التهرّب عبر شركات التوظيف والانقطاع غير الدائم [3]محمد وهبة
بموجب القانون، كل من تنطبق عليه صفة «أجير»، يجب أن يجري التصريح عنه لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو أي جهة ضامنة أخرى، إلا أن ذلك لا يتحقق بسبب التفاف أصحاب العمل على القانون والتكتّم عن أجرائهم بطرق مختلفة، فقد بلغت نسبة الأجراء غير المشمولين بأي تغطية صحية أو اجتماعية 44.2 في المئة من مجمل الإجراء المقيمين في لبنان، بحسب الإحصاءات المتوافرة، بينهم من يعمل في مؤسسات القطاع العام، أي إنّ هناك نحو أكثر من 353 ألف عامل لبناني «مكتوم»، لا يستفيد من حقوقه في التعويض العائلي والصحي ونهاية الخدمة.
يؤكد النقابيون أن لا وجود لأي إحصاء رسمي في وزارة العمل عن عدد عمال لبنان والمكتومين منهم، إلّا أن أرقام إدارة الإحصاء المركزي تؤكّد وجود 1.118 مليون شخص في عداد القوى العاملة عام 2007، نحو 800 ألف منهم إجراء، فيما المشمولون منهم بالتغطية الاجتماعية والصحية الدائمة لا تتجاوز نسبتهم 55.9 في المئة.

اعتبارات وتجارة

لم يدرس الضمان هذه الأرقام ولا سيما العمالة المكتومة في القطاع الخاص، وإنما كان موضوع العمالة المكتومة في مؤسسات الدولة محور درس في أكثر من مرّة في مجلس الإدارة الذي تلقّى معطيات عدّة ورسائل من نقابات تفيد أن هناك آلاف الأجراء العاملين في بعض إدارات الدولة أو المؤسسات التي تخضع لسلطة وصاية بعض الوزارات، غير مصرّح عنهم.
لكن حيثيات عدم التصريح تختلف بين القطاعين العام والخاص، فالتكتم على العمال والمستخدمين في كلّ منها لديه ظروفه الخاصة. فبحسب مصادر مطّلعة في الصندوق غالباً ما تكون أسباب عدم التصريح عن الأجراء في القطاع العام سياسية، غير أنها في القطاع الخاص تخضع للمصالح المرتبطة بأصحاب العمل وتكاد تشبه تجارة «الرق»، فغالبيتهم يخضع للتهديد بالصرف من العمل إذا حاول المطالبة بحقوقه، كما أن المداورة على أكثر من شركة أو مصنع يجعلهم غير قادرين على إثبات وضعيتهم الوظيفية.
فقد تبيّن لمجلس الإدارة أن هناك مئات العمّال المكتومين في مؤسسات القطاع العام وتنطبق عليهم شروط الانتساب إلى الصندوق، وبحسب مصادر مطلعة، لم تعمد إدارات هذه المؤسسات إلى تسجيلهم وتكتّمت عليهم لأسباب تتصل بمواضيع سياسية في كل مؤسسة وبالتوزيع الطائفي في بعضها أو بقرارات مرتبطة بتوجهات سياسية لبيع قطاع ما... وانتُهكت حقوقهم على هذه الأسس، والحل وفق رئيس اللجنة الفنيّة في الصندوق، تفيد بأن يسمح للأجير الذي يتوانى صاحب عمله عن تسجيل نفسه.
وبحسب محاضر لمجلس الإدارة ومصادر في الصندوق، تبيّن وجود مئات العمال غير المسجلين: 800 عامل «جباة الأكراء» و1200 عامل في شركات الصيانة لمؤسسة كهرباء لبنان، و300 عامل في شركة كازينو لبنان، 150 عاملاً في «أوجيرو»، ما لا يقل عن 500 عامل في إدارة حصر التبغ والتنباك «الريجي»، 50 عاملاً مياوماً في صندوق الضمان... وسابقاً كانت هذه الظاهرة قد تفشّت بشكل كبير فعمدت بعض المؤسسات إلى معالجة مئات الحالات التي ظهرت في «الميدل ايست»، و900 في مستشفى بيروت الحكومي...
لكن الكثير من الحالات تأتي اليوم تحت عنوان «مياوم» فلا يمكن معالجتها، فـ«الريجي» مثلاً لديها حوالى 20 ألف عامل مياوم يعمل منهم 500 مداورة حتى يكون هناك فترة انقطاع عن العمل، لكن المحظوظين والمحسوبين سياسياً منهم يعملون لفترة أطول ثم يرفعوا دعاوى قضائية يثبتون بموجب أحكامها.
وفي حالتي مؤسسة كهرباء لبنان والكازينو كانت الذريعة بأن هؤلاء لا يحملون صفة أجير يخضع للضمان. فالمؤسسة كانت تتهرب منذ عام 1981 من تسجيلهم في الضمان معتبرة أن «عقودهم هي عقود التزام صناعة ولا يمكن اعتبار جابي الأكراء مستخدماً بمفهوم المادة 624 من قانون الموجبات والعقود ولا بمفهوم قانون العمل». فيما إدارة الكازينو تتهرب من تسجيلهم لأسباب «طائفية ـــــ سياسية».

شركات التوظيف

لم يكن أمام القطاع الخاص إلا التماثل بما تفعله مؤسسات القطاع العام للاحتيال على عملية تسجيل الأجراء لكن بطرق أكثر احترافية بهدف ضمان التهرّب القانوني. فبدأت مؤسسات القطاع الخاص، كبرى ومتوسطة وصغرى، بالتعاقد مع شركات توظيف تؤمن لها العمالة بمختلف أنواعها، أي «غبّ الطلب»، وغالباً ما يكون مالك المؤسسة شريكاً أساسياً في شركة التوظيف، تقول مصادر نقابية.
وتضيف المصادر: في المقابل يتقاضى العامل أجره اليومي من شركة التوظيف التي تتقاضى من المؤسسة المتعاقدة «على الراس»، ويُجبر هؤلاء على العمل أكثر من 10 ساعات من دون أي تقديمات اجتماعية وصحيّة. وفي حالات قليلة تصرّح شركات التوظيف عن عدد من العمال للضمان ليحصل الباقون على التقديمات الصحية على اسم هؤلاء، وهذا يعدّ تزويراً واحتيالاً على الضمان الذي ترتفع كلفة التقديمات الصحية لديه وتفوته الاشتراكات التي كان يمكن تحصيلها على المكتومين.
وتعدد المصادر بعض الشركات المعروفة التي يعمل لديها العشرات تحت هذا ستار «شركة التوظيف» أو ستار «العامل المياوم»، فتشير إلى وجود أكثر من 400 عامل في شركة بيبسي كولا، وحوالى 50 عاملاً في شركة كوكا كولا، وهناك تقارير نقابية تؤكد وجود هذا النوع من العمالة في شركات: فانتازيا، مستشفى الجامعة الأميركية (حرس، عمال تنظيفات...)، شركات تعبئة الغاز، محطات المحروقات، مصانع المفروشات والصناعات الغذائية والطبية والمشروبات، وفي بعض الصناعات اليدوية، وعمال مصانع الألمنيوم والترابة والبلاط، مصانع الألبان والأجبان مثل دايري دي وليبان ليه والمزارع، شركة «ترمينال» في مرفأ بيروت، متعهدو الأشغال العامة، الشركات التابعة للميدل ايست، المخابز والأفران، عمال التعاونيات، عمال شركة سوكلين والشركات التابعة، شركة زنتوت، شركات الأمن والحراسة... والكثير غيرها من المؤسسات الكبرى والصغيرة والمتوسطة.


368 ألف أجير

هو عدد الأجراء العاديين المسجّل في صندوق الضمان، يزاد عليهم 13.6 ألف موظف دولة و21 ألف مضمون اختياري و300 عامل بحر و60 بائع صحف 6 آلاف طبيب و1795 مختاراً و43.2 ألف سائق عمومي، و42281 مدرّساً.


الخضوع للضمان