66 ألف عامل يدحضون مقولة «عدم وجودهم» [4]رشا أبو زكي
مصائب العمال أشكال، فمعظمهم لا يتمتع بضمان يغطي فترة شيخوختهم، ومنهم من لا يحصل على حقه في التأمين الاجتماعي أو الصحي، ومنهم من يُذلّ أمام عتبات الزعماء للحصول على عمل، ومنهم من يعاني تأخيراً في صرف الرواتب، ومنهم من ينتظر مراسيم تحميه من أخطار العمل، ومنهم من ينتظر سلطات تحترم شعبها وتطبّق القوانين النافذة... والأسوأ حالة في ما بينهم هم هؤلاء الذين يتقاضون راتباً لا يتعدى الحد الأدنى للأجور، فهذه الفئة مغيّبة تغييباً تامّاً من خطابات المطالبين بإنصاف العامل في لبنان، لا بل إن البعض ينكر وجودهم أصلاً، وخصوصاً من هو على رأس السلطة التنفيذية في لبنان، وهو رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، الذي يردد في مناسبات عديدة، وخصوصاً حين تعلو الأصوات المطالبة بتصحيح الأجور أن «لا أحد في لبنان يتقاضى الحد الأدنى»! نقيض هذه الادعاءات هو حالات واقعية، وليست من نسج الخيال، موجودة بأعداد كبيرة في جميع المناطق اللبنانية، وتتركّز في المناطق البعيدة عن المدن الرئيسية بكثافة، حالات تتعرض للتهميش من السلطات السياسية والاقتصادية، وللاستغلال من جانب أصحاب العمل... فئة كانت موجودة قبل تصحيح الحد الأدنى للأجور في أيار من عام 2008 بنسبة ضئيلة جداً مقارنةً بغلاء المعيشة أي من 300 ألف ليرة إلى 500 ألف ليرة، ولا تزال هذه الفئة موجودة بأعدادها التي تقاس بآلاف العمال. وفي مناسبة الأول من أيار، كان لا بد من التركيز على هذه الفئة، ورفع صرخة لم تعتد السلطات سماعها: «نعم نحن نتقاضى الحد الأدنى للأجور»!

آلاف براتب ضئيل

تشير دراسة الأحوال المعيشية للأسر عن عام 2007 إلى وجود 715 ألف مستخدم وأجير في لبنان، بينهم 23،9 في المئة يرواح دخلهم بين أقل من 299 ألف ليرة و400 ألف ليرة، وإذا جرى احتساب الزيادة التي أُقرّت على الحد الأدنى للأجور العام الماضي، ومع افتراض أن أصحاب العمل التزموا بقرار الزيادة، فيصبح حجم الفئة التي يراوح دخلها اليوم بين أقل من 500 ألف ليرة و600 ألف ليرة 171 ألف عامل، فيما يصل عدد الذين يتقاضون رواتب ما دون الحد الأدنى للأجور (أقل من 300 ألف ليرة عام 2007) إلى 66 ألف عامل!
وبين آلاف العمال الذين يتعرضون لاستغلال تعبهم اليومي، تشرح ليال كساب (25 عاماً)، وهي الموظفة في شركة «الجنوب برس» منذ عام، ولا تزال تتقاضى حتى اليوم 500 ألف ليرة لبنانية، أنها دخلت الشركة كتجربة، ومن ثم جرى توظيفها بـ 500 ألف ليرة على أن يرتفع راتبها، إلا أن ذلك لم يحصل، فبقي الراتب ثابتاً عند الحد الأدنى للأجور، الذي لا يكفي مصاريف تنقل وطعام، وليال تحمل شهادة في تسويق الأعمال، ولكن شهادتها لم تساعدها في العثور على عمل براتب أعلى «فقد بحثت كثيراً إلا أنني لاحظت أن الرواتب ضئيلة، ولا أحد مستعد لتقديم راتب لائق مقارنةً بالمؤهلات العلمية التي أحملها». وتقول ليال «أنا معنيّة بعيد العمال لأن هذا البلد يظلم سنوات عديدة من عمري قضيتها في الدراسة»، وتشرح «لم أجد حلاً سوى السفر، فأنا سأذهب الى الولايات المتحدة الأميركية حيث يقيم خطيبي، الذي هاجر كذلك بسبب ندرة فرص العمل في لبنان».

9 سنوات براتب لا يكفي للتنقل!

وإن كانت ليال وافدة جديدة إلى سوق العمل، فإن فاطمة مسلماني، كانت تعمل لدى سوبرماركت إدريس منذ 9 سنوات بدوام 9 ساعات يومياً، وبراتب لا يتعدى الـ 650 ألف ليرة شهرياً، وتشير فاطمة إلى أن راتبها الحالي جاء بعد زيادة الحد الأدنى للأجور، أي منذ سنة لا أكثر، بحيث كان في السنوات السابقة 300 دولار فقط لا غير. وتشرح مسلماني أنه على الرغم من أنها كانت تعمل 9 ساعات يومياً، فإنها كانت تعمل مدرّسة خاصة بعد دوامها لكي تحصّل 100 دولار إضافية، وتلفت إلى أن راتبها لم يكن يكفيها للطعام والتنقل، إلا أنها لم تستطع الحصول على عمل آخر في بيروت، رغم أنها تملك خبرة واسعة في مجال عملها. وتشير فاطمة إلى أن الشركة أدخلتها إلى الضمان، إلا أن والدتها التي لم تكن قد بلغت سن التقاعد، وبالتالي لم تستطع أن تشملها بالضمان، فكانت تتكلّف مع أخيها كلفة استشفائها المرتفعة. وتقول فاطمة «اليوم (أمس) كان آخر يوم عمل في إدريس، غادرت قسم المشتريات للبحث عن عمل آخر، فالراتب لم يعد يكفي لطبابة والدتي، ولا يكفي حتى للتنقّلات».
أما محمد، الذي يعمل في مؤسسة مياه لبنان في الجنوب، فيشير إلى أنه يعمل في الشركة منذ عام 2002، وكان يتقاضى 340 ألف ليرة، ليرتفع راتبه إلى 500 ألف ليرة منذ شهرين، فيما المؤسسة لا تدفع تنقلات، ولا أية مصاريف إضافية، ويلفت قصير إلى أن راتبه لا يكفيه «تشريج تلفون»، ومصروف طعام، شارحاً أنه أنهى صف البروفيه بنجاح وتابع دورات في برمجة الكومبيوتر، إلا أنه لم يستطع العثور على عمل براتب أفضل في الجنوب، لافتاً إلى أن معظم مصاريفه لا تزال ملقاة على أهله، «فبدلاً من أن أساعدهم، أتلقى مساعدتهم إلى حين زيادة راتبي».

لم أجد سوى هذا العمل

«بقيت بلا عمل 5 أشهر، حاولت أن أجد فرصة أوظف فيها خبرتي في التجارة والمحاسبة فلم أجد، لذا قررت العمل بأجر بخس في مقابل أن أشعر بأنني منتجة»... هكذا تلخص سارة سبب قبولها العمل في شركة تأمين بأجر لا يتعدى الـ 300 ألف ليرة شهرياً، وتشرح سارة أنها تعمل في الشركة منذ أكثر من 9 أشهر بدوام 6 ساعات يومياً، «وحتى اليوم ورغم الوعود السابقة لم يرتفع راتبي ولا قرش»، وتشير إلى أنها تدفع 60 ألف ليرة شهرياً بدل تنقلات، وتسهم في مصاريف البيت بـ 100 دولار، وتصرف حوالى 60 ألف ليرة على الطعام، فلا يبقى «أي فائض للذهاب إلى مطعم، أو السهر مع أصدقائي ولو مرة في الشهر». بدوره يعمل حسن في محل للألبسة في صيدا منذ أربع سنوات براتب 450 ألف ليرة، بعدما ارتفع أخيراً 150 ألف ليرة. ويشرح أنه محروم حتى أدنى حقوقه في الحياة كشاب، ويلفت إلى أنه يبحث عن عمل آخر من دون جدوى، «وحالياً بدأت أرسل سيرتي الذاتية مع أصدقائي إلى الخارج، لعلني أجد عملاً أفضل في الغربة».


7.6 في المئة

هي نسبةالأجراء والمستخدمين الذين يراوح أجرهم الشهري بين مليون و400 ألف ليرة وأكثر في عام 2007، فيما وصلت نسبة الذين يتقاضون بين 500 ألف ليرة و700 ألف ليرة إلى 24،4 في المئة، وبين 700 ألف ليرة ومليون ليرة إلى 19%


مصاريف إضافية