باتت قضية المستوطنات في الضفة الغربية، تحتلّ موقع الصدارة في سلم اهتمامات حكّام تل أبيب. وتلوح في الأفق خطة إسرائيلية تستبق وصول باراك أوباما إلى القاهرة، تقوم على إخلاء بؤر عشوائية في مقابل السماح بتوسيع البناء في المستوطنات القائمة علي حيدر
كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، أمس، أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تعهد أمام الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض، يوم الاثنين الماضي، عدم بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية المحتلة، رافضاً في الوقت نفسه طلبه تجميد البناء في المستوطنات القائمة.
وأكّدت الصحيفة أن نتنياهو يعتزم، على خلاف موقف الإدارة الأميركية، مواصلة أعمال البناء في المستوطنات الواقعة في الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة والقدس الشرقية. ونقلت «يديعوت» عن «بيبي» قوله، خلال مداولات مغلقة، إنه وعد أوباما بألّا تُبنى مستوطنات جديدة في «يهودا والسامرة» (الضفة)، لكنه شدد على أن البناء في المستوطنات القائمة لن يُجمَّد، مبرّراً ذلك بحجة أنه «لا يمكن البناء في هواء المستوطنات التي يوجد فيها تكاثر طبيعي». وقد أطلع نتنياهو أعضاء المجلس الوزاري المصغر، على نتائج زيارته الأميركية، وذلك بحضور كل من وزراء الدفاع إيهود باراك، والخارجية أفيغدور ليبرمان، والشؤون الاستراتيجية موشيه يعلون، والوزيرين من دون حقيبة دان مريدور وبيني بيغن.
وبحسب الصحيفة العبرية، فمن المفترض أن يكون نتنياهو قد عيّن، خلال الاجتماع، لجنة وزارية تقود المباحثات مع المبعوث الأميركي الخاص بالشرق الأوسط، جورج ميتشل، الذي يُتوقع أن يزور إسرائيل بعد أيام. مباحثات ستكون مادتها الرئيسية قضايا الاستيطان، ومطلب واشنطن تجميد أعمال البناء فيها.
ومن المتوقع أن يعين رئيس وزراء دولة الاحتلال، لجنة وزارية أخرى تتولى المحادثات مع الطرف الأميركي بشأن البرنامج النووي الإيراني. وبحسب الإعلام العبري، فإنّ نتنياهو أوصى المجلس الوزاري المصغَّر، بالتمسك بمنع أي تدخل دولي هدفه فرض رقابة على المنشآت النووية الإسرائيلية.
من جهة أخرى، أشارت «يديعوت» أيضاً، إلى أن باراك طلب اتخاذ قرار فوري بإخلاء 26 بؤرة استيطانية عشوائية في الضفة، وهو ما علّق عليه نتنياهو بالقول إنّ «كل تفاهم يتوصل إليه وزير الدفاع مع قادة المستوطنين سيكون مقبولاً بالنسبة إلي». ويبدو أن رمي كرة مصير المستوطنات في ملعب باراك وزعماء المستوطنين، يهدف إلى عرقلة أي إزالة جديدة لأي مستوطنة. فقد حذّر المقرّبون من وزير الدفاع، في أعقاب إخلاء بؤرة «ماعوز استير» أول من أمس، من أن على باراك أن يتذكر أنه وزير في حكومة يمينية لا في حكومة إيهود أولمرت (وسط).
وبناءً على تقارير إعلامية إسرائيلية، بات أمل حكام تل أبيب يُختصَر في أن يقبل الأميركيون خطة تقوم على إخلاء البؤر الاستيطانية في مقابل استمرار البناء في المستوطنات القائمة. خطة بدأت ملامحها تظهر بما أنه، بعد يومين فقط من لقاء أوباما ـــــ نتنياهو، جرى إخلاء بؤرتين استيطانيتين. لكن بعض التقارير نقلت عن وزارة الدفاع تأكيدها عدم وجود أي علاقة بين المطالب الأميركية، وبين تجميد البناء في المستوطنات. حتى إن البعض ذهب في تحليله ليبرر إخلاء عدد من البؤر بهدف تليين خطاب أوباما في القاهرة مطلع الشهر المقبل.
بدورها، كشف صحيفة «معاريف» أن خطة قادة الدولة العبرية كما جرت بلورتها إثر لقاءات قادة الأجهزة الأمنية وعدد من الوزراء، وكُتبت في ثلاث صفحات، تتناول «سياسة الحكومة الإسرائيلية الجديدة في المجال السياسي والأمن القومي». ووفق «معاريف»، فإن الخطة تنقسم إلى فصول؛ الأول يركز على الخطر الإيراني، ويتناول ثلاثة عنوانين: التهديد الإيراني لعملية السلام، حيث كل «الخيارات تبقى على الطاولة»، و«الجدول الزمني» المتاح أمام المفاوضات السلمية.
أما الفصل الثاني، فيتناول «عملية السلام»، ويشير إلى أن تسليم أكبر قدر من الأرض للفلسطينيين «ليس هو الحل»، بدليل ما حصل في غزة بعد الانسحاب الأحادي الجانب منها. كما تتطرق بنود الخطة إلى واقع «المجتمع في إسرائيل كدولة يهودية»، فضلاً عن التصور «للتسوية الدائمة».
وخصصت مساحة من التقرير للحديث عن المستوطنات والقدس و«أنابوليس» ومبادرة السلام العربية، انطلاقاً من أن «حكومة إسرائيل ستحترم كل الالتزامات السابقة، بعدم بناء مستوطنات جديدة، وتفكيك البؤر الاستيطانية غير القانونية»، مع التشديد على أنّ «قضية المستوطنات ستبحث في التسوية الدائمة»، والإشارة إلى أنه في «هذه الأثناء، لا يفترض أن يغير البناء داخل المستوطنات القائمة، ما يُتَّفَق عليه في المستقبل بصدد مستقبل هذه المستوطنات ضمن اتفاق السلام»، لدحض نظرية أن «المستوطنات هي العقبة الكبرى في طريق السلام».
إلى ذلك، نددت وزارة الخارجية الفرنسية بتصريحات نتنياهو لجهة اعتباره أن القدس «عاصمة إسرائيل، كانت وستبقى كذلك»، مؤكدة أن هذه التصريحات تمثّل «استباقاً للوضع النهائي» للمدينة.
وقال مساعد الناطق باسم الخارجية الفرنسية، فريديريك ديزانيو، «في نظر فرنسا، ينبغي أن تصبح القدس عاصمة لدولتين في إطار اتفاق سلام يجري التفاوض في شأنه»، مشيراً إلى أنه «يعود الأمر إلى الطرفين لكي يتوصّلا إلى اتفاق نهائي وشامل بشأن الوضع النهائي يضع حداً للنزاع».