strong>سجال رئاستي الجمهوريّة والحكومة أضعف موقف بغداد والعرب لم يهنّئوها على «المصالحة»أسباب عديدة جعلت من العراق أحد أكبر المهمَّشين في البيان الختامي لقمة العرب. ومن أبرز ما يُسجّل، خلاف رئاستي الجمهورية والحكومة، وهشاشة ما تتغنى به بغداد بشأن «المصالحة والوطنية». المهم أن العرب لم يصدقوا نوري المالكي، وبالتالي لن تتمتع بغداد بشرف استقبال العرب في العام المقبل

بغداد ــ زيد الزبيدي
اختُتمت قمة الدوحة العربية بخيبة أمل عراقية كانت متوقعة، إذ لم يحقّق الوفد الذي تقدمه رئيس الحكومة نوري المالكي ما كان يصبو إليه، لذا رأى العديد من السياسيين أن القمة كانت «مجرد لقاءات لتبادل الأحاديث وشرب فناجين القهوة»، بينما رأى التحالف الكردستاني أن المالكي خرق الدستور عندما قال في كلمته إنّ «عروبة العراق ووحدته خطوط حمراء».
وقد رأى البعض أنّ التقليل من شأن القمة جاء نتيجة لسلوك المالكي الذي دخل في مماحكة مع رئيس الجمهورية، جلال الطالباني، تتعلق بأحقية ترؤس وفد العراق ودستوريته، ما أعطى إشارات إلى أن ما يُقال عن المصالحة الوطنية «لا أساس له»، حيث يتبادل أقطاب السلطة الشتائم على خلفية مواضيع ثانوية، فكيف الحال بالنسبة إلى الأطراف غير المشتركة في العملية السياسية؟
وتجسد «الخلاف البسيط» في أنّ الدعوة إلى القمة سُلِّمت شخصياً إلى الطالباني، لكن المالكي أراد الذهاب بدلاً نه فوافق رئيس الجمهورية. وهنا ظهر الخلاف على صيغة ترؤس المالكي للوفد؛ فقد جاء بيان الرئاسة العراقية ليقول إن الطالباني «أناب» رئيس الوزراء لتمثيل العراق في القمة، ما استدعى رداً من مكتب الأخير رفض مصطلح «الإنابة»، مؤكداً أن مبرّر توجه المالكي إلى الدوحة هو أنّ «رئيس الوزراء هو الشخص الأول المكلف رسم سياسة العراق داخلياً وخارجياً»، وأنه مرتبط مع عدد من القادة العرب بمواضيع تتعلق بالمصالحة العربية والمصالحة الوطنية. وقد حصر البيان نفسه صلاحيات رئاسة الجمهورية في المحافل الخارجية في خانة «الصلاحيات البروتوكولية».
وفي السياق، سرب مقربون من المالكي خبراً خلال القمة، يشير إلى لقاء مرتقب بين رئيس الوزراء وملك السعودية عبد الله، «لحل بعض المشاكل المتعلقة بالعلاقات الثنائية، وبالمصالحة الوطنية». غير أن اللقاء لم يُعقَد في النهاية.
وفي كلمته، تحدث المالكي مطولاً عن «مصالحات ومنجزات» حكومته، غير أنّ البيان الختامي لم يشر إلى كل ذلك، ما اضطر بعض أجهزة الإعلام العراقية الحكومية، إلى التلاعب ببعض الحروف لتغيير الفقرة المتعلقة بالعراق في «إعلان الدوحة»، حيث نشرت مقدمة تقول: «جدّدت القمة الالتزام باحترام وحدة العراق وسيادته واستقلاله وهويته العربية والإسلامية، ودعم مساره السياسي الذي يرتكز على المشاركة الكاملة لمختلف مكونات الشعب العراقي، وفقاً للتصور العربي الذي أقرته القمة العربيةوتتناقض هذه الفقرة كلياً مع النص الرسمي، الذي يقول: «نجدّد التزامنا باحترام وحدة العراق وسيادته واستقلاله وهويته العربية والإسلامية، ودعمنا للمسار السياسي الذي يرتكز على المشاركة الكاملة لمختلف مكونات الشعب العراقي وفقاً للتصور العربي الذي أقرته القمة العربية». وبالطبع هناك فرق كبير بين «دعم مساره»، و«دعم المسار الذي يرتكز على المشاركة الكاملة»، التي لمست القمة أنها لم تتحقق، بدليل أنها لم تهنّئ حكومة بغداد على «الإنجازات» التي تتغنّى بها. جميعها معطيات أدّت إلى تسجيل الاعتراض العراقي على نص البيان الختامي في محضر الجلسة.
ومن بين أهم ما نقض كلام المالكي عن المسار السياسي والمصالحات أمام مؤتمر القمة، ما حدث في بغداد عشية انعقاد الاجتماع العربي، بحيث أصدر حزب «الدعوة الإسلامية» الحاكم بياناً يدعو إلى «تجريم حزب البعث»، وإبعاد كل رموزه وعناصره حتى عن أي مصالحة وطنية. وهو موقف سارع المرجع السيد علي السيستاني إلى تبنّيه منقلباً على ما سبق ونقل عن لسانه في هذا الشأن.
كذلك شهدت بغداد عشية القمة، عمليات عسكرية ضد قيادة «الصحوة» وعناصرها في منطقة الفضل نفذتها قوات «التدخل السريع» المرتبطة مباشرة بمكتب المالكي بمساندة قوات الاحتلال. وكانت العناصر المستهدفة نفسها، قد حضرت قبل أيام قليلة مؤتمراً للمصالحة برعاية حكومية ـــــ أميركية، بينما كشف متحدثون باسم «خطة فرض القانون» أنّ الذين استُهدفوا وقُبض عليهم، «كانوا تحت المراقبة منذ أكثر من شهر بسبب معلومات عن انتمائهم إلى جناح مسلح في حزب البعث». وإذا كان الطرف الكردي قد احتج على تطرق المالكي في كلمته إلى عبارات «وحدة العراق وعروبته»، واعتبرها مخالفة للدستور، فإن مؤتمرات المصالحة العراقية في القاهرة عامي 2005 و2006، نصّت على ضرورة تعديل الدستور الذي كان المالكي وحزبه طرفاً أساسياً في إعداده وتمريره.
ولعلّ عدم التزام الحكومة ببنود مؤتمرات القاهرة، و«لقاء العهد في مكة»، إضافة إلى عدم التصالح داخل قيادة الحكم، والعنف الرسمي المستمر، هي أهم أسباب إخفاق الوفد العراقي في قمة الدوحة، ورفض انعقاد القمة المقبلة في بغداد، التي قيل إن التحضيرات اللوجستية غير المتوافرة في العراق، جعلته «يعتذر» عن استضافتها.