع العسكرية الصغيرة، أنه يمثل كابحا لجنوح أي تنظيم كبير نحو عملية تسوية سياسية تنهي المقاومة، فتقفز مباشرة أصوات المقاومة من أكثر من طرف، في وقت يستمر فيه ظهور تشكيلات عسكرية وسياسية جديدة في الساحة الفلسطينية.
جزء من هذه التنظيمات كان قد «تفرخ» من التنظيمات الكبرى، لعدة أسباب منها الاعتراض على الطريقة الإدارية أو النضالية للتنظيم الأم. ومهما يكن، يجمع بين التشكيلات الجديدة الإيمان بالمقاومة المسلحة خيارا أصيلا، فيما تؤكد أن مصدر الدعم المالي الأساسي لها هو الجمهورية الإسلامية وحزب الله، الأمر الذي يرسخ قاعدة مفادها بأن العلاقة مع المقاومة في فلسطين تخطت العناوين العريضة التي تمثلها التنظيمات التاريخية والكبيرة، إلى التعاطي مع كل من يريد حمل السلاح في وجه إسرائيل.
طهران تحرص على التوازن في دعم الأذرع العسكرية الصغيرة منها والكبيرة

لجان المقاومة الشعبية، أحد أبرز التنظيمات التي ظهرت في بداية انتفاضة الأقصى الثانية، يقول المتحدث باسمها، علي الششنية، إن اللجان تنظر إلى إيران «نظرة إجلال وإكبار... نضع من يدعم المقاومة ويجاهر في استعداده لتزويدها بالسلاح فوق الرأس». حديث مشابه لدى سالم ثابت، وهو مسؤول «جيش العاصفة» التابع لحركة «فتح» (مجموعات عماد مغنية سابقا)، وأحد المطلوبين الذين قصفت بيوتهم. يؤكد ثابت أنه صار من نافلة القول معرفة أن دعمهم يأتي من طهران والحزب، مستغربا ما يقال عن دعم «دولة إسلامية» لتنظيمات «علمانية ويسارية»، لأن «الجمهورية تنطلق من كونها دولة ولدت من رحم ثورة أطاحت طاغية، وهي أعلنت منذ عام 1979 مواقفها اتجاه فلسطين، ما أهّلها لتقود المقاومة ضد الهيمنة الأميركية». ويشدد القيادي، الذي تعرض لمحاولات اغتيال، أنه «لا أحد يستطيع ادعاء الانتماء بصدق إلى المقاومة، وأن يقول إنه يعمل بعيداً عن الحاضنة الإيرانية».
بين هذه التنظيمات، يُطرح سؤال فحواه، لماذا لا تقوي طهران هذه التنظيمات أكثر ممن لم يساند سوريا؟ يجيب أحد المسؤولين بالقول، إن القيادة الإيرانية تدرك بالتفصيل وضع الساحة الفلسطينية سياسيا وعسكريا، وهي حريصة على حفظ التوازن في العلاقة ما بين هذه المكونات، وأي زيادة ملحوظة في الدعم لطرف على حساب آخر قد تؤدي إلى خلخلة الأوضاع. هو ما تؤكده لجان المقاومة بالإشارة إلى أن علاقة الجمهورية بالفصائل الفلسطينية «قائمة على تكامل الجهود والخبرات والحرص على علاقات متنية وجيدة... الحديث عن خلافات طارئة بين حركة حماس وإيران هو حدث طارئ».
أيضا لدى حركة «المجاهدين» التي برزت في السنوات الأخيرة من الانتفاضة، وكان لها حضورها في حرب الخمسين يوماً، تأكيد على أن «الحركة امتداد للمحور الذي تقوده الجمهورية»، عبر قولها، في حديث متلفز، إنها «امتداد فلسطيني للمقاومة اللبنانية، والدولة السورية التي تحمي وتدعم مشروع المقاومة».
على شاكلة أكثر وضوحاً، جاء موقف حركة «حصن ـ الصابرين» التي ظهرت أخيراً، إذ يقول أحد أبرز قادتها ويدعى هشام سالم، إن «الصابرين تحدد مواقفها بمقياس القرب والبعد عن فلسطين ومنها، فعند الحديث عمن يتبنى القضية الفلسطينية منذ ثلاثين عاماً، تقف الجمهورية الإٍسلامية في صدارة مشهد الدعم الصادق الذي لم يشهد تغيراً». وأضاف سالم: «نأمل أن يستفيد الإخوة في حماس من التجارب الفاشلة للآخرين، وأن تتموضع الحركة بثبات في الحلف المقاوم بقيادة إيران» كما قال خالد مشعل سابقاً.