خاص بالموقع | 11:20 PMيديعوت أحرونوت ــ سيفر بلوتسكر
خطب الفارسي وغادر الأوروبيون. هكذا بدا في عيون إسرائيلية ظهور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في مؤتمر جنيف ضدّ العنصرية «دوربن 2».
نصر دبلوماسي كبير. دبلوماسي مؤكد، أمّا نصر، فمؤكد أقلّ. صحيح أنّ دول العالم الأول لم تأت إلى المؤتمر أو تغادره فوراً، لكن الوفود المحترمة التي وصلت من دول العالم الثاني والثالث بقيت في القاعة بكامل هيئتها حين ألقى نجاد كلمته.
أنصت الممثلون للغالبية العظمى من البشرية إنصاتاً شديداً لخطابه، وخلفه رمز الأمم المتحدة. وقد بُثّ الخطاب إلى منازل مئات الملايين مرفقاً بنبأ قصير عن مسيرة المغادرين للمؤتمر من الدبلوماسيين البيض بالبدلات الرسمية. كان هؤلاء دبلوماسيون بيض فقط.
كما المرات السابقة التي ظهر فيها على الملأ، عرض نجاد نظرية مرتّبة تؤدي إلى حل شامل وأصيل للنزاع الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني. ادّعاؤه مثير للحفيظة ويرنّ في آذاننا (وفي آذان معظم الرأي العام العالمي المتنور حتى الآن) كزيف وزور وتحريض ولاسامية. وفي آذان أخرى بعيدة عن أوروبا، يُسمع بصفته صوت العدل المكبوت.
ها هي خلاصة رواية الرئيس الإيراني، وجدير أن نتعرف إليها عن كثب:
سواء كانت كارثة مميزة لليهود في الحرب العالمية الثانية أو لا (ويُعقل أنها لم تكن، وبالتأكيد ليس بالحجم التي يصفها الصهاينة)، فقد استغلها اليهود واستخدموها بسخرية وبدهاء لتبرير طرد الفلسطينيين من وطنهم.
ومن خلال الانتهازية المغرضة ومجموعات الضغط الثرية، ابتزّ اليهود الصهاينة ضمير الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة والدول الاوروبية، ودفعوها لأن تؤيّد أحد أفعال السلب الكبرى في التاريخ: قرار التقسيم في الأمم المتحدة وإقامة دولة يهودية.
هذا القرار، لأنه مصاب منذ بدايته بظلم أساس، هو ملغى من ناحية أخلاقية. ويحمل الكيان الصهيوني الذي أقيم في فلسطين، منذ يوم مولده، الخطيئة طابعاً عنصرياً واستغلالياً. وقد جعلت هذه الخطيئة نفسها بؤرة الشر في العالم، والتقويض المطلق لاستقراره.
اليوم، حين تغيّر ميزان القوى العالمي، حان الوقت لأن يُلغى رسمياً قرار التقسيم المهين لعام 1947 الذي منح لمجموعة من اليهود أرض وطن عربي. وبدلاً منه، على الأمم المتحدة أن تتخذ قراراً جديداً يرتكز على: عقد استفتاء شعبي بين كل أبناء فلسطين حول مستقبلها. أبناء فلسطين الذين سيدعون إلى المشاركة في الاستفتاء هم المسلمون، الذين يسكنون فيها الآن، والمسلمون الذين سكنوا فيها قبل الاحتلال الصهيوني، وأنسالهم على مدى الأجيال وكذا المسيحيون واليهود الذين وُلدوا في فلسطين نفسها.
إيران دولة محبّة للسلام، تتعهّد مسبقاً بأن تقبل الحسم الذي سيحظى بالغالبية اللازمة في هذا الاستفتاء. لا يدور الحديث بالتالي عن شحذ السيوف النووية أو عن إعلان حرب على الصهيانة، بل عن حل عادل وديموقراطي يتحقق بالطرق السلمية وبموافقة الأسرة الدولية.
إذا أُلغي وجود دولة يهودية بنتيجة الاستفتاء، فإن خطر الإبادة أو «الكارثة» الثانية لا يحوم فوق رأس اليهود؛ فسيُسمح لهم بأن ينخرطوا في الدولة الفلسطينية الكبيرة كعنصر ديني ذي حقوق مدنية معترف بها، حتى أكثر من الحقوق التي تُعطى لليهود في إيران. وسيفعل المسلمون، خلافاً للنازيين، كل شيء لكي يحموا الأقلية اليهودية التي ستبقى في فلسطين بعد تطبيق الاستفتاء.
ما بقي هو تغيير نظام التصويت في الأمم المتحدة: 4 مليارات إنسان يعيشون في الشرق الأوسط وفي آسيا وفي أفريقيا وأميركا اللاتينية هم الغالبية، وهم يستحقون أن يعترف بهم كغالبية. ستكون إيران لسانهم.
لا تُعتبر رواية الرئيس الإيراني هذياناً أو جنوناً في العالم الثاني والثالث (وحتى لدى اليسار الأوروبي المتطرف)، وبالعكس، فهو يُعتبر شرعياً في الحديث عمّا بعد الاستعمار: إصلاح للظلم التاريخي الذي أوقعته الأمم المتحدة بحق الفلسطينيين في 1947، والحل سلمي، والتعايش والديموقراطية.
في هذا الخطاب، شبَه معيّن مع التسوية في جنوب أفريقيا وفي يوغوسلافيا السابقة. وبالنسبة إلى قدسية الاتفاقات الدولية، ألم يُلغَ اتفاق يالطا لتقسيم أوروبا؟
نجحت الدبلوماسية الإسرائيلية هذه المرة في أن تدفع بنجاد إلى الشعور بعدم الراحة قليلاً وهو يتحدث. هذا شيء ما، لكنه قليل جداً. ماذا يمكن حكومة إسرائيل أن تفعله اليوم لتصدّ جوهرياً «حل نجاد»؟
يمكنها أن تستغل نافذة الفرص لكي تصل مع الفلسطينيين ومع أنظمة الحكم العربية المعتدلة إلى تسوية سلمية، بهدف الحفاظ على دولة إسرائيل. انظروا من بقي لينصت لأحمدي نجاد في جنيف، وستفهمون أنّ الوقت آخذ في النفاد.