«المرأة الحديدية» هي في الواقع نجمة ركبت غمار السياسة متمسّكة بحبال الحظ الذي رافقها منذ بكت زعيمها السابق بنيامين نتنياهو، الذي بات اليوم غريمها الأول
فراس خطيب
في انتخابات عام 1996 للدولة العبرية، أظهرت النتائج الأولية فوز رئيس حزب «العمل»، آنذاك، شمعون بيريز، على خصمه رئيس حزب «الليكود» بنيامين نتنياهو. الكاميرات كانت حاضرة في مركز «الليكود»، وسلّط أحد المصوّرين العدسة على شابة شقراء كانت تبكي حسرة على خسارة قائدها نتنياهو. نام الإسرائيليون ليلتها معتقدين أنَّ بيريز سيكون رئيساً للوزراء، لكنّ أفكار الليل محاها النهار، وفاز نتنياهو في الدقيقة التسعين.
مرّت السنون، وتبدلّت الأحوال السياسية بين عام وآخر. ولسخرية القدر، كادت الفتاة الشقراء نفسها، تسيبي ليفني، أن تصبح رئيسة للوزراء ومنافسة قوية لزعيمها القديم. رغم أن حلمها اقتصر آنذاك على أن تكون وزيرة للقضاء لا أكثر.
وعلى الرغم من فوز نتنياهو ليلاً على بيريز في 1996، إلا أنَّ الفوز لم يكن كاسحاً، ولم يمنح ليفني فرصة الدخول إلى الكنيست، إذ حصل «الليكود» على 32 مقعداً بينما كانت ليفني في المكان الـ36، وبقيت خارج الدائرة. لكنَّ الحظ حالفها عندما أوصى بها «شخص مهم» كي تكون مديرةً لسلطة الشركات الحكومية في مكتب رئيس الوزراء، هذا الشخص كان مديراً لمكتب نتنياهو واسمه أفيغدور ليبرمان. اليوم، على بُعد 13 عاماً، يقف ثالوث ليبرمان ونتنياهو وليفني على رأس أكبر ثلاثة أحزاب في إسرائيل: «إسرائيل بيتنا» و«الليكود» و«كديما». الأوّلان في الائتلاف الحكومي والأخير في المعارضة.
من هناك أتت ليفني، ودخلت الكنيست لأول مرة قبل عشر سنوات فقط، بعدما استقال نتنياهو في أعقاب خسارته أمام زعيم حزب «العمل» إيهود باراك، وبدأت حرب وراثته. كانت ليفني موالية في الأمس لأكبر أعدائها اليوم، إيهود أولمرت، الذي دعمته في وجه أرييل شارون. خسر أولمرت أمام شارون، فانقلبت ليفني وأصبحت من أكبر الموالين للأخير.
تنقّلت بين الوزارات المختلفة تحت ظل شارون، وانسحبت معه عندما أسس «كديما» عام 2005. وعندما غرق قائدها الجديد في غيبوبة في أوائل 2006، وافقت على أن تكون الشخص الثاني بعد أولمرت، وتبوّأت وزارة الخارجية في عهده. بعد سقوط أولمرت وفضائحه، انتزعت ليفني زعامة «كديما»، وكادت أن تكون رئيسة الوزراء، لولا أنَّ ليبرمان، الذي أوصى بها عام 1996، رفض التوصية بها مرة ثانية لرئاسة الوزراء. فجلست النجمة الشقراء، التي لاحقتها الأضواء على مدار عامين، على مقاعد المعارضة، في زاوية مظلمة تبحث فيها عن الضوء.
تلك كانت طريق ليفني. اعتقد العالم أنَّها «امرأة حديدية»، لكنّ تاريخها يشير إلى أنَّها «امرأة الصدفة». المرأة التي سوّقت لنفسها على أنها صاحبة «السياسة الأخرى»، تقف على رأس حزب يتورط جزء من قيادييه في قضايا فساد، وأبرزهم المقرّب منها تساحي هانغبي.
لم تولد ليفني من رحم القيادة بقدر ما ظهرت في عهد الاستقرار السياسي. لم تبن حضوراً سياسياً بمقدار ما اكتسبت حضوراً في ظل غياب القياديين. ليست «قائدة سلام»، كما صوّرها مقرّبوها. فأيّ سلام هذا حين تكون قيادية في حكومة خاضت حربين تقتصر إنجازاتها على «مفاوضات عبثية» وفشل في تأليف حكومتين؟
اليوم تجلس زعيمة على مقاعد المعارضة. القياديون في تلك المقاعد كان لهم أثر على الحلبة السياسية. شارون رمّم الحزب بعد استقالة نتنياهو عام 1999، والأخير رمّم «الليكود» بعد انسحاب الأول في 2005. فهل سيكون لليفني أثر في المعارضة؟ حتى الآن، وقعت بما فيه الكفاية من الأخطاء؛ هاجمت حكومة نتنياهو في خطابها الأول على عدد الوزراء «لشؤون اللاشيء»، علماً بأنَّها كانت وزيرة لحكومة شارون التي استُدعي نجّارو الكنيست من أجل إضافة جزء آخر إلى الطاولة كي تتسع لجميع الوزراء. هاجمت ائتلاف نتنياهو، رغم أنَّها توسّلت ليبرمان كي يوصي بها أمام رئيس الدولة. هاجمت إيهود باراك، رغم علمها بأنّه لولا تصميم الأخير على إقالة أولمرت، ما كانت لتحلم بأن تصبح زعيمة «كديما» ثم مرشحة لرئاسة الوزراء.
في مقابلتها الأخيرة مع القناة الإسرائيلية العاشرة، بدى ظاهراً للعيان أن ليفني حاولت كسب شعبية عن طريق عناوين «مرحة»، وأرادت تغيير صورة «السياسي البارد». فعندما سألها رافيف دروكير «أيّ نوع طفلة كنت؟»، أجابت كنت «توم بوي». الإجابة كانت جريئة نسبة لما اعتاده الإسرائيليون من ليفني، لكنّ «توم بوي» يظل في زاوية المرح لا في بلورة السياسات. في هذه الأثناء، ليفني لا تملك أموراً كثيرة لتتحدث عنها. وقد قال أحد الصحافيين الإسرائيليين: إنَّ أفضل ما حصل لليفني هو فشلها في الانتخابات، لتجد شيئاً تتحدث عنه.