جدول الأعمال الطبية لا يتغيّر... والمضمونون ضحية الأكلافرشا أبو زكي
في موازاة الثورات الطبية التي تجتاح دول العالم، وعلى الرغم من تطور الأنظمة الطبية والاستشفائية ومعها التغطية الاجتماعية للأعمال الطبية من الصناديق الاجتماعية، لا يزال لبنان يغرد خارج السرب، متمسكاً بجدول أعمال طبي يستفيد من تغطية الضمان لم يتغير منذ عام 1996، فيما أُصدر أول جدول للمستلزمات الطبية في عام 2003! هذا الواقع انعكس مباشرة على الوضع الاستشفائي العام وارتفاع تكاليف الأعمال الطبية، سواء أكانت وقائية أم علاجية، وزاد الشرخ الاجتماعي الحاصل، بحيث أصبح للأغنياء القدرة على الحصول على طبابة تقيهم من الأمراض، وتنتشلهم من احتمالات الوفاة، فيما بقي الفقراء رازحين تحت وطأة الأعمال الطبية غير المتطورة التي تزيد من نسب الوفيات وتعرض حياتهم للخطر، وذلك بسبب عدم قدرتهم على تغطية الأكلاف الاستشفائية المرتفعة في هذا المجال. وعدم تغطية الضمان عدداً كبيراً من الأعمال الاستشفائية، يفضح كذلك أنواعاً من الفساد السائد في الجسم الطبي، بحيث يتكتم عدد من الأطباء على وجود تغطية لبعض الأعمال من الضمان، لتحقيق إفادة مادية مرتفعة، كما تتقاعس بعض اللجان الطبية في نقابة الأطباء عن إرسال ملفات إلى الضمان لزيادة عمل طبي ما إلى جدول الأعمال الطبية...
لا إرادة في التعديل!
ويشرح أحد الخبراء المتابعين لقضايا الضمان الاجتماعي، أن جدول الأعمال الطبية المعتمد في الضمان منسوخ عن ذاك المتبع في فرنسا، وذلك على الرغم من الاختلاف في الحاجات الطبية بين بلد وآخر، ويشدد على أن الفرق الحاصل، أنه في فرنسا تُزاد الأعمال الطبية الحديثة بسرعة إلى الجدول، فيما إضافة أي تعديل على الجدول في لبنان تمر بتعقيدات إدارية وحسابات ضيقة، إذ تبدأ العملية بإرسال نقابة الأطباء ملفاً لإضافة عمل طبي إلى الجدول، فيُرسل الملف إلى اللجنة الطبية الاستشارية العليا في الضمان التي تدرس الملف، وإذا وافقت يتحول الملف إلى المدير العام للضمان، الذي يتوجه به كمشروع قرار إلى مجلس الإدارة، وهنا تبدأ الإشكالية بحيث يصبح الملف في انتظار إدراجه على جدول أعمال مجلس الإدارة، «والمشكلة إن كان المجلس لا يريد تمرير الملف، عندها لا يعرض نهائياً، وهنا فإن تعديلات الجدول الطبي تستلزم إرادة وملفات مضبوطة»! ويلفت المصدر إلى أن «نظام الضمان الاجتماعي في فرنسا تغير أكثر من مرة ليتماشى مع التطور الطبي الحاصل، فيما لا يزال هو نفسه في لبنان منذ عام 1964».
فمثلاً بدأت المستشفيات تستخدم تقنية الـ«نيوننتال سكرينينغ تاست»، وهو فحص يُجرى للأطفال المولودين حديثاً يكشف عن 27 مؤشراً لأمراض تتعلق بالحساسية والغدد والهرمونات التي تندرج ضمن الطب الوقائي، وهذا الفحص يمكن أن يساعد الأهل على كيفية تحصين أطفالهم من مسببات الأمراض المرجح إصابتهم بها، إلا أن هذا الفحص لا يغطيه الضمان، على الرغم من أنه من الممكن أن يمثّل حصناً وقائياً للأجيال الجديدة. دكتورة طب الأطفال هلا أبو الحسن، ترى أن المستشفيات «تتاجر في هذا الفحص»، وتشرح أن هذا الفحص تقوم به المستشفيات للأطفال الحديثي الولادة، فيما لا يعطي أية نتائج إلا لدى الأطفال الذين يبلغون الشهرين من عمرهم. وتشدد أبو الحسن على أن المطلب الأساسي من الضمان، هو تغطية اللقاحات الأساسية للأطفال، الذي يصل عددها إلى 12 لقاحاً توزع وزارة الصحة عدد قليل منها، وما بقي يوضع على كاهل المواطن، وتشدد على أن تغطية اللقاحات أساسية جداً في الطب الوقائي وهي معتمدة في جميع دول العالم.
ويلفت المصدر إلى أن عدم تغطية الضمان للقاحات غير مبرر، وخصوصاً أن هذه التغطية موجودة حتى في جدول الأعمال الطبية الفرنسي، ومشككاً في أن اللجنة العلمية في طب الأطفال في نقابة الأطباء قدمت ملفاً إلى الضمان يتعلق بضرورة تغطية اللقاحات.
تمييل وأسنان وسمع
أما في ما يتعلق بعملية التمييل، فقد بدأ بعض الأطباء بنصح المرضى باستخدام تقنية صورة سكانر خاصة تعفي المريض من عملية التمييل إن كانت شرايين القلب «نظيفة»، وهذه التقنية لا يغطيها الضمان أيضاً، ويلفت الدكتور فراس البيطار إلى أن هذه الصورة موجودة من أكثر من سنتين في لبنان، وتعتبر بمثابة مرحلة أولى من الكشف، ويمكن أن تعفي من العملية بشرط نظافة الشرايين، وكلفتها بين بين 400 و600 دولار، فيما يلفت دكتور القلب والشرايين أنيس أبو حبيب، إلى أن الضمان الاجتماعي لا يغطي عمليات «الراسور» الحديث في القلب، ويشير إلى أن كلفة الراسور الحديث بين ألف وألفي دولار وهو يمتاز بكونه يحوي أدوية ويتمتع بديمومة أفضل من الراسورات الشائعة. وهنا يلفت المصدر إلى أن الآلة التي تتيح تصوير القلب من دون الحاجة إلى التمييل نادرة في لبنان، والضمان لا يمكنه تغطية هذا الإجراء ومن ثم تغطية عملية التمييل إن كانت الشرايين غير مؤهلة، لافتاً إلى أنه قُدّم الطلب لإضافة هذه الإجراء إلى الجدول الطبي حوالى 3 مرات إلى الضمان، ولكنه رفض لأن الملف «مش مرتب»، أي إنه لم يقترن بدراسة وبمبررات مقنعة.
من جهة أخرى، يقول الدكتور وليد نعوس وهو طبيب أسنان إن الضمان لا يغطي أي عملية من عمليات الأسنان إن كانت أساسية أو ثانوية، ويلفت إلى مرسوم صدر عن مجلس الوزراء منذ حوالى سنتين قضى بشمول طبابة الأسنان بالضمان، وحينها أقيمت دورات تدريبية لحوالى 20 طبيباً مراقباً، وجرى شراء تجهيزات لفتح 10 مراكز في لبنان تعنى بهذا الموضوع، إلا أن هذا المرسوم لم ينفذ حتى الآن، ويشرح نعوس أن الملف أقفل بمبرر أن الضمان واقع في عجز ولا يستطيع تحمل تكاليف نفقات إضافية. وعدم تغطية الضمان تشمل أيضاً أعمالاً أخرى، منها الليزر للعيون وآلات تقوية السمع، التي تغطيها معظم الدول.
من جهة أخرى، يشير الدكتور في الأمراض النسائية زين هاشم إلى وجود حالات مشمولة ولا يغطيها الضمان إلا بشروط، كعملية ربط الأنابيب إذا تزامنت مع الولادة.


1.2 مليون مستفيد

هو عدد المستفيدين من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ويلفت الأطباء إلى أن تعديل جدول الأعمال الطبية في الضمان يؤدي إلى خفض معدل الوفيات وتراجع نسبة المرضى، وخصوصاً في ما يتعلق بالعلاجات الوقائية


لجان ولجنة