الإخفاقات في الرقابة المالية سببها المحاصصة
«الفاعليات السياسية المهيمنة على السلطات العربية تتعمد إضعاف الدولة لتسهيل تقاسم المغانم في ما بينها، فيما تعمد هذه الفاعليات إلى قمع القوى الشعبية أو تغييبها، مخفية كل نوع من أنواع المحاسبة... فالفساد متغلغل في السلطات»، عبارة قالها الدكتور زياد الحافظ تختصر واقع الفساد القائم الذي تناولته «المنظمة العربية لمكافحة الفساد» في ندوتها عن «تحسين أداء الرقابة المالية في الأقطار العربية» في فندق البريستول، أمس. وخصّ الحافظ لبنان قائلاً «إن الإخفاقات الملحوظة في الرقابة المالية ناجمة في معظم الأحيان، إن لم تكن في جميعها، عن الأداء السياسي للمسؤولين السياسيين والإداريين بسبب نظام المحاصصة السياسية التي يرتكز عليها النظام السياسي في لبنان. فالقوانين والدوائر الرقابية من حيث التكوين النظري لا تختلف عن القوانين والدوائر المماثلة في الدول المتقدمة، إلّا أن الإخفاق هو نتيجة الأداء السياسي. وبالتالي فإن العلاجات التي يمكن عرضها يسبقها إصلاح سياسي لا بد من تحقيقه، وإلّا كانت تلك التوصيات من باب التمنيات التي لا تسمن ولا تغني عن جوع».
ولفت رئيس مجلس أمناء المنظمة الرئيس سليم الحص في كلمة ألقاها الدكتور محمد حموري إلى أن الرقابة المالية أداة طبيعية من أدوات المساءلة والمحاسبة، والمحاسبة ظاهرة ملازمة لأي ممارسة ديموقراطية. فلا ديموقراطية من دون محاسبة، كما لا ديموقراطية من دون تمثيل صحيح للشعب في هيكلية الحكم. والمحاسبة الفاعلة لا تستقيم إلا في ظل مراعاة دقيقة للفصل بين السلطات، وتحديداً بين السلطة الاشتراعية والسلطة التنفيذية، وبين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، وهي تفترض نظاماً نزيهاً وعادلاً للانتخابات النيابية يمكّن المواطن، أي الشعب، من التعبير عن إرادته الحرة في اختيار ممثليه في الحكم ومن ثم محاسبتهم عبر عمليات الاقتراع. وما ينطبق على المحاسبة عموماً ينطبق بطبيعة الحال على الرقابة المالية خصوصاً. هذه الشروط البديهية لفعالية المحاسبة ومن ثم الرقابة المالية غير متوافرة على وجه كاف أو مرض في أقطارنا العربية عموماً، ومشاريع الإصلاح في بلادنا لا بد أن تنطلق من إدراك هذه الحقيقة والعمل من ثم على تصحيح الواقع. والسؤال المركزي في هذا الصدد هو: هل أهل القرار في بلادنا، وهم يمثّلون ما يسمى الطبقة الحاكمة، يجدون هذا التوجه الإصلاحي المطلوب من مصلحتهم؟».
وقال: «من الأسرار المكشوفة أن الأقطار التي خضعت لفترات طويلة من الزمن للاستعمار أو للاحتلال أو الاستغلال الفاضح من جانب قوى محسوبة على العالم الأكثر تحضراً أو تقدماً، تعرضت أكثرها من جانب تلك القوى لكمّ فادح من الفساد والإفساد، كان منه سلب الكثير من موارد البلد الاقتصادية واستباحة إمكاناته واستغلال طاقاته خلافاً للمصالح الوطنية الداخلية، وهذا ما عجّل في حالات كثيرة انطلاق حركات رفض واعتراض وثورة أطاحت في نهاية المطاف سطوة المتحكمين من الخارج. والرقابة المالية، سواء في البلدان الأكثر تقدّماً أو في المجتمعات النامية، هي الوسيلة المتوخاة لتحصين مالية الدولة، سواء عن طريق ضبط الجباية أو ضبط النفقات وترشيدها».
أما الدكتور أحمد النجار (مصر) فأشار إلى أن إحكام وتعزيز آليات الرقابة العامة والبرلمانية على التصرفات بشأن المال العام يتطلّبان وجود نظام ديموقراطي كامل وحقيقي، فيه فصل وتوازن بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، بدلاً من حالة تغوّل السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية كما هي الحال في مصر في الوقت الراهن. هذا التغوّل الذي يضعف كل أجهزة الرقابة وآلياتها، ويجعل حرية الصحافة والكلام في مصر مجرد حرية للصياح لا للتأثير الفعال في مواجهة الفساد، داعياً إلى تحقيق الإصلاح المطلوب في الأجهزة الرقابية مثل الجهاز المركزي للمحاسبات وإدارة الكسب غير المشروع وهيئة الرقابة الإدارية، حتى تكون سنداً رئيسياً لمجلس الشعب في ممارسة دوره الرقابي، ما يتطلب جعل هذه الأجهزة الرقابية مستقلة عن السلطة التنفيذية ولا تتبعها في الوقت الراهن.
وكانت مداخلات الحضور قد شددت على أن السلطات السياسية الحاكمة لا تريد الإصلاح في الدول العربية، بل تسعى لفرض الفوضى لكي تتمكن من توسيع نفوذها وفسادها من دون رقابة فاعلة. ولفت المشاركون إلى أن الديموقراطيات الحديثة الممثلة بالولايات المتحدة الأميركية مثلاً تعتبر أسوأ نموذج للفساد، وخصوصاً مع تسليم السلطة لطبقة رجال الأعمال.
(الأخبار)