مهدي السيدبعد أقل من شهر على مباشرة الحكومة الإسرائيلية أداء مهماتها، بدأت الخلافات الجوهرية بين أقطابها تطفو على السطح. ففيما رأى وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان أن مبادرة السلام العربية «آلية لتدمير إسرائيل»، أعلن وزير الدفاع إيهود باراك أنه سيجري دفع هذه المبادرة قدماً، وأن تفاصيلها ستُبلور مع الولايات المتحدة.
وأمام هذه التناقضات، التزم رئيس الحكومة بنيامين نتيناهو الصمت في انتظار بلورة سياسة موحّدة في هذا المجال، يتوقع مراقبون أن تلتزم في نهاية المطاف بمبدأ حل الدولتين المشروط بخطوط حمراء إسرائيلية تتعلق بطبيعة الدولة الفلسطينية.
وقد واصل ليبرمان إطلاق نيرانه السياسية في كل اتجاه؛ فبعدما نعى مسار أنابوليس الذي بات في حُكم «الملغى والباطل»، تطرّق أمس إلى مبادرة السلام العربية، معلناً أنها «خطيرة ووصفة أكيدة لتدمير إسرائيل». وجاءت أقواله في جلسة مغلقة مع طاقم وزارة الخارجية، نقلت صحيفة «معاريف» مضمونها. وسرعان ما جدد ليبرمان، خلال اجتماع الحكومة المصغّرة للشؤون السياسية والأمنية، رفضه مبادرة السلام التي أقرّتها قمة بيروت عام 2002 بسبب البند المتعلق بحق العودة للاجئين الفلسطينيين.
وقد تزامن موقف ليبرمان هذا مع نشر صحيفة «هآرتس» مقتطفات من أول مقابلة سياسية شاملة تُجرى معه منذ تسلّمه مهماته وزيراً للخارجية. ورفض ليبرمان، خلال حديثه مع الصحيفة الروسية «موسكوبسكي كومسمولتس»، مبادرات السلام الجديدة للرئيس باراك أوباما، لأنّ «المسيرة السياسية منوطة بخطوات تتخذها إسرائيل». وقال إنّ «أميركا ستقبل بكل قرار تتخذه» الدولة العبرية. واستخفّ بـ«خريطة الطريق» وبفكرة حل الدولتين، لأنهما «مجرد شعارات جميلة عديمة المضمون».
والمفاجأة الأهم في تصريحات ليبرمان تمثّلث في مخالفته الحسابات الأميركية ـــــ الإسرائيلية في ما يتعلق بإيران، حيث رأى أن الجمهورية الإسلامية ليست التهديد الأكبر في المنطقة، بل باكستان وأفغانستان، بينما تحل إيران في المرتبة الثانية. وأشار إلى أنّ «باكستان هي دولة نووية والوضع فيها غير مستقر وهناك خطر من أن تسيطر جهات مقرّبة من طالبان على الحكم في أفغانستان». وعبّر عن تخوّفه من أن «ينشأ محور متطرّف مؤلّف من باكستان وأفغانستان تحت قيادة روحية لأسامة بن لادن». واختصر رؤيته لبؤر المخاطر بالقول «إذا كنا نتحدث عن سلّم أولويات في الحلبة الدولية، فإني أقترح جدول عمل كالآتي: باكستان وأفغانستان أولاً، وبعد ذلك إيران، ثم العراق».
وقد استدعت مواقف ليبرمان هذه رداً سريعاً من باراك، الذي نقلت عنه وسائل إعلام عبرية جزمه بأن «خطة إسرائيلية لتسوية إقليمية شاملة هي محور أساس في سياسة تل أبيب في السنوات القليلة المقبلة، ومفتاح لضمان مستقبلنا في المنطقة».
ولفت باراك إلى أنّ «على إسرائيل أن تبلور مع الولايات المتحدة تفاصيل هذه المبادرة الشاملة وضمان المصالح الأمنية الإسرائيلية أيضاً ومركّبات الأمن والطبيعة اليهودية للدولة من دون حق العودة».
وخلصت تقارير إعلامية إلى أن هذا السجال الإعلامي بين باراك وليبرمان «ما هو إلا استمرار للخلاف بينهما على السياسة الخارجية»، وخصوصاً في ما يتعلق بالعملية السياسية مع الفلسطينيين والسوريين وعملية سلام شاملة.