«نحن من رفح جنوباً حتى بيت لاهيا شمالاً أصبحنا أمواتاً مع وقف التنفيذ»غزة ــ قيس صفدي
يعتصر الألم قلب الصياد محمد بكر لما آلت إليه حال الصيادين في قطاع غزة بفعل الاعتداءات اليومية لقوات الاحتلال الإسرائيلي، التي تفسد عليهم مهنتهم الوحيدة، وتمنعهم من جلب لقمة العيش لأسرهم.
هكذا، تأمّل الصياد بكر (61 عاماً) قاربه الذي غزاه الصدأ من قلة الاستخدام ودخول البحر. وقال والحزن يعتري تجاعيد وجهه: «كان هذا القارب يوفر لقمة عيش لنحو 10 أسر مكوّنة من نحو 60 شخصاً، لكنه اليوم بلا فائدة بسبب الاعتداءات الإسرائيلية وحرمان الصيادين من دخول البحر». وأوضح أن «ثمن هذا القارب حوالى 70 ألف دولار أميركي، لكنه لا يوفر لقمة العيش لهذه الأسر لتوقفه منذ أربعة أشهر تقريباً. وقد تعرّض لبعض الأضرار الجزئية جرّاء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، ويحتاج إلى بعض المواد والأدوات غير المتوافرة بسبب الحصار لإصلاحه».
وأضاف بكر أن «الزوارق الحربية الإسرائيلية ضاعفت في الآونة الأخيرة من مطاردة الصيادين وملاحقتهم وحرمانهم من الوصول إلى الأسماك على مسافة 10 إلى 15 ميلاً بحرياً، حيث تزخر هذه المسافة بأنواع مختلفة من الأسماك في مثل هذا الوقت من العام».
ودأبت الزوارق الحربية الإسرائيلية على ملاحقة الصيادين وإطلاق النار عليهم في مسافة لا تتعدى ثلاثة أميال بحرية، وتدفعهم إلى مغادرة البحر، وأحياناً اعتقال بعضهم واحتجاز قواربهم من دون سبب، فيما اتفاقات أوسلو تنص على السماح بالصيد في مسافة 20 ميلاً بحرياً. وكانت الحملة الدولية الفلسطينية لرفع الحصار عن غزة وعدد من المؤسسات الأهلية أطلقت أخيراً حملة لدعم الصيادين، والتعريف بما يواجهونه من صعوبات واعتداءات من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي، وحشد رأي عام دولي لمساندة الصيادين ومحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين. وتساءل: «ماذا عسانا أن نفعل في ظل الهجمة الإسرائيلية الشرسة التي تستهدفنا يومياً إما بالاعتقال وإما بإطلاق النار وإما بمنعنا من البحث عن رزقنا في بحر خلقه الله لجميع البشر». وقال إن «صيّادي غزّة ينظرون إلى البحر بحسرة، ويتخيّلون حياتهم من دون احتلال وعدوان، لكنّ الواقع ليس كالخيال. فالاحتلال إن لم يعتقلنا يطلق النار علينا وعلى قواربنا، فيدمر ما يدمر منها ويمزق من شباكنا الكثير إن لم يسحبها معه وتضيع، فنضطر إلى شراء غيرها ـــــ إن وجدت ـــــ بأسعار باهظة الثمن قد تصل إلى 12 ألف دولار».
وتابع بكر قائلاً: «نحن الصيادين من رفح جنوباً حتى بيت لاهيا شمالاً أصبحنا أمواتاً مع وقف التنفيذ. لم نستطع منذ حوالى عامين توفير لقمة العيش لأطفالنا، بسبب نقص الوقود وعدم وجود أدوات للصيد وقطع غيار للمراكب في السوق نتيجة الحصار، إلى جانب منعنا من دخول البحر». وأشار إلى أن الاحتلال يسمح للصيادين في أحسن الأحوال «بالصيد في أجواء من الخوف وفي حدود لا تتعدى ميلين إلى ثلاثة، وهي مسافة لا يتوافر فيها السمك بكميات وأصناف جيدة، ما يسبّب ضياع جهود الصيادين من دون جدوى».
ولفت بكر إلى أنه تعرّض وعدداً من أبنائه «للاعتقال غير مرة من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي، وأُخضعنا للتحقيق المهين»، مؤكداً أن «قوات الاحتلال حوّلت ميناء أسدود (داخل فلسطين المحتلة عام 48) إلى معتقل للصيادين فقط للضغط عليهم وابتزازهم ومساومتهم بين العمل معها كعملاء أو استمرار ملاحقتهم ومنعهم من دخول البحر». ويشكو من قلة اهتمام الجهات الرسمية والدولية والأهلية بقطاع الصيادين، وبالعمل على تعويضهم ودعم صمودهم للاستمرار في عملهم، مشيراً إلى أن «الخسائر كبيرة جداً وحجم التعويض لا يكاد يذكر».
وطالبت وزارة الزراعة في حكومة «حماس»، في بيان أمس، «بتدخّل عربي ودولي لحماية الصيادين الفلسطينيين في بحر غزة»، لافتة إلى أن «الاحتلال يواصل يومياً استهدافه للصيادين ومراكبهم ويقوم باختطاف البعض منهم».
وفي سياق آخر من الحصار، حذرت اللجنة الحكومية لكسر الحصار من تداعيات نفاد ورق الطباعة من مدارس قطاع غزة ومستشفياته جرّاء استمرار منع سلطات الاحتلال إدخاله إلى القطاع منذ حوالى عامين ونصف عام. وقالت اللجنة الحكومية، في بيان، إن «حاجة مدارس القطاع إلى ورق الطباعة أصبحت ضرورة ملحّة، وخصوصاً في هذه الأوقات التي يقترب فيها عقد الامتحانات للطلبة في المراحل التعليمية المختلفة».
وأكدت اللجنة الحكومية أن «أزمة نفاد الورق سوف تؤثر سلباً على الخدمات الصحية للمواطنين، وخصوصاً في المستشفيات»، مشيرة إلى أن «مخزون القطاع الحكومي لا يكفي لتسيير حاجات الوزارات والمؤسسات الحكومية لأكثر من شهرين». كذلك أعلنت الحكومة الفلسطينية المقالة على لسان وزير الأشغال العامة والإسكان، يوسف المنسي، «أن الحكومة تسعى إلى تطوير فكرة إنشاء مبان طينية لتلبية حاجات سكان القطاع إلى مبانٍ جديدة بعد هدم إسرائيل آلاف المنازل ومنعها إدخال مواد البناء إلى غزة منذ حوالى عامين ونصف عام».