ردّ اقتراح قانون لإعفاء غير المقيمين من الرسوم العقاريةمحمد وهبة
فشلت محاولات إمرار اقتراح قانون يميّز بين اللبنانيين المقيمين والمغتربين. فقد ردّ مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة مشروع اقتراح تقدّم به أربعة نواب من تيار المستقبل يهدف إلى إعفاء المغتربين وحدهم دون سائر اللبنانيين من رسوم التسجيل العقاري. فالاقتراح يمثّل مشروع رشوة انتخابية لا مشروعاً اجتماعياً ـــــ اقتصادياً، ويأتي ضمن سعي قوى سياسية عدّة إلى استقدام الآلاف من الخارج للمشاركة في الانتخابات في 7 حزيران المقبل، وتحفيزهم للاقتراع لهذا التيار عبر تسديد كلفة سفرهم وتكبيد كل اللبنانيين كلفة رشى مباشرة أخرى تتصل بشراء شقق وعقارات تعفى من رسوم التسجيل التي يتكبدها المقيمون.
وجاء قرار مجلس الوزراء برد هذا الاقتراح ـــــ الفضيحة، بعد الملاحظات القانونية التي وضعتها هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل وجهات أخرى معنية. وقد كشفت هذه الملاحظات عن سذاجة كبيرة، وطرحت تساؤلات عن مدى أهليّة هؤلاء النواب والجهات السياسيّة التي يمثّلونها للقيام بدور تشريعي واقتصادي واجتماعي. ولعل أبرز هذه الملاحظات أن الاقتراح يخالف المادة 7 من الدستور، وهذا ما يعرّضه للطعن في حال إقراره... وما يثير الشبهات أن رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة استعجل إدراجه على جدول أعمال مجلس الوزراء قبل عرض مشاريع قوانين وخطط أكثر إلحاحاً، كالموازنة العامة وخطة الوزير ألان طابوريان في قطاع الطاقة، وملف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

الاقتراح «المسخ»

وكان النواب عاطف مجدلاني، سيرج طورسركيسيان، رياض رحّال وعزام دندشي قد تقدّموا في 29 كانون الثاني 2009، باقتراح قانون يرمي إلى إعفاء المغترب اللبناني من رسم التسجيل العقاري لدى تملّكه شقة أو عقاراً يبنيه للسكن الخاص لمرة واحدة. ويحصل المغترب على هذا الإعفاء إذا توافرت فيه الشروط الآتية: أن تكون له أصول لبنانية يستطيع إثباتها وقد ترك الأراضي اللبنانية منذ أكثر من 20 سنة، ويقيم خارج الأراضي اللبنانية، ويحمل جنسية أو إقامة من بلد معترف به، ولا يملك أيّ حق عيني من أي نوع كان في لبنان.
والواضح من هذه الشروط أن المستهدف ليس من تنطبق عليه الأسباب الموجبة المرفقة مع نص الاقتراح، أي من تأثّر بالأحداث في لبنان واضطر إلى مغادرته، بل إن المستهدف هو من لم يعد لبنانياً أصلاً بالمفهوم القانوني.
وبحسب الاقتراح، فإن الإعفاء يطال العقارات بحسب المحافظات. ففي بيروت، تعفى الشقة السكنية التي تبلغ مساحتها 150 متراً مربعاً والعقار الذي تبلغ مساحته 250 متراً مربعاً. وفي جبل لبنان، تعفى الشقة التي تبلغ مساحتها 300 متر مربع، والعقار الذي تبلغ مساحته 1500 متر مربع. وفي باقي المحافظات، يسري الإعفاء على الشقة التي تبلغ مساحتها 500 متر مربع والعقار البالغ 5 آلاف متر مربع. وتعطي المادة الرابعة من الاقتراح المغترب حق إنجاز ما يريد إنشاءه خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات.

سر استعجال السنيورة

في 2 شباط 2009، أحال رئيس مجلس النواب الاقتراح إلى مجلس الوزراء «للاطّلاع وإبداء الرأي وإفادة مجلس النواب»، وهذا أمر اعتيادي يقوم به المجلس ليتيح المجال أمام الحكومة لإبداء الرأي، بناءً على إفادة الإدارات المعنية لتعديل الاقتراح قبل عرضه في مجلس النواب. فما كان من رئيس مجلس الوزراء إلا أن عرضه في الجلسة التي انعقدت في 8 نيسان 2009، وذلك فور وروده إلى الأمانة العامة للمجلس من الإدارات العامة، ما دفع مصادر وزارية إلى استغراب الاستعجال «قبل الانتخابات النيابية»، معتبرة أن «له أهداف مرتبطة باستقدام المغتربين».

ملاحظات دستورية

وكان لافتاً في الملف أن المديرية العامة للشؤون العقارية (تابعة لوزارة المال ويسيطر عليها تيار المستقبل) لم تبد أي ملاحظة مباشرة على الاقتراح، كما لم توضح أثره المالي على الرسوم العقارية التي تجبيها الخزينة العامّة، بل اكتفت بطلب ضمهّ «إلى اقتراح القانون الجديد لتملّك الأجانب، نظراً إلى وحدة الموضوع»... والاقتراح المذكور يثير تساؤلات عن أهداف السياسات الضريبية. فهل يجوز أن يكلّف اللبنانيون المقيمون بتسديد رسوم يُعفى منها من صار من مواطني دولة أخرى؟ وهل الهدف تحفيز المقيمين على التملّك أم تحفيز من صار أجنبياً؟
إلا أن تقاعس هذه المديرية عن القيام بواجباتها، قابله موقف واضح من وزارة الخارجية ومن هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، إذ ردّتا برفض الاقتراح جملة وتفصيلاً، لمخالفته المادة 7 من الدستور التي تساوي بين اللبنانيين، ولخلوّ التشريع اللبناني من أي تحديد قانوني واضح لصفة المغترب اللبناني، ومن أي معايير وضوابط يمكن اللجوء إليها لدى السعي إلى تمييزه عن غيره من اللبنانيين.
وجاء في مطالعة هيئة التشريع ملاحظتان أساسيتان:
ـــــ الأولى: إن تعريف المغترب يعتريه شيء من الغموض، ولذلك فإنه من الأصح اعتماد التعريف الذي وضعته اللجنة التي وضعت مشروع قانون إنشاء البطاقة الاغترابية، التي تحدد مواصفات المغترب بأنه لبناني الأصل أو منحدر من أصل لبناني، أي أن يكون أصله من أراضي لبنان الكبير ووجد في 30 آب 1924 مقيماً خارج الأراضي المذكورة...».
ـــــ الثانية: لا يمكن في أي حال خرق المبدأ الدستوري المتمثّل بمساواة جميع اللبنانيين أمام القانون، فكيف الحال عندما يقترح القانون تفضيل المغترب اللبناني على اللبناني في حقوقه المدنية أمام القانون، ويعطيه امتيازات لا يملكها اللبناني المقيم في لبنان وغير المقيم فيه، كإعفائه من رسوم التسجيل العقاري؟ وبالتالي لا يمكن إعطاء المغترب امتيازاً لا يتمتع به اللبناني، وأفضل ما يمكن تقديمه للمغترب لتشجيعه على التملّك في لبنان، هو إعطاؤه بعض الحقوق المدنية التي يتمتع بها اللبناني بمقتضى أحكام الدستور والقوانين اللبنانية، كحقّ الدخول إلى لبنان والإقامة فيه من دون تأشيرة دخول وإجازة إقامة، واكتساب الحقوق العينية العقارية من دون قيود، وحق العمل من دون إجازة.


550 مليار ليرة

هي قيمة الرسوم العقارية المستوفاة في عام 2008، بحسب الإحصاءات المتوافرة، وهي تستوفى على أساس 5 في المئة من القيمة البيعية، وترتفع إلى 5.60 في المئة معدلاً نهائياً يحتسب بعد تنزيل رسمَي البلدية والطابع، وهذا يسري على كل أنواع العقارات


إسكان الشباب السياسة الضريبية أن اقتراح إعفاء المغتربين من رسم التسجيل العقاري يُسهم في تعميق الاختلال الضريبي بين مكوّنات وشرائح المجتمع اللبناني. فإذا كان لا بد من إعفاء ضريبي، فلا بد أن يكون لكل اللبنانيين، ولا سيما المقيمين منهم، لأنهم الأولى بهذا الإعفاء إذا كان المقصود المساعدة في عملية إسكان الشباب والفئات الفقيرة، وتخفيف العبء الضريبي عنهم. وبالتالي، لا يمكن إلا استغراب اقتراح كهذا وتوقيته الذي يثير الشبهات.