بدأت حلقة جديدة في مسلسل المواجهات بين الحكومة والمعارضة في الصومال، لكنها، على عكس نظيرتها البحرية، لا تلقى نصيباً كبيراً في المتابعة من أصحاب القرار الدوليعندما يُطرح الموضوع الصومالي على المستوى الدولي، فإن مقاربته تكون من خلال التركيز على القرصنة البحرية وكمية الأموال التي خسرتها الشركات من جراء اختطاف السفن والفدية التي دفعتها وارتفاع كلفة التأمين على السفن ومدى تأثيرها على التجارة الدولية. ورغم أن معظم المتعاطين مع المسألة الصومالية يعرفون جيداً أن القراصنة، كما أشار الرئيس الصومالي شريف الشيخ أحمد، «يسكنون أساساً على البر وليسوا مقيمين في البحر»، إلا أنهم لا يتساءلون لماذا اختار هؤلاء الأشخاص مواجهة أساطيل العالم لتحصيل لقمة عيشهم؟
التجاهل الدولي للبر الصومالي يأتي مع اندلاع موجة جديدة من العنف، حصيلتها وصلت خلال أسبوع إلى 130 قتيلاً على الأقل. قتلى أصبحوا مجرّد أرقام تتراكم فوق أعداد تُذكَر كلما عاد القتال ليندلع، بالإضافة إلى أعداد الذين فروا من أماكن القتال التي وصلوا إليها بالأساس هرباً من أماكن قتال أخرى.
ووسط هذه الحالة العبثية، يحاول الناس الانطلاق في الحياة، فيبحثون عن سبل لتحصيل معيشتهم. 18 عاماً من القتال والحرب الأهلية جعلت الوظائف الشاغرة محصورة بالآتي:
أن تصبح عنصراً في الشرطة أو الجيش وتحارب المتمردين، أو أن تصبح عنصراً في المتمردين وتحارب الجيش، والاحتمال الثالث أن تختار مهنة القرصنة.
وعقد المجتمع الدولي مؤتمراً للمانحين في نهاية الشهر الماضي في بروكسل أفضى إلى إعطاء الصومال نحو 215 مليون يورو للمساعدة على بناء الجيش وقوات الأمن، ما من شأنه أن يعيد الاستقرار إلى البلاد. لكن اليوم، بعد مرور نحو شهر على المؤتمر، عاد الأفرقاء إلى المواجهات في الشارع والعالم يتفرج، فما دام القتال على اليابسة، فلا مشكلة، وإبداء القلق قد يكون كافيّاً.
يشار إلى أن إيطاليا قد قررت إقامة مؤتمر في العاشر من الشهر المقبل لـ«مساعدة الصومال على تعزيز قدرات حكومته التي لا تزال هشة». ومقاربة المسألة الصومالية في القمة، هي حسب وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني، لإعطاء «رد جذري على ظاهرة القرصنة» التي باتت «تتسم بعدوانية متزايدة». إلا أنه لم يتطرق إلى العدوانية التي أجبرت نحو 43 ألف شخص على أن يفروا خلال الأيام الـ12 الماضية من المعارك الدائرة في مقديشو، ولم يتطرق كذلك إلى 400 ألف شخص يعيشون في المخيمات في الداخل، أو نحو 273 ألف لاجئ في كينيا.
في هذا الوقت، دعت الهيئة الحكومية للتنمية ومكافحة التصحر (إيغاد)، عقب اجتماع طارئ عقدته في أديس أبابا خُصِّص لبحث الوضع في الصومال، مجلس الأمن الدولي إلى فرض حصار بحري وجوي على هذا البلد.
وكررت الدول الأعضاء في «إيغاد» دعمها للحكومة الانتقالية الصومالية. ورأى السكرتير التنفيذي، محبوب معلم، أن ما يحصل «لم يعد حرباً بين الصوماليين، بل حرب على الصومال، حرب علينا جميعاً».
كذلك، طلبت «إيغاد»، التي تضم حالياً أوغندا وإثيوبيا وجيبوتي وكينيا والسودان والصومال، من مجلس الأمن أن يفرض «من دون تأخير» عقوبات على أريتريا، المتهمة بزعزعة استقرار الصومال. وأورد بيان ختامي تلاه وزير الخارجية الكيني، موسيس ويتانغولا، أن «المجلس يقر بأن المهاجمين استخدموا حدود أريتريا، وخصوصاً مطارين للتزود بالسلاح والذخائر إضافة إلى دعم خارجي». ودعا البيان «مجلس الأمن الدولي إلى فرض حصار جوي» على مجموعة من المطارات الصومالية، على أن تستثنى من هذا القرار المساعدات «لدواع إنسانية».
ودعت «إيغاد» أيضاً الأمم المتحدة إلى «فرض حصار على الموانئ، وخصوصاً كسمايو وميركا لتفادي تدفق جديد للأسلحة والمقاتلين الأجانب»، آملة أن تطلب الأمم المتحدة «من القوات البحرية الموجودة في المنطقة تطبيق هذا الحصار».
ميدانياً، قتل مدنيان على الأقل أحدهما طفل وأصيب خمسة آخرون في مقديشو في مواجهات بين الإسلاميين المتطرفين المعارضين، وقوة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال، وفق ما أفاد شهود.
ومن جهة ثانية، أكد وزير الخارجية الإثيوبي سيوم مسفين، أن «المتطرفين لا يهمهم السلام. إن أجندتهم لا علاقة لها بالاستقرار في الصومال وخطتهم تتجاوز الصومال»، ملاحظاً أن «المتمردين (يبدون) أقوياء لأن الحكومة ضعيفة».
من جهته، رأى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، جان بينغ، أن «العنف بلغ مقديشو في مستوى غير مسبوق». وإذ رحب بجهود الرئيس الصومالي شريف شيخ أحمد لتوسيع قاعدة حكومته، أعرب عن أسفه لـ«تصميم المتمردين، المدربين والممولين والمسلحين من جانب مصادر في الخارج، على تعطيل عملية السلام».
(الأخبار)